عملية المغازي النوعية نقطة تحوّل في مسار المعركة
حسن حردان
شكلت العملية النوعية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في المغازي، سط قطاع غزة، وأدّت إلى مقتل العشرات من ضباط وجنود جيش الاحتلال، في أكبر خسارة ثقيلة له في يوم واحد، منذ بدء عدوانه البري، شكلت ضربة موجعة وقاسية له، نزلت كالصاعقة على حكومة الحرب برئاسة بنيامين نتنياهو والمجتمع الصهيوني، والجيش الإسرائيلي، محدثة زلزالاً في الكيان، وذهولاً وصدمة عبّرت عنهما تصريحات القادة الصهاينة، لما تعرّض ويتعرّض له الجيش الأقوى في المنطقة، من ضربات متتالية ولكمات قوية توجهها له المقاومة، في كلّ يوم يمضي من أيام هذه الحرب التي يتأكد فيها فشله في تحقيق أي من أهدافه.
على أنّ هذه العملية تشكل نقطة تحوّل في مسار المعركة للأسباب التالية:
أولاً، لأنها جاءت تتويجاً لسلسلة من العمليات النوعية التي تشنّها المقاومة، في إطار حرب الاستنزاف، العالية الوتيرة، ضدّ قوات العدو المتوغلة في قطاع غزة، والتي برهنت مجدداً، أي المقاومة، على مدى استعدادها وجاهزيتها وتحضيرها لخوض هذه الحرب، عدة وعتاداً، وتدريباً على قتال حرب المدن والعصابات في مواجهة جيش متطور يملك أحدث الأسلحة الأميركية والتكنولوجيا العسكرية.. على انّ مهارة وكفاءة المقاومين وجرأتهم وشجاعتهم وروحهم الاستشهادية اذهلت الأصدقاء والأعداء، وفاجأت جيش الاحتلال وجعلت جنوده ودباباته ومدرّعاته غارقين في مستنقع وشباك المقاومين الذين يخرجون من أنفاقهم لاصطيادهم كأنهم في حقل رماية، تماماً كما اصطادوا عشرات جنود العدو بعد دخولهم المبنى في المغازي لتفجيره.. فقام رجال المقاومة بتفجيره فوق رؤوسهم، وجاء فيديو كتائب القسام ليؤكد ذلك.
ثانياً، لأنها حدثت بعد 108 أيام على العدوان، زعم خلالها العدو وقادته أنهم حققوا إنجازات تمثلت في إضعاف قدرات المقاومة وتدمير الكثير من أنفاقها تحت الأرض، الأمر الذي أكد كذب مزاعم العدو، وأثبت بالدليل القاطع أنّ قدرات المقاومة القتالية لم تتراجع، فيما أنفاقها الهجومية لا تزال تعمل ولم تتأثر نتيجة تدمير بعض الأنفاق التي خرجت من الخدمة أصلاً بعدما أدّت وظيفتها.
ثالثاً، لأنها حصلت في منطقة لا تبعد سوى ٦٠٠م عن السياج الأمني الفاصل بين قطاع غزة ومستوطنات غلاف غزة، واعتقد جيش الاحتلال أنها باتت آمنة له ولا سيما أنها بعيدة عن المناطق التي تشهد اشتباكات مع المقاومة، ما أكد أنّ جيش الاحتلال لم ينجح في فرض سيطرته الفعلية على ايّ منطقة دخل اليها، لا في الشمال ولا في الوسط أو الجنوب، حتى في تلك المناطق المحاذية للسياج الأمني والتي دخلها في بداية العدوان مثل جحر الديك، وبيت حانون، وبيت لاهيا إلخ… والتي ما زالت تشهد اشتباكات كغيرها من المناطق.
رابعاً، لأنها جاءت في توقيت تزايدت فيه وتعززت ظواهر الإنهاك والإحباط والتعب التي بدأت تسود داخل جيش الاحتلال من مواصلة القتال في قلب القطاع، وهي الظواهر التي عبّرت عن نفسها بحالات تمرّد جنود العدو على القتال في غزة، كي لا يموتوا كغيرهم، ورفض الالتحاق بالجيش، وحالات الفرار من الخدمة.. وذلك نتيجة الخسائر الكبيرة في صفوف الجيش حيث تتحدث التقديرات عن عشرات آلاف القتلى والجرحى والمعاقين إضافة الى الذين باتوا يعانون من أمراض واضطرابات نفسية، مما بدأ يولد عقدة داخل الجيش تحاكي عقدة فيتنام، تسهم في إضعاف معنويات الجنود وحافزيتهم على المشاركة في القتال، في حين توالت تصريحات قادته للصحافة الأميركية، «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست»، من انّ «شبكة أنفاق حماس أكثر اتساعاً بكثير من تقديرات الجيش الإسرائيلي وأنها تمتدّ لمسافة تزيد على ٣٠٠ ميل في جنوب قطاع غزة فقط، وانه من غير المرجح أن تفكك شبكة الإنفاق بشكل كامل»، وقد «نفقد مكاسب غزة بسبب الافتقاد لاستراتيجية ما بعد الحرب»، وانّ «الوجود الأمني طويل الأمد في غزة كابوس رفضه الكثيرون في المؤسسة الأمنية»، وان «على الجيش الحفاظ على مناطق سيطرته لا السيطرة على أرض جديدة».. وانّ «استعادة الأسرى وتدمير حماس أصبحا الآن هدفين غير متوافقين، وانّ المعركة الطويلة الهادفة لتدمير حماس ستكلف على الأرجح حياة الأسرى»، و «استعادة الأسرى ممكنة فقط من خلال الوسائل الدبلوماسية لا العسكرية».. على انّ سرعة الإعلان عن سقوط هذا العدد الكبير من القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي بعد ١٥ ساعة، أمر غير معتاد حيث كان الجيش يتريّث بالاعلان عن عدد قتلاه ويصرّح عنهم بالتقسيط، ويتجنّب الإفصاح عن الأعداد الفعلية حتى لا تؤثر على تأييد الإسرائيليين لمواصلة الحرب.. وانْ كان الإعلان هذه المرة تداركاً للفيديو الذي نشرته القسام، إلا أنّ الاعتقاد بأنه جاء بهدف التأثير على المجتمع الصهيوني لرفع منسوب الضغط على الحكومة كي تستجيب لمطالب القيادات العسكرية، بوقف الحرب والخروج من وحل غزة والتفاوض لإطلاق الأسرى…
خامساً، لأنها ستؤدّي إلى تعزيز جبهة عائلات الأسرى والمؤيدين لهم، حيث أنّ ارتفاع أعداد القتلى والجرحى في صفوف الضباط والجنود أثار قلق جميع عائلاتهم على حياتهم، مما سيدفعهم إلى المشاركة في التظاهرات الأسبوعية للمطالبة بوقف الحرب وإطلاق الأسرى.
خامساً، لأنها أتت لترفع من حدة الصراع داخل حكومة الحرب وتعزز موقف التيار الذي يمثله بني غانتس وغادي ايزنكوت الذي يؤيد العمل على إطلاق الأسرى وانْ أدّى ذلك الى وقف الحرب، فيما أعلن غانتس أنّ «عملية إعادة المختطفين ليس فقط هدف لها أولوية بل هي بمثابة واجب أخلاقي»، ولوحظ أنّ كلام غانتس جاء بهذا الوضوح في أعقاب الخسارة الكبيرة التي مُني بها جيش الاحتلال في المغازي، فيما أعلن أنّ مجلس الوزراء المصغر ومجلس الحرب سوف يجتمعان للبحث في صفقة جديدة لتبادل الأسرى.. ويأتي ذلك في وقت كشف فيه مصدر قيادي في المقاومة لقناة «الميادين» عن «تقدّم في مباحثات وقف النار في غزة ما زال في بداياته، وانّ إسرائيل أبلغت الوسطاء انها مهتمة بالتوصل لصفقة مع المقاومة يمكن أن تنتهي بوقف طويل الأمد للحرب».
انطلاقاً مما تقدم يمكن القول انّ نجاح المقاومة في قتل هذا العدد الكبير من ضباط وجنود العدو في يوم واحد والذي بلغ عددهم ٢٤ عسكرياً، حسب اعتراف العدو، يشكل نقطة تحوّل في مسار الحرب الصهيونية، وان يؤدّي إلى حصول مثل هذه التداعيات والانعكاسات على كلّ المستويات العسكرية والسياسية والمجتمعية في الكيان، وتؤدّي الى إضعاف موقف حكومة نتنياهو، وتعزيز موقف المقاومة الفلسطينية ومطالبها التي ترفض ايّ اتفاق لتبادل الأسرى، قبل وقف شامل وكامل للحرب على القطاع وانسحاب جيش الاحتلال منه وفك الحصار وإدخال المساعدات الإغاثية بصورة عاجلة وإعادة الإعمار…