عشر نصائح من كهل فلسطيني إلى المقاوم الأوغندي
غيث الجيوسي
من رسالة كتبها رجل فلسطيني عام 2032 بعد خمسة أعوام من رحيل الصهاينة عن فلسطين وبدئهم مشروعاً استعمارياً في أوغندا في تلك السنة…
1 ـ هذا صراع سيطول
هذه لن تكون رحلة قصيرة أبداً، طالما طال الوقت للتحرّر من الاستعمار، استغرق الأمر ١٣٢ عاماً في الجزائر للتحرر من فرنسا، ومؤخراً انتهت أعوام ثمانون لنحقق تحريرنا الكامل من براثن الصهيونية. ربما لن تعيش أنت لترى تحرّر بلادك، ولكن تذكر، أنه ليس ثأرك وحدك وإنما ثأر جيل بعد جيل. ما تفعله اليوم سيؤسّس لجيل التحرير الذي سيرفع الراية كاملة ويحصِّل التحرير لكلّ شبر من ترابك المقدّس.
2 ـ تبيّن الصديق من العدو
كن على يقين أنّ هذه المعركة لن تظلّ في إطار أوغندي بحت. ستدخل عدة قوى على خط المواجهة، أكثرها ستكون ضدك وقليل منها سيكون معك وآخرون مذبذبون بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وهم الأكثر خطراً والأشد شرّاً . فكيف تعرف الصديق الحق؟ اعرف أولاً أن ّلا ثقة بأيّ جهة أفريقية تطبّع علاقتها مع الاحتلال وتستقبل سياسييه وشعبه في بلادها، وإن تملقت في بعض الأثناء وادّعت أنها صديقة لك، وربما ترى أولئك المنافقين يحتضنون بعض مقاومي بلدك. لا تصدقهم مهما قالوا. سيعادونك بكلّ الأشكال، وأبشعها إشعال الفتن الإثنية والطائفية عند شعبك ضدّ كلّ من يقدم لك الدعم. لا أعرف أي اختلافات عندكم ولكن ثقوا تماماً أن قوى الشر في العالم ستعسكرها لينقلب شعبك على كلّ من يمدّ لك يد العون. صديقك الحق من لا يطبّع مع حكومة الاحتلال ومن يمدك بالسلاح ويجاهر بذلك. كلّ من عداه إما عدو أو منافق فلا تثق جانبه أبداً.
3 ـ لا تأخذ قليلا من الحق إما الحق كله أو العدم
ستتدحرج كرة المقاومة عندكم بشكل سريع وستحقق الكثير في نقطة ما. ستأتي عليك حينها قوى الشر لتصفي قضيتك خلال اقتراحات واهية تدعو لتقاسم الأرض مع المحتل. إياك أن تقبل. هدف الاقتراحات هذه واحد، وهو تصفية قضيتك وامتصاص زخمها الذي نما. كن على ثقة تامة أن التحرير الكامل أمر حتمي في النهاية فلا تقبل نصف حلّ أبداً، فإنه لن يُطرح إلا ليسرق ما أنجزت. سيكون هناك من يؤيد تلك الحلول عندك ومن سيحاربك من أبناء جلدتك من أجلها، سنأتي عليهم في النصيحة الخامسة.
4 ـ لا تيأسوا من روح الله
سيأتي عليك زمان ربما تبدأ فيه باليأس من إمكانية الخرق في قضيتك المقدّسة. هذه سنوات عجاف قاسية قد تكسر الكثيرين، ولا تتوهّم أبداً أنك حصين ضدّ هذا اليأس فقد يصيبك كما أصاب كثيرين منا. لقد أتتنا في العقد الأخير من الاحتلال سنون قاسية، فقد الأمل فيها أكثرنا، وأنا منهم، حتى بدأت حرب التحرير الأخيرة التي اندلعت على حين غرة وفاجأت الصديق قبل العدو. من أشعل فتيلها ذلك اليوم كانوا فتية آمنوا ولم يفقدوا الأمل أبداً في أشدّ الأوقات ظلاماً وحلكة. ولولاهم لربما كنا لا نزال في معركتنا هذه اليوم. تذكر أولئك الفتية دائماً عندما يحلك الظلام عندك، ويقنط من حولك، وكن مثلهم.
5 ـ إنّ الله لا يحب الخائنين
ستنشأ عندك أجهزة عميلة لقوات الاحتلال. ستأخذ هذه العمالة أشكالاً مختلفة، منها من سيعمل وجاهة مع جيش الاحتلال، ولكن أكثرها سيدّعي أنه حريص على قضيتك وأنه يتعامل مع عدوك ليسوّق الدهاء ويحرّر بعضا من الأرض. الصنف الثاني هذا أخطر من الأول. واحدة من أكبر الأخطاء التي ارتكبناها كانت عدم اجتثاث كلّ من يتعامل مع قوة الاحتلال منذ البداية وتفضيلنا في بعض الأحيان السكوت على ضيمهم مع أنهم كانوا يقولون إنّ التنسيق الأمني مع العدو مقدّس. يبدأ هؤلاء عادة بعمالتهم بشكل موارب وقد تخدعك حيلهم. ولكنك سترى أنّ ألوانهم الحقيقية ستظهر عندما يُحشَر عدوّك في خانة اليك بفضل ما قدّمته أنت، وعندها سيتحوّلون إلى النوع الأول الذي يشارك العدو في عمله الاحتلالي علانية. اجتثاث الخونة من البداية أسهل من تأجيل الأمر لاحقاً، لأنّ كلفته ستزيد. العمالة والخيانة لن تقتصرا على الجانب الأمني ولكنهما يظهران جلياً في الجانب الثقافي أيضاً، وفي هذا أُفصل في النصيحة السابعة.
6 ـ ودّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم
سيُنظّر عليكم الكثيرون بعدم جدوى المقاومة المسلحة وسيطرحون أسئلة عن أخلاقيتها. سيذكُرون لكم غاندي ونيلسون مانديلا. ذكِّروهم أنّ هؤلاء أيضاً مارسوا المقاومة المسلحة كجزء أساسي من نضالهم. لا داعي لإطالة النقاش معهم، استثمروا ذلك الوقت لصنع المزيد من الصواريخ وتصميم المزيد من المُسيّرات وحفر المزيد من الأنفاق، فهذا ما يهمّ في النهاية وهذا الذي سيصنع الفرق. أُكرّر أنّ من يمدّك بالسلاح ويُسهِّل وصوله إليك هو الصديق الحق، وكلّ من عداه إما أعداء أو طفيليات لا تكترث لك ولا لحريتك، فلا تضيّع كثيراً من وقتك معهم. هذا لا يغني عن الأعمال المقاوِمة غير المسلحة، فإنّ لها مكانها ولها ضروراتها، على شرط اقترانها بالإيمان الحتمي بضرورة العمل المسلح دائماً وأبداً.
7 ـ بين القواعد العسكرية والقواعد الثقافية
ستعمل قوى الشر عملاً قد يزيد على تَحرُّكها العسكري لاستعماركم واستعمار من كان بجوارك ثقافياً. فتماماً كما يبنون القواعد العسكرية التي ستحيط بكم في كلّ مكان فسيبنون أيضاً مؤسسات استعمار ثقافي من جامعات لمدارس لمؤسسات غير حكومية. من يعملون في تلك الأخيرة هم أزلام الاحتلال الثقافية ولا يقلّ خطرهم عن خطر أزلام الاحتلال الأمنيين. ضعهم في مكانهم. أخرسهم ولا تقدّم لهم أيّ احترام. لا تُقلل من أثرهم فقد أثاروا الفوضى عندنا وزرعوا بذور الشك في أحسننا وسمّموا هواءنا وكلّ شيء حولنا. جابه أفكارهم بالتعليم والمحاضرة حيناً، وأَسكت أصواتهم متى استطعت. هؤلاء ليسوا أصحاب قضية، لهم ثمنهم الذي يدفعه المُستعمِر وإسكاتهم لن يكون صعباً إن صصمت على ذلك.
8 ـ اقبلوا التوابين… فالله غفور رحيم
ستدخل مجتمعاتكم في تغييرات سياسية وثقافية عنيفة، بسبب الاستعمار والتلاعب الثقافي الهائل الذين تمارسه قوى الشر، ولكن يحصل كثيراً لمن من حاد عن سراط المقاومة ولمن سقط في براثن الطائفية أو قيم الغرب السامة، يحصل كثيراً أن يستفيق هؤلاء يوماً ما. إقبلهم فالله نفسه يقبل التوبة، وربما يكون لهؤلاء أثر حسن في المستقبل. لا بدّ لك في النهاية من قاعدة شعبية واسعة فاقرن عملك المقاوم الذي لا يهادن باستيعاب تلك القاعدة طالما آمنت بمبدأ التحرر الكامل في يوم من الأيام، اترك العداء والكراهية للعدو وعملائه الذين لم يتوبوا.
9 ـ كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة
من الأدوات التي ستُكثر قوى الشر من استخدامها هي التثبيط من عزيمتك والتفخيم بقوّتها هي. تذكّر دائماً أنّ قصورهم بُنيت من ورق وأنهم كما وصفهم قائد عظيم من عندنا «أوهن من بيت العنكبوت». لن تدركوا ذلك تماماً حتى تدخل معهم في حرب يظن أكثر الناس أن لا أمل لك فيها، ولكن ما ان يمضي قليل من الوقت حتى يدرك الجميع أن لا أمل لأعدائك فيها. قد يبدو الأمر وكأنه ضرب من ضروب الخيال بأن تنتصروا عسكرياً على أعتى جيوش العالم وقد اجتمعت، ولكن إيمانكم سيهزمهم كما هزمناهم، وكما هزم كلّ شعب مُستعمَر من استعمره.
10 ـ هذه أمة على موعد مع الدم
ستُسفك دماؤكم. دماء رجالكم ونسائكم وأطفالكم. أنت أمام عدو متوحش وهمجي لن تفلح معه أيّ أعراف إنسانية أو دولية مُختلقة. إياك أن تعوّل على المؤسسات الدولية في حقن هذا الدم، فهي من دون مقاومتك لن تفعل شيئاً ولربما تتآمر ضدّك أحياناً. إيجاد العزاء وسط كلّ هذا الدم أمر صعب. ربما تجد شيئاً من العزاء في ما وجدناه في آخر مرحلة من الاحتلال عندنا، رأينا أنّ الاحتلال كلما اقترب من نهايته كلما زاد من سفكه لدمنا. فإنْ رأيتموه قد أوغل في عنفه وزاد من بطشه فاعلموا أنّ هذه علامة قرب زواله حتماً. أقذر الناس حولك، وتحديداً أولئك المنافقون الذين أخبرتك عنهم سيختزلون صراع تحررك الأسطوري إلى بكائية خالصة لا تذكر إلا الموت وتعمى عن نصرك الذي بات على الأبواب. سيلومك بعضهم: سيقولون إنّ مقاومتك هي السبب في سفك الدماء. إياك أن تلتفت إليهم، فأنت بسلاحك أحرص ألف مرة على دم شعبك من إعلامهم وتدليسهم، وتذكر دائماً قول شاعر من عندنا: لا تصالح ولو وقف ضدّ سيفك كلّ الشيوخ، لا تصالح فليس سوى أن تريد. أنت فارس هذا الزمان الوحيد. وسواك المسوخ!