واشنطن وضعت الانسحاب من سورية على الطاولة… وتفاوض على العراق / مفاوضات الدوحة حول وقف الحرب وتبادل الأسرى معقدة… لكنها جدية وتتقدم / نقاش الموازنة يظهر الاستعصاء السياسي وغياب تحالفات نيابية عابرة للطوائف /
كتب المحرّر السياسيّ
على إيقاع المواجهات والتضحيات، وبفضل الثبات والصمود، تبدو المقاومة بكل قواها وتماسك محورها، قد بدأت تحدث خرقاً في جدار العناد الأميركي الإسرائيلي، المتمسك بهدف القضاء على قوى المقاومة في غزة كشرط لوقف حرب الإبادة المفتوحة بحق الشعب الفلسطيني، والمستمر بتجاهل حقائق الموازين الجديدة في المنطقة منذ ما بعد القضاء على تنظيم داعش في سورية والعراق، قبل أن يعيد الأميركيون توضيبه وتشغيله، لإرباك دول المقاومة وقواها، ومنع تعافي سورية ونهوض العراق.
استحالة القضاء على المقاومة، وخصوصاً حركة حماس صارت من ثوابت أي قراءة للمشهد الإقليمي، واستحالة نجاح قدرة الردع الأميركية في فرض الصمت على حرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني، صارت من الثوابت أيضاً، فلا تل أبيب قادرة على تجاهل الهزيمة اللاحقة بجيشها في غزة وحجم الخسائر المتعاظمة التي تصيبه، ولا واشنطن قادرة على تجاهل التحدي الذي مثله أنصار الله في البحر الأحمر، والتحدي الموازي الذي مثلته المقاومة العراقية في سورية والعراق. وواشنطن وتل أبيب معاً عالقتان عند استحالة لي ذراع المقاومة في لبنان وردعها، وهي ظهير فاعل لسائر المقاومات وعنصر إرباك دائم للسياسات الأميركية والحروب الإسرائيلية.
الخرق في الجدار الذي صمد لأكثر من مئة يوم ظهر مع الإعلان الأميركي المزدوج عن الاستعداد للتفاوض على انسحاب قواتها من العراق مقابل توقف عمليات المقاومة العراقية، والجدية في بحث مسألة الانسحاب من سورية. وبالتوازي الإعلان عن قبول رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مبدأ وقف الحرب ضمن صفقة تبادل الأسرى مشترطاً ضمانات موقعة غير قابلة للانتهاك، ورغم الغموض حول الآليات والمهل الزمنية في المواقف الأميركية والاسرائيلية الجديدة، والحاجة للمزيد من الوقت لتوضيح مضامينها من جهة، ونضجها عملياً عبر الضغوط الميدانيّة التي تفرضها قوى المقاومة من جهة موازية، إلا أن الذي يجري لقي صداه في المفاوضات الجارية في قطر والتي قالت مصادر متابعة لها إنها لم تصل بعد الى نقطة تحول، لكنها جدية رغم حجم التعقيد الذي يطرحه عنوان وقف الحرب، وهو الشرط الذي وضعته المقاومة لقبول التبادل.
لبنانياً، كشفت نقاشات مجلس النواب، سواء في القضايا السياسية الداخلية، أو في المداخلات التي تناولت الوضع في الجنوب ودور المقاومة، ان المجلس النيابي يفتقد لتحالفات نيابية عابرة للطوائف قادرة على تحمل مسؤولية إدارة الاستحقاقات الداخلية والتعامل مع التحديات الإقليمية. وقالت مصادر نيابية إن بعض المواقف لكتل كبرى يبدو أقرب الى مدرسة المشاغبين، ومواقف كتل أخرى لا تقلّ عنها وزناً تبدو كأنها تعيش في «لالا لاند».
وتوزع الاهتمام الداخلي أمس، بين ساحة النجمة التي شهدت جلسة نيابية لمناقشة مشروع موازنة الـ2024 وبين الجبهة الجنوبية التي سجلت تراجعاً بوتيرة العمليات العسكرية على الرغم من تصاعد حدة التهديدات الإسرائيلية بتوسيع العدوان على لبنان. ونقل مصدر سياسي مطلع على كواليس السياسة الدولية عن مسؤولين روس لـ»البناء» خشيتهم من توسّع الحرب في المنطقة وفي لبنان، في ظل التصعيد التدريجي والدراماتيكي الذي لم تعهده المنطقة في مراحل سابقة، لا سيما مع دخول أطراف إضافية على الصراع مثل أنصار الله والقوات اليمنية ومنظمات مسلحة في العراق وإيران وبطبيعة الحال حزب الله في جنوب لبنان. وما شهدته المنطقة من «حرب صواريخ» جوية عابرة للإقليم بين إيران والعراق وسورية وباكستان واليمن والبحر الأحمر ودخول أميركي – بريطاني على خط النار، ما يعمّق الحرب في غزة ويعطي «إسرائيل» فرصة لإطالة أمد الحرب وبالتالي تعقيد التوصل الى تسوية للحرب في غزة. وينقل المصدر أيضاً مخاوف روسية حقيقية على الوضع في المنطقة حيث توسيع الأميركيين لحربهم على سورية والعراق وعدم بذل المساعي الجدية للضغط على «إسرائيل» لوقف الحرب على غزة، يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، لذلك على كافة الأطراف السعي لاحتواء التصعيد وتفادي الحرب الشاملة.
وعلى الرغم من تخبّط حكومة الحرب الإسرائيلية في حرب غزة، واصل المسؤولون في كيان الاحتلال إطلاق تهديداتهم ضد لبنان، وزعم وزير خارجية العدو يسرائيل كاتس، أنه «إذا لم يتراجع حزب الله فسيدفع لبنان الثمن ولن نتردد في العمل ضد إيران ووكلائها».
وفي سياق ذلك، ذكر موقع «واللا» العبري بأنه «بعد الضربات من لبنان التي أصابت بنية تحتية في القاعدة الجوية في جبل ميرون شمال «إسرائيل»، تطرق ضباط في الجيش الإسرائيلي اليوم (أمس) الى حالة التأهب المتزايدة في الجيش الإسرائيلي أمام ضربات حزب الله للبنية العسكرية لسلاح الجو الإسرائيلي في المنطقة». ووفقاً للموقع قال أحد الضباط: «لا يمكننا نقل الجبل ومن جانب آخر لا يمكننا زيادة دفاعات في المنطقة لحماية النشاطات العسكرية، توجد قيود».
وواصلت المقاومة الإسلامية دك مواقع الاحتلال وأعلنت أنّ «مجاهديها استهدفوا موقع بياض بليدا بالأسلحة المناسبة، وأصابوه إصابة مباشرة، وموقع السماقة في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة بالأسلحة الصاروخية».
في المقابل، تعرّضت أطراف بلدتي علما الشعب وطير حرفا لقصف مدفعي إسرائيلي، كما قُصفت منطقة اللبونة – الناقورة. واستهدفت مدفعية الاحتلال بالقذائف الفوسفورية بلدة العديسة، كما تعرضت أطراف مناطق حامول، والضهيرة، لقصف متقطع، في وقت حلقت طائرات الاستطلاع من نوع MK فوق القطاع الغربي، لا سيما فوق الناقورة والساحل الجنوبي بين سهل صور والقليلة وإقليم التفاح.
وواصل وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب لقاءاته في نيويورك لليوم الثاني في إطار زيارته للولايات المتحدة، وبعد لقائه مع وزير خارجية فرنسا، طلب خلال لقائه بوزير خارجية النمسا الكسندر شالنبرغ، أن تستعمل «صداقتها مع «إسرائيل» لحل عادل وشامل يضمن الاستقرار ويؤسس لحل الدولتين». وقد وضعه بأجواء التحديات الناتجة عن أزمة النزوح السوري في لبنان وضرورة تغيير نهج معالجة أزمة النزوح لكي تتم مساعدتهم في وطنهم الأم».
وعلى وقع التصعيد جنوباً، انعقدت الهيئة العامة لمجلس النواب أمس، برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، في جلستين صباحية ومسائية، لدرس وإقرار مشروع الموازنة العامة عن العام 2024، بعدما عدّلت لجنة المال والموازنة المشروع الحكومي جذرياً.
وتناولت التعديلات 87 مادة من أصل 133، فألغت 46 وعدّلت 73، وأقرت 14 مادة كما وردت في المشروع، أي أنّ التعديل والإلغاء شملا 90% من المشروع الذي قدّمته وزارة المالية. وتخللت الجلسة سجالات سياسية عدة، فيما حضرت الأوضاع في الجنوب في مداخلات النواب لا سيما نواب القوات اللبنانية من جهة ونواب كتلة الوفاء للمقاومة من جهة ثانية. حيث لاحظت أوساط نيابية لـ«البناء» وجود «تعليمة» لدى فريق القوات وبعض حلفائها، بإثارة موضوع مشاركة حزب الله في الحرب بغزة، واتهامه بالتفرد بقرار الحرب وتحميل لبنان التداعيات، وصوّب النواب على موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي اتخذه حيال الحرب في غزة.
من جهته، أكد ميقاتي في رده على الانتقادات، بأننا «نريد السلام والاستقرار الدائم في الجنوب وملتزمون تطبيق القرار 1701 ولكن على «إسرائيل» وقف انتهاكاتها».
وشدد في مداخلة له في نهاية الجلسة المسائية، على أن «الموازنة لا يمكن أن تقر باقتراح قانون بل بمشروع قانون من الحكومة، ولا مانع لدينا من اعتماد التحسينات التي قامت بها لجنة المال على مشروع الموازنة»، ولفت الى أن «الحكومة أوقفت الانهيار منذ تسلمت مهامها ومرحلة التعافي بدأت، ونتمنى أن تكبر بمساعدة النواب والاهم الوصول إلى الهدف».
من جهته، أشار رئيس التيار «الوطني الحر» النائب جبران باسيل، في كلمته في الجلسة، أن «المقاومة جزء من الدولة ولا تحل مكانها وأن السلاح يحمي ولكنه لا يكفي وحده»، سائلاً «ماذا نقول لأهالي الشهداء الذين سقطوا في الجنوب؟ علينا أن نلاقيهم بالسؤال عن تقرير «ألفاريز وومارسال» وعن قطعات الحسابات التي لم تصدر بعد عن ديوان المحاسبة بالاضافة الى لجنة تقصي الحقائق في موضوع الفساد وانفجار مرفأ بيروت». وسأل أنه «وفي ظل العوامل المفجّرة للوضع في لبنان من النازحين الى نهب ودائع اللبنانيين والحرب في الجنوب والحروب المتنقلة في المنطقة وانهيار هيكلة الدولة ما المقصود من عدم انتخاب رئيس والتعايش مع الفراغ؟»، معتبراً «عدم وجود رئيس للجمهورية هو تغيير غير معلن للنظام وهدم لاتفاق الطائف وضرب الشراكة الوطنية وتهديد للدولة اللبنانية».
ورد الرئيس بري على ما جاء في كلمة باسيل حول ضرورة إقرار قوانين اساسية وتشريع الضرورة من بينها قانون «الكابيتال كونترول» قائلا: «من قاطع الجلسة التي كان على جدول أعمالها الكابيتال كونترول هو تكتل لبنان القوي»، فردّ باسيل: «لان فيها 119 بنداً»، فقال بري: «لا يوجد أي جلسة فيها 119 بنداً. وتحدث باسيل عن قوانين اصلاحية مهمة لم يتم إقرارها. ورد بري «هذه القوانين لم تصل الى الهيئة العامة وأكثر هذه القوانين في لجانكم». ورد باسيل: «ملائكتك حاضرة في كل مكان».
وأشار باسيل الى أن «الموازنة ستُقرّ خلال اليومين المقبلين كما أقرتها لجنة المال ان قبلنا بها أو لم نقبل وصحيح أنه تم تصحيحها إلا أننا لا يجب أن نقبل بموازنات غير إصلاحية بعد الآن». وأعلن خروج التكتل من الجلسة وعدم المشاركة في التصويت.
وتولى عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله بالرد على منتقدي مشاركة حزب الله في الحرب، وقال: «الكيان الصهيوني كان يُحضّر لضربة استباقية على لبنان قبل معركة طوفان الأقصى».. إننا أمام حرب ترسم مصائر دول، ونحن لن نسمح بقرى سبعٍ جديدة». ولفت إلى «أننا سنعمل بكل قوة حتى لا يتكرر الاحتلال كما في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وعندما نكون أقوياء وقادرين نستطيع أن نرسم مستقبل بلدنا.» ورأى أن «قرار الحرب بيد العدو الصهيوني وقرار وقف الحرب بيد الولايات المتحدة». وشدد فضل الله على: «إننا نلتزم بحق الدفاع عن النفس وحق اللبنانيين في مقاومة الاحتلال وفقًأ للبيان الوزاري للحكومات المتعاقبة، وشعبنا لا يتراجع ولا يخضع ولا يلين في مواجهة الاحتلال».
وكانت الجلسة الصباحية شهدت سجالًا إثر محاولة بعض النواب خرق «النظام العام» وتحويل جلسة إقرار الموازنة إلى جلسة مداخلات. وبدأت الجلسة بسجال بين النائب ملحم خلف والرئيس بري بعد رفض رئيس المجلس إعطاء الكلام لخلف للحديث عن استحالة التشريع بغياب رئيس».
كما وقعت مشادة في بداية الجلسة بين النائب علي حسن خليل والنائب فراس حمدان، وقد وصفه خليل بالتافه: وقال له: «إنتو قرطة مافيات»، في إشارة إلى نواب التغيير: ليعلو الصراخ والهرج والمرج في القاعة.
وشدّد رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان في بداية الجلسة على أن «لجنة المال ألغت مواد متعلّقة بتعديلات ضريبية واستحداث ضرائب ورسوم جديدة لمخالفتها الدستور وهدف الحكومة تأمين إيرادات إضافية للخزينة من دون مراعاة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وقدرة الاقتصاد على التمويل وقدرة المواطنين على التحمّل». وشرح أن «لجنة المال خصصت اعتمادًا بقيمة 10 آلاف مليار ليرة للأدوية السرطانية والمزمنة واعتمادًا بقيمة ألف مليار ليرة للانتخابات البلدية والاختيارية وعدّلت الاعتمادات الخاصة ببعض الإدارات حيث تبينت الحاجة إلى ذلك لا سيما ما خص نفقات التغذية والمحروقات السائلة لدى الأجهزة العسكرية والأمنية وسواها». ولفت إلى أن «الواردات بحسب كتاب رسمي من وزارة المال ارتفعت من ٢٧٧ الف مليار الى ٣٢٠ الف مليار أي بفارق أكثر من ٤٠ الف مليار».
بدوره، قال نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب: «إذا لم نتحاور ولم ننتخب رئيسًا، فالأفضل للمجلس النيابي أن يستقيل ونجري انتخابات نيابية مبكرة».
ورد الرئيس بري على مداخلة بو صعب التي أبدى فيها خشيته ان يأتي العام المقبل ونناقش فيها الموازنة في ظل غياب رئيس للجمهورية بالقول: «ان شاء الله لا، وان شاء الله في أسرع وقت».
ويستكمل المجلس النيابي مناقشة الموازنة اليوم والتصويت عليها، وتوقعت مصادر نيابية لـ«البناء» إقرار الموازنة مع بعض التعديلات عليها.