ماذا بعد عملية خان يونس النوعية؟
أحمد عويدات
مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي شارفت على إنهاء شهرها الرابع، تزداد أعداد القتلى والجرحى من جنود الاحتلال يوماً بعد يوم، وبلغت أرقاما قياسية غير مسبوقة نسبياً في كلّ الحروب التي خاضها جيش الاحتلال الصهيوني منذ نكبة فلسطين عام 1948.
وفي خضمّ استبسال المقاومة، وارتفاع وتيرة هجماتها على تجمعات آليات وأماكن تمركز القوات الغازية؛ أتت العملية النوعية المركبة ذات المراحل الثلاث في مخيم المغازي في مدينة خان يونس؛ لتشكل صدمة قوية للقيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية؛ من حيث أعداد القتلى، ومكانها وتوقيتها، مؤكدة فشل هذه القيادة في تحقيق أي من أهداف الحرب.
هذه العملية التي وصفها نتنياهو بت «الكارثة».
أما وزير الخارجية الإسرائيلي علق قائلاً: «صباح مرير والحزن والأسى ثقيلان جداً ولا يمكن تحمّلهما». وفي إشارة إلى نوايا القيادة العسكرية في استمرار حرب الإبادة، والأثر البالغ لعملية المغازي قال رئيس الأركان هاليفي: «لا نزال نقاتل والمعركة ستكون طويلة وسنحتاج إلى قوات الإحتياط مجدّداً».
والجدير بالذكر، أنه سقط في هذه العملية 21 ضابطاً وجندياً، بحسب الناطق باسم جيش الإحتلال، إلا أنه لم يذكر عدد الجرحى، رغم أنّ كلّ المؤشرات تفيد بأنّ عدد القتلى هو أكثر من ذلك بكثير.
من جانب آخر، حملت هذه العملية النوعية في طياتها الكثير من المعاني والدلالات أبرزها:
1 ـ إن المقاومة هي من تملك اليد العليا في الميدان المتحكم بمجريات المعارك، وهي التي تمسك بزمام المبادرة وفرض الإشتباك وإيقاعه من مسافة صفر.
2 ـ قدرة المقاومة على الهجوم، والمناورة والانسحاب، وإيقاع الخسائر الفادحة في صفوف العدو المتحصّن والمدجّج بأحدث أنواع السلاح والآليات والعتاد.
3 ـ الكفاءة القتالية المتميّزة بتوظيف التكتيك المناسب بحسب ظروف العمليات العسكرية.
4 ـ المهارة الميدانية في الاستطلاع والمراقبة، والقدرة على التنظيم، وإدارة الوقت.
5 ـ الجرأة والقدرة على استدراج العدو، والإيقاع به من خلال نصب الكمائن المحكمة، وزرع الألغام في حقول مسيطر عليها هندسياً، في ظروف بالغة التعقيد والخطورة.
6 ـ افتضاح الفشل الاستخباري الإسرائيلي، والذي قاد إلى فشل ميداني متكرّر، وإرباك خطط العمليات، والتحكم والسيطرة للقوات الغازية.
7 ـ إسقاط صورة الإنتصار؛ التي كان قادة الكيان على وشك إعلانها لجمهورهم بأنهم قادرون على القضاء على المقاومة وتحرير الأسرى.
8 ـ قدرة المقاومة على التكيّف مع ظروف المعركة باستخدام عنصر المفاجأة، واستغلال نقاط الضعف لدى العدو؛ الذي كان يهيّئ لظروف عودة المستوطنين إلى مستوطنات غلاف غزة.
9 ـ نجاح أسلوب جديد في حرب المجموعات الصغيرة من مقاومَيْن أو ثلاثة في اصطياد جنود العدو وآلياته.
وعلى الضفة الأخرى، تعالت أصوات العديد من القيادات الأمنية والعسكرية؛ مطالبة بالخروج من هذا المأزق المعقد، والكف عن الغوص في وحل غزة؛ بالقول «إنّ السيطرة على الأرض لا تعني القدرة على تدمير حماس». ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن قادة عسكريين إسرائيليين قولهم «إنّ على الجيش المحافظة على مناطق سيطرته، لا السيطرة على مناطق جديدة». وهذه إشارة للقيادة بعدم توسيع نطاق عملياتها؛ تجنباً لوقوع المزيد من الخسائر في الأرواح، والتي من شأنها أن تشكل ضغطاً داخلياً مزدوجاً على مجلس الحرب. أحدهما من ذوي الأسرى، والآخر من ذوي القتلى والجرحى من قوات الاحتياط، والتي بدأ بعضها بالتمرّد، ورفض المشاركة بالقتال.
أمام هذا المأزق العسكري في خان يونس؛ والتي طالما اعتبرها الإحتلال مركز ثقل (حماس) وقياداتها، ومكان وجود الأسرى، من المتوقع أن يكثف من هجماته؛ مستخدماً كافة صنوف الأسلحة براً وبحراً وجواً، لذلك دفع بأربعة ألوية منها جفعاتي ولواء كوماندوس وغيرها لمحاصرة مخيم خان يونس؛ تمهيداً لإقتحامه، وارتكاب مجازر إبادة جماعية؛ انتقاماً لقتلاه في مخيم المغازي.
ويمكن لرعونة نتنياهو ومجلسه الحربي أن تقودهم إلى أبعد من ذلك، باجتياح مدينة رفح ومحيطها والسيطرة على محور فيلادلفيا للتغطية على فشل قواتهم في شمال ووسط القطاع. بيد أن هذا ربما يصطدم بموقف أميركي ضاغط، لتجنب سقوط أعداد كثيرة من المدنيين، على اعتبار أنّ رفح تضمّ نحو مليون و800 ألف نازح.
من ناحية ثانية، ربما يسبّب هذا بأزمة سياسية ودبلوماسية مع مصر؛ التي تربطها اتفاقات بهذا الصدد مع دولة الاحتلال، وهذا ما يشكل حرجاً لإدارة بايدن، الداعمة لوجيستياً وعسكرياً ودبلوماسياً وسياسياً للكيان. ولأنه يعتبر تجاوزاً للخطوط الحمر المتفق عليها.
في نهاية المطاف، هل ستوقظ هذه العملية النوعية بمؤشراتها ونتائجها قادة الاحتلال من سباتهم العميق، والوهم الذي يراودهم بتحقيق الانتصار على المقاومة؟ وهل سيستجيب نتنياهو لرأي الشارع الإسرائيلي الغاضب من سياسة حكومته الفاشلة؟ وهل سيبقى الموقف الأمريكي داعماً بل مشاركاً، في هذه الحرب الشعواء، وهذا التطهير العرقي لشعب يطمح للعيش بوطن آمن مستقل؟
إنّ الواقع، ومنطق التاريخ يؤكد هزيمة الغزاة المجرمين وأعوانهم، وانتصار المقاومة العادلة.