الجلسة الأولى لدرس الموازنة في الهيئة العامّة: سجالات سياسيّة حادّة وتبادُل اتهامات بين النوّاب
يُتابع مجلس النوّاب اليوم، جلسات مناقشة مشروع موازنة العام 2024 برئاسة رئيس المجلس نبيه برّي الذي ترأس أمس، أولى الجلسات في حضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والوزراء والنوّاب، والتي خيّمت عليها الصراعات السياسيّة الداخليّة والاتهامات المتبادَلة.
وأكّد ميقاتي في تصريح له من مجلس النوّاب، أنّ «الموازنة لا يُمكن أن تُقَرّ باقتراح قانون بل بمشروع قانون من الحكومة، ولا مانع من تحسينات لجنة المال». ولفت إلى أنّ «الحكومة أوقفت الانهيار منذ استلمت مهامها ومرحلة التعافي بدأت، ونتمنى أن تكبر بمساعدة النوّاب والأهم الوصول إلى الهدف». وقال «نُريد السلامَ والاستقرار الدائم في الجنوب وملتزمون تطبيق القرار 1701 ولكن على «إسرائيل» وقف انتهاكاتها».
وكانت الجلسة شهدت سجالاً حادّاً بين الرئيس برّي والنائب ملحم خلف الذي دعا بالنظام إلى انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة، معتبراً «أنّ الجلسة يجب أن تتحوّل إلى انتخاب الرئيس»، وأدى الأمر إلى سجال بينه وبين الرئيس برّي الذي أكّد «أنّ جلسة الانتخاب عندما تبدأ تكون حكميّة». وتدخّل عدد من النواب لتهدئة الأجواء.
ثم تلا رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان التقرير الذي أعدّته اللجنة وفنّد التعديلات الأساسيّة والبنيويّة التي أدخلتها اللجنة على الصيغة المُحالة من الحكومة.
ثم أعطيَ الكلام لرئيس لجنة «الإدارة والعدل» النائب جورج عدوان الذي رأى أنّ «هذه الموازنة استمرار للموازنات السابقة ولا تحمل أيّ استثمارات أو أيّ إصلاح ضريبيّ حقيقي، وتشكل الضريبة فيها على الدخل والأرباح ورؤوس الأموال أكثر من 7.2% مقابل 67% من السلع على الخدمات والرسوم على التجارة والجمارك وضريبة على القيمة المضافة ورسوم الاستهلاك، بمعنى آخر 67% تصيب عموم الناس ونسبة قليلة من المقتدرين».
ثم أُعطيَت الكلمة للنائب جميّل السيّد فقال «لن أُضيف على التقرير الذي تلاه كنعان، ويكفي أن أشير بعد العمليّة التجميليّة إلى أنّ الرسوم والضرائب تضاعفت 46 مرّة، وفي كلّ ما يخطر على البال، في الدوائر الرسمية كلّها تضاعفت أي الفواتير وسيكون انعكاس على أسعار السلع والخدمات».
واعتبر «أنّ منصة صيرفة كانت للسرقة»، مشيراً إلى «أنّها خطّة متعمّدة لسرقة اموال الاحتياط».
وأعلن نائب رئيس مجلس النوّاب إلياس بو صعب، في مداخلته «أنّ لجنة المال حاولت قدر المستطاع إجراء إصلاح في الموازنة وفُرِض على المجلس مناقشتها بمختلف العلل ولا صفر عجز فيها»، مشيراً إلى أنّ «هذه الموازنة لا تلبّي مطالب الاستشفاء والتربية ولا المؤسّسات ولا القوى الأمنيّة ولا العسكريين». وقال «لو لم نناقش هذه الموازنة لكنّا عدنا إلى موازنة 2022».
واستطرد قائلاً «صحيح أنّ الدستور لا يفرض علينا الحوار لانتخاب رئيس للجمهوريّة، إلاّ انه يجب تحكيم العقل وخوفي أن يُصبح هذا المجلس شاهد زور». أضاف «إذا لم نتحاور ولم ننتخب رئيساً فالأفضل للمجلس النيابيّ أن يستقيل ونُجري انتخابات نيابيّة مبكرة».
وردّاً على مداخلة بو صعب وخشيته «أن يأتي العام المقبل ونناقش فيه الموازنة في ظلّ غياب رئيس للجمهوريّة»، قال الرئيس برّي «إن شاء الله لا .. وإن شاء الله في أسرع وقت».
وقال النائب حسن فضل الله في مداخلته «نحن أمام حرب يٌراد لها أن ترسم مصائر الدول ومستقبلها، والضعيف من يدفع الثمن، هذا حصل في الماضي، ولكن هل نسمح مرة أخرى بقرى سبع جديدة، من موقعنا سنعمل بكلّ قوة كيّ لا نسمح أن يتكرَّر لا في مزارع شبعا ولا في الغجر ولا على أيّ حبة تراب لبنانيّة، لأنه عندما يكون بلدنا في موقع ضعف سيتم رسم مستقبله من قبل الآخرين، وعندما نكون أقوياء وحاضرين، نحن اللبنانيون من يرسم مستقبل بلده، بل ومن يشارك في رسم مستقبل المنطقة».
وتابع «اليوم وأمام كلّ ما يجري في المنطقة، لبنان في موقع قوة بل صار جزءاً من معادلات المنطقة الأساسيّة وتُقدَّم له العروض، ويتحوَّل إلى شريك أساسيّ في السعيّ لوقف العدوان على غزّة، وهذا كلّه بفضل تضحيات المقاومين وأهلنا في الجنوب، ونتيجة مواجهة العدوان بقوة السلاح والموقف، ورفض الانصياع للتهديدات أو الخضوع للتهويل».
أضاف «ما يعنينا اليوم هو كيفية حماية بلدنا والتصدي لمخاطر المشروع الصهيونيّ ولتوحّشه الذي نرى صوره في غزّة والضفّة، وهذا ما يتطلّب أن يكون الموقف اللبنانيّ على مستوى المسؤوليّة الوطنيّة التاريخيّة. لأنَّ الحرب لا تتعلَّق بغزّة فقط بل هي حرب تحديد مستقبل المنطقة بما فيها لبنان، ونحن أخذنا الموقف الذي يمليه علينا واجبنا ورؤيتنا لمصلحة بلدنا من جهة وما تمليه علينا إنسانيتنا بأن لا نتفرج على إبادة الشعب الفلسطينيّ آخذين في الاعتبار كلّ ما له علاقة بوضعية بلدنا».
وأردف «على المستوى اللبنانيّ المطلوب على الأقل اليوم من الجميع ملاقاة الموقف الرسميّ للدولة الذي تعبِّر عنه الحكومة ورئيسها لجهة السعي إلى وقف العدوان وحماية البلد وتحميل الكيان الصهيونيّ المسؤوليّة الكاملة عن الاعتداءات على لبنان، لأنّ كيان الاحتلال هو المعتدي والمحتلّ وهو من يخرق كلّ القواعد كما تؤكد دائماً يادولة الرئيس».
وفي موضوع الموازنة، رأى فضل الله أنّ «وجود موازنة مقرَّة حاجة للبلد وأن تصدر بقانون أفضل بكثير من إصدارها كما أقرّتها الحكومة بمرسوم ولكن نشر الموازنة شرطه وجود قطع الحساب للسنوات السابقة، وإلى الآن لم ننته من هذا الموضوع»، معتبراً أنّ «هذه الموازنة هي موازنة تشغيل الدولة أي تشبه المصروف اليوميّ ولا ترقى إلى موازنة النهوض الماليّ والاقتصاديّ، وهي «جود من الموجود». وقال «توجد في الموازنة سلبيّات ولكن توجد إيجابيات وهو ما عملنا مع آخرين على الإكثار منها».
واعتبر النائب راجي السعد «أنّ ما قامت به لجنة المال والموازنة هو الإنجاز الوحيد في ظلّ واقع إخراج لبنان من السوق الماليّ العالميّ».
وفي مستهلّ الجلسة المسائيّة، طلبَ الرئيس برّي تقليص عدد الكلمات المطلوبة بالنظام وذلك للإسراع في بت الموازنة الجديدة، مشيراً إلى أنّه «في حال استمرّت الكلمات الطويلة، فإنّ على النواب تحضير أنفسهم لجلسات جديدة يوميّ الجمعة والسبت» بالإضافة إلى جلسة اليوم الخميس.
واستهلت اللجلسة بكلمة النائب ميشال ضاهر الذي قال «البلد لم يعُد يحتمل وأتمنّى كمسؤولين أن نرفع عنّا السريّة المصرفيّة لمعرفة مكان الهدر والسمسرات بهدف الحفاظ على أموال الناس». ودعا إلى تطبيق اللامركزيّة الإداريّة الموسّعة.
ومن جهته أكّد رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» النائب جبران باسيل، أنّ «لا خلاف على مبدأ إقرار الموازنة بالصيغة التي طرحتها لجنة المال والموازنة»، معتبراً أنّ «هناك فوضى دستورية تجعل حكومة تصريف الأعمال تستولي على صلاحيّات رئيس الجمهوريّة».
وسأل «ما المقصود من عدم انتخاب رئيس جمهوريّة والتعايش مع الفراغ، في ظلّ العوامل المفجّرة للوضع في لبنان من النازحين إلى نهب ودائع اللبنانيين والحرب في الجنوب والحروب المتنقلة في المنطقة وانهيار هيكلة الدولة». ورأى في ذلك «هدماً لاتفاق الطائف وضرباً للشراكة الوطنيّة وتهديماً للدولة».
وقال «لن نخضع لأيّ شيء ولن نُغطّي الفشل وسنتصدّى لكلّ الممارسات التي تساهم في هدم الدولة ونطالب باحترام اتفاق الطائف حتى تطويره بالتوافق والتفاهم». وتابَع «استغياب رئيس الجمهوريّة هو جريمة لا توصل إلاّ إلى الخراب، والتسوية في المنطقة لن تغيّر موازين الداخل»، مؤكّداً «أنّ المجلس النيابي هو المؤسّسة الدستوريّة الوحيدة التي لا شكوك حول دستوريّتها وميثاقيّتها».
ورأى أنّ «الموازنة ستُقر خلال اليومين كما أقرتها لجنة المال إن قبلنا بها أو لم نقبل وصحيح أنّه جرى تصحيحها إلاّ أنّنا يجب ألاّ نقبل بموازنات غير إصلاحيّة بعد الآن، ونحن سنبقى في الجلسة إذا قبلت اقتراح القانون المقدّم من قبلنا وإلاّ سنخرج ويبقى رئيس لجنة المال والعضوان من تكتلنا فيها لمتابعة عملهم التقنيّ على أن يصوّتوا ضدّ الموازنة».
وردّ الرئيس برّي على كلمة باسيل حول ضرورة إقرار قوانين أساسيّة وتشريع الضرورة، وقال «تكتل لبنان القوي هو من عطّل جلسة تشريع ضرورة». فردّ باسيل «لأنّ فيها 119 بنداً». وقال بري «لا يوجد أيّ جلسة فيها 119 بنداً».
ثم ردّ باسيل «هناك قوانين إصلاحيّة مهمّة لم يتم إقرارها»، ليرد برّي «هذه القوانين لم تصل إلى الهيئة العامّة وأكثر هذه القوانين في لجانكم».
ويُختَتم السجال بقول باسيل لبرّي «ملائكتُك حاضرة في كلّ مكان».
وقال النائب سجيع عطيّة أنّ «الموازنة التي تم إعدادها جيدة لكنّها لا تكفي»، مضيفاً «لم نستعِد أموالَ الشعب اللبنانيّ ولم نضع خطّة استثمار للنهوض في البلد».
وشدّد النائب نعمة إفرام على «أنّ الانهيار الحاصل يجب أن يكون فرصة لوضع عرف جديد في البلد وما تعلّمناه هو أنّه يجب وضع رؤية لـ5 سنوات كما يجب التفكير بكيفية أن تكون المؤسّسات غير عرضة للتجاذبات السياسيّة». وأعلن أنّه سيُصوت مع الموازنة.
وأشار النائب وائل أبو فاعور إلى «ضرورة وضع خطّة لمكافحة التهرّب الضريبيّ»، معتبراً أنّ «رفع الضريبة على القيمة المضافة سينعكس على الأسعار».
ورفعَ الرئيس برّي الجلسة إلى اليوم.