الحرب في البحر الأحمر
سعادة مصطفى أرشيد*
تؤكد كل المؤشرات الصادرة عن الاطراف المشاركة في حرب تشرين الثانية أن الحرب لا زالت طويلة، فغزة مقاومة وحاضنة لا زالت صامدة لا بل وتبادر بالهجوم وتوقع بالعدو الخسائر في كل أرجاء القطاع، وترجح المؤشرات أيضاً على أنها حرب لا بد لها من أن تتوسّع في اتجاهات عدة وحتى الدخول القوي لليمن على خط المواجهة كانت الترجيحات تذهب باتجاه جبهة الشمال الفلسطيني الجنوب اللبناني والتي تشاغل بها المقاومة اللبنانية جيش الاحتلال وتؤرق ليالي مستوطنيه وتجبره على حشد قسم كبير من قواته استعداداً للحرب واحتياطاً لتوسع دائرة القتال.
وهذه المواجهة تزداد حرارتها يوماً بعد يوم سواء بسبب ما يقوم به الاحتلال من اعتداءات ذات طابع استفزازي مثل اغتيال الشيخ صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية أو في القصف الذي ذهب بعيداً متجاوزاً نهر الليطاني وصولاً إلى صيدا، أو في ردود المقاومة اللبنانية ومعها الفلسطينية المقيمة في لبنان. تلك الردود القاسية والتي طالت في ما طالت عين (إسرائيل) وقاعدتها الأخطر للتجسس والمراقبة قاعدة ميرون على قمة جبل الجرمق.
وإذا كان ما تقدّم في حال تدحرج من شأنه أن يجعل من الحرب ذات طابع إقليمي وعلى جبهتين فإن ما يجري في البحر الأحمر من شأنه ان يجعل من الحرب تتجاوز إطارها الإقليمي لتصل الى حواف الحرب العالمية لما لها من تأثير على معظم دول العالم لا على (إسرائيل) فحسب. فتجارة الصين والهند والشرق الأقصى تمرّ من هناك وصولاً الى البحر الابيض المتوسط عبر قناة السويس التي سينخفض دخلها كثيراً ما سيؤثر على الاقتصاد المصري المتهالك أصلاً.
اليمن لا زال على موقفه وفي ذروة نشاطه العسكري البحري في منع السفن التي تحمل البضائع إلى ميناء إيلات الفلسطيني المحتل في خليج العقبة، ولكن هذا عرقل الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب وشوش على عمل التجارة العالمية أيضاً مما رفع كثيراً من تكاليف النقل إن بسبب ارتفاع أسعار التأمين على البواخر التي اصبحت مهددة بالتعرض للأذى بسبب الأعمال الحربية اليمنية او تلك المضادة التي تقوم بها البوارج الإنجليزية والأميركية والتي عجزت حتى الآن عن إصابة أي هدف عسكري يمني مهم، ثم ان الأعمال العسكرية اضطرت كثيراً من السفن للإبحار بالدوران حول أفريقيا ورأس الرجاء الصالح لتعود الى البحر الأبيض المتوسط مما ضاعف المسافة مرات عدة وأصبحت الأكلاف مرتفعة بسبب الوقت الطويل او المسافة الأطول. هذا فيما لم تجد واشنطن من يشاركها علناً في حربها على اليمن الا انجلترا العجوز ومملكة البحرين؛ فيما تقول البيانات العسكرية الصادرة عن البحرية الأميركية أنها وحلفاءها يتلقون دعماً ومشاركة غير ميدانية من دول أخرى لم يحدّدوها بالأسم ولكن ماضيها يعلن عنها.
لكن الجديد في البحر الأحمر هو في تسارع نمو الدور الإثيوبي والذي سيصبح أو أنه أصبح يمثل القوة الإقليمية الرابعة في المنطقة، إضافة الى كل من إيران وتركيا و(إسرائيل) وذلك بعد اتفاقها مع دولة أرض الصومال ( Somalia land) بالحصول على منفذ بحري يعطيها دوراً في البحر الأحمر وبحر العرب. وهذا الدور هو دور إضافي إن في الإقليم وإن في أفريقيا وهو على حساب مصر بالدرجة الأولى فإثيوبيا بإطلالتها هذه قد أصبحت شريكاً في البحر الاحمر وأصبح باستطاعتها المساهمة في ازعاج الملاحة والتي ستضرر منها دول عديدة ستكون بحاجة لإرضاء إثيوبيا، وكذلك مداخيل قناة السويس والخزانة المصرية. وهذا مما يُضاف إلى بنائها سد النهضة الذي سيحتجز أي قدر تريده إثيوبيا من مياه نهر النيل الأزرق والذي يمثل 70% من مياه نهر النيل ويمنحها القوة على عمل مشاريع زراعية رائدة وعلى توليد الكهرباء والحصول على طاقة رخيصة لنموها الصناعيّ ثم لبيعها الى أفريقيا باعتبارها بديلة عن النفط.
الحرب كاشفة الوضع العربي المتهالك والذي يتسارع تدهوره، في حين أن الفراغ الناشئ عن هذا الانكشاف والضعف تملأه قوى لم تكن في الحسبان، مصر نموذجٌ لهذه الحالة، اذ انها تفقد دورها العربي بمشاركتها في إغلاق معبر رفح، وكما نرى في الخطوة الإثيوبية التي استدخلت شريكاً قوياً يستطيع أن يحاصرها في البحر الأحمر، كما فقدت دورها الأفريقي لصالح جنوب أفريقيا التي بادرت برفع دعوى على الاحتلال لدى محكمة العدل الدولية بتهمة ممارسة الإبادة الجماعية. هذه الحرب التي ستكون نتائجها أيضاً كاشفة وكانسة لتلك السياسات الوظيفيّة.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة