اليوم التالي للحرب لا تبدو آفاقه قريبة
خضر رسلان
أسباب عديدة تخاض لأجلها الحروب تتفاوت أهدافها ونتائجها وفقاً للوسائل والظروف إلا أنّ الغالب في اندلاعها في معظم الأحيان انتفاء السبيل الآخر لحلّ الخلافات او حينما يرغب أحد الأطراف في الاستحواذ على أرض او ثروة او الهيمنة على مصادر أساسية مثل الطاقة والمياه. وهناك حروب لها دوافع أخرى مثل حرب التحرير والاستقلال وغيرها الكثير من الأسباب التي تتحدث عنها كتب التاريخ إلا انّ نموذج الحروب الغير مسبوقة هو نموذج فلسطين وما يجاورها من دول تكاد تكون من الحالات الفريدة والنادرة في التاريخ المعاصر، حيث تمّ اقتلاع شعب من أرضه واستيراد شعب آخر وابتداع كيان وإعطاؤه شرعية دولية وقرارات أممية لا تقبل النقض .
على الرغم من حصول الكثير من المقدمات التي سبقت قرار تقسيم فلسطين (الاسم الذي أطلق على قرار الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة رقم 181 والذي صدر بتاريخ 29 نوفمبر 1947) من قتل وتهجير واستيراد غزاة صهاينة ومهاجرين، الا انّ هذا اليوم يبقى هو التاريخ الفعلي لبداية اندلاع الحروب المستمرة على فلسطين وشعبها وشعوب المنطقة والذي يمكن تجزئته الى مرحلتين:
1 ـ حروب الصهاينة قبل طوفان الأقصى: وهي سلسلة من الحروب الإلغائية على صعيد الأرض والشعب والتاريخ بدءاً من إعلان «دولة إسرائيل» عقب نكبة 1948 ومن ثم الإطباق على كامل فلسطين عام 1967 وتهجير الشعب الفلسطيني صاحب الأرض الى العديد من بلاد الشتات.
أعقبت ذلك محطات وأحداث شملت القتل والإبادة والاجتياحات وتعزيز حركة الاستيطان وعقد اتفاقيات ومعاهدات تثبت وجود الكيان وتهدر حقوق الفلسطينيين، وفي المقابل استطاعت المقاومة سواء في فلسطين او لبنان من بناء القدرات وتعزيز مكامن القوة التي أثمرت نصراً وتحريراً في لبنان وقوة ردع حاسمة تردع الصهاينة ما يحسب له ألف حساب. يُضاف الى ذلك بروز الانتفاضات المتتالية داخل فلسطين وعلوّ كعب المقاومة ومقارعتها للاحتلال الذي اضطر الفرار من قطاع غزة الذي ما فتئ ان تعرّض لحصار قاس بهدف ليّ ذراع مقاومته التي عملت بكدّ وصبر، وهي التي ترى بأمّ عينها سياسة الاحتلال وغيّه سواء في الاستيطان او اعتقاله للآلاف من الفلسطينيين، عملت على تعزيز مكامن القوة وتنمية قدراتها بالتضامن والتكافل مع محور يتشارك معها في الرؤى والأهداف؛ وفي مقدمها تحرير فلسطين واستعاده الأرض وإزالة هذا الكيان الغاصب.
2 ـ حرب طوفان الأقصى واليوم الآخر: كثر الحديث بعد بدء العدوان الوحشي على غزة عن مآل اليوم التالي لوقف إطلاق النار، وهل نتائج هذا اليوم تنسجم مع الأهداف التي رُفعت او التي تمّ الحديث عنها خلال الحرب؟ وفي إطلالة على الشروط المرفوعة والاقتراحات المتداولة يتبيّن التالي:
1 ـ الشروط الإسرائيلية: القضاء على حركة حماس وإطلاق الأسرى دون قيد او شرط.
2 ـ شروط المقاومة واضحة: إطلاق سراح كلّ الأسرى من سجون الصهاينة وفك الحصار وحماية المقدسات.
3 ـ من الاقتراحات التي تمّ التداول فيها اقتراح طرح حلّ الدولتين، وانّ هذا الأمر هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع في فلسطين والإقليم.
بناء على الشروط المتبادلة وحركة الميدان التي تعكس صعوبة واستحالة في نجاح الصهاينة تحقيق أهدافهم المعلنة. ونظراً لنجاح مقاومة الداخل في غزة وجبهات المساندة سواء في لبنان او اليمن والعراق وسورية في إظهار العجز الصهيوني ومن ثم الأميركي في فرض أجنداتهم، وفي سياق متصل وحيث انّ التعويل كثيراً على رضوخ الكيان «الإسرائيلي» وقبوله حلّ الدولتين أمر غير واقعي، بل ينبغي على مروّجيه التعمّق في فهم الأسس الايديولوجية للصهيونية، التي ترى في يهودا والسامرة المرتكز الأساسي لـ «دولة إسرائيل» التي لا معنى لها دون وجودهما.
بناء على الواقع الميداني المتحرك والمتصاعد الذي يعجز من خلاله الصهاينة من تحقيق ايّ إنجاز يرمّم فيه صورته التي تهشمت وتمّ الهزء منها، ومع انسداد الأفق السياسي وصعوبة إيجاد حلول لا ترافقها إنجازات عسكرية يسعى لها الصهاينة فإنّ اليوم التالي للحرب يبدو ليله طويلاً وأفقه غير واضح…