إيران… مآلات الردّ ومعادلات الأمن الوطني
فاديا مطر
بعد الاستهداف الإرهابي في كرمان الإيرانية الذي خلّف عدداً كبيراً من الشهداء في 3 كانون الثاني الحالي في ذكرى تأبين اللواء الشهيد قاسم سليماني، فقد تغيّرت مستويات عدة من معادلات حماية الأمن الوطني الإيراني داخل وخارج الحدود الإيرانية، حيث كانت تلك الاستهدافات المعادية شبه موضعية من قبل أعداء ايران لمحور المقاومة برمته، وفي شكل اغتيالات لشخصيات مهمة أو استهدافات استخبارية لمراكز حيوية سواء كانت في العمق الإيراني أو في حقل الدول الحليفة لإيران، وخصوصاً بعد اغتيال الشهيد قاسم سليماني بما لا يرقى لمستوى الردّ العسكري المباشر والمتعدّد الجهات في الجغرافيا البعيدة كما حصل ما بعد اغتيال الشهيد سليماني…
لكن الإرهاب الذي ضرب كرمان الإيرانية كان تغيّراً فعلياً في كمية ونوع الاستهداف المعادي خصوصاً مع اشتعال عملية طوفان الأقصى في الأراضي المحتلة وما غيرّته من قواعد الاشتباك الإقليمية على كلّ المستويات، فالردّ الإيراني خارج الحدود وضع مسطرة مهمة للغاية لجهة عدم المساس بالأمن الوطني الإيراني مجدّداً من دون التفكير في عمليات الردّ التي تضعها إيران في مقدمة أولوياتها الخطوط الحمر أمام الأعداء الغربيين ومعسكرهم الإقليمي بدءاً من مركزيته المتمثلة بالكيان الصهيوني وليس انتهاءً بالتواجد العسكري الغربي في المياه والجغرافيا الإقليمية، فالمعسكر الغربي الصهيوأميركي قد خبِر الردّ الإيراني بشكل جديد هذه المرة عبر استهداف السفن الإسرائيلية في المحيط الهندي واستهداف مركز للاستخبارات الإسرائيلية في أربيل واستهداف المجاميع الأرهابية في كلّ من سورية وباكستان، وهو بحدّ ذاته ردّ عسكري مباشر وضع الأمن الوطني الإيراني في لائحة المحظورات التي وسعت إيران رقعة ردودها فيه إلى خارج الحدود وبالشكل العسكري المباشر، لا بل ترجم هذا الردّ رسائل إيران بشكل لا يقبل اللعب من قبل الإدارات الغربية وغيرها مما تسمّيه واشنطن «التحالفات العسكرية» في المنطقة، حيث عملت معادلة طوفان الأقصى على توضيح العجز الغربي عن حماية نفسه ككيان متحد، وإضافة المعادلة اليمنية الجيوبولوتكية الجديدة مساحة أكبر لذلك العجز الغربي، ومضافاً إليه القدرة الكبيرة في الردّ للمقاومة اللبنانية والعراقية في تغيير شكل قواعد الاشتباك في هذه المنطقة، إلا أنّ جملة المحظورات على الغرب لن تنتهي عند هذا الحدّ، بل ربما تتعداه في حال اتخذ الاستهداف الغربي شكلاً أكبر إلى عمق الكيان في قادم الأيام، وهذا قابل أيضاً لتغيير مساحات حماية الأمن الوطني الإيراني بشكل أكبر وأعمق، فالولايات المتحدة تلعب بخيوط تحاول فيها أن تضع إيران في شبكة مشكلات جيوساسية تشغلها عن الدعم لحركات المقاومة التي كسرت الشوكة الإسرائيلية، وتتورّط فيها إيران مع حلفاء لواشنطن الإقليميين مما يرفع درجة التدخل الغربي في الشأن الإيراني إلى مجلس الأمن وجرّ الملفات العالقة سابقاً لإيران إلى ساحة الإستهداف مجدداً، لأنّ السردية الأميركية الداعمة للكيان الصهيوني بدأت تأخد أشكالاً متعدّدة من باب الإعلام والسياسة والتعسكر بأنّ وحدة الساحات المقاومة هي معسكر يتشكل في قالبه الحربي بوجه ما تسمّيه «التجارة البحرية العالمية» لتسويقه أم المنظمات الدولية كملف يشبه الملف النووي الإيراني والملف الكيماوي السوري وغيره، وهذا بدوره يعكس المآلات الغربية في رفع مستويات الحرب الشاملة في المنطقة خاصة بعد انكشاف الدور والتواجد العسكري والاستخباري الصهيوني قريباً من الحدود الإيرانية، حيث كان الردّ الإيراني في العمق العراقي والشمال الغربي السوري دليلاً واضحاً على معرفة إيران الدقيقة بالخفايا العسكرية لـ «إسرائيل» وقدرتها على تتبّع أمكنتها وتطويق قدرتها على مستويات الجغرافيا القريبة والبعيدة…
في كلّ الأحوال فإنّ القدرة العسكرية لإيران باتت رسائلها واضحة ومترجمة على أرض الواقع ومعبرة بشكل رادع لباقي دول معسكر واشنطن من أنّ أيّ مساس بالأمن الوطني الإيراني واللعب على أوتار العسكرة أو الاستخبارات لن تنتظر معه طهران القرارات السياسية لتضع النقاط على الحروف في مرحلة ما بعد 7 تشرين الأول المنصرم، وأنّ أيّ استهداف للأراضي الإيرانية أو المصالح أو التحالفات ستكون عواقبه عسكرية بحتة تدفع بالمآلات التي تخشاها واشنطن وتل أبيب إلى واجهة الواقع الذي كتبت إيران فيه أنّ الأمن الوطني خط أحمر يستدعي نقاطاً على الحروف.