الانسحاب الأميركي: الاستحقاق المؤجل
ناصر قنديل
– ليس هناك لغز ولا مفاجأة، فكل شيء واضح ومعلن. المقاومة الإسلامية في العراق أعلنت منذ أكثر من مئة يوم عزمها على استهداف القوات الأميركية حتى وقف العدوان على غزة وشعبها وفك الحصار عنها وانسحاب القوات الأميركية من العراق. والمقاومة الاسلامية في العراق أعلنت أمس مسؤوليتها عن العملية التي استهدفت القوات الأميركية ونتج عنها وفق البيان الأميركي مقتل ثلاثة من الجنود الأميركيين واصابة العشرات منهم بجروح، والحديث عن مفاجأة تحتاج الى إيضاح هو حديث الذين لم يحملوا كلام المقاومة على محمل الجد، وتوهّموا أن ما تقوله هو مجرد تلويح وتهديد لتحقيق مكاسب سياسية، أو فرض الانسحاب دون خوض مواجهة مكلفة. والحديث عن لغز يحتاج الى تفاصيل ومعلومات وتوضيحات هو حديث الذين لم يضعوا في حسابهم أن الجهة التي قامت باستهداف القوات الأميركية لا تُخفي نفسها ولا هويتها ولا تختبئ وراء الغموض.
– نحن أمام عمل واضح ومعلن قامت به جهة واضحة ومعلنة، والمقاومة العراقية تمثل شعبها في حقه المشروع بإخراج قوات الاحتلال الأميركي، التي فقدت كل مشروعية شكلية مع مطالبة الحكومة العراقية إنهاء مهمتها في الأراضي العراقية. ووفق التجربة السابقة فإن القوات الأميركية لا تستجيب لطلبات الانسحاب إذا تم الاكتفاء بالتفاوض دون ضغط المقاومة بملاحقة هذه القوات بعملياتها. والمقاومة العراقية تلبي نداء الشعب الفلسطيني المظلوم في غزة الذي يتعرض لمذبحة مفتوحة شاركت واشنطن في تخطيطها وتنفيذها وتوفير السلاح لارتكابها، وقدمت التغطية ولا تزال لمنع ملاحقة مرتكبيها، ومنع وقفها باستخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي لمنع كل مسعى جدي لوقف إطلاق النار.
– خلال مئة يوم كانت المقاومة العراقية تصعّد درجات عملياتها أملاً أن يفهم صناع القرار الأميركي رسالتها ويجنبوا قواتهم نزف الدماء، لكن العقول المعنية بتلقي رسائل عمليات المقاومة تصرفوا بحال إنكار وغطرسة وغرور، واستخفوا بقرار المقاومة مواصلة عملياتها حتى تحقيق الأهداف المعلنة لها، حتى انتقلت العمليات إلى المرتبة الأعلى كالتي تمّت أمس. وبينما كان القادة الأميركيون يتوهمون أن استهداف قادة المقاومة العراقية او مواقعها يمكن أن يردع المقاومة عن مواصلة عملياتها، كانت المقاومة تستعد للخطوة التالية، وهي الآن كذلك. والأميركي يستعد لرد قال إنه انتقام من المقاومة، والمقاومة تستعدّ للخطوة التالية، ولا أحد يعلم متى وأين وكيف سيكون رد المقاومة على استهدافها تحت شعار الرد على العملية، والتصعيد يجلب التصعيد ولا شيء يمنع أن يتحول البحر المتوسط الى منطقة عمليات حربية كما تحوّل البحر الأحمر بسبب العناد الأميركي والغرور الحاكم لمواقف صناع القرار في واشنطن.
– في البحر الأحمر فعل الأميركيون الشيء نفسه، فعمدوا إلى استهداف اليمن بغارات جوية، وفي اعتقادهم أنهم سوف يردعون اليمن عن مواصلة إجراءاته في البحر الأحمر الهادفة لوقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها، لكن اليمن واصل بعزم أقوى وإرادة أعلى تنفيذ إجراءاته في البحر الأحمر، وارتفع عدد السفن المستهدفة، خصوصاً الأميركية والبريطانية، وفشلت المدمرات الأميركية في تأمين عبور السفن الممنوعة، والوضع في المنطقة الآن على مفترق يقرّره مستوى التعقل والحكمة، أو الجنون والحماقة في البيت الأبيض. فالمقاومة في المنطقة لن تتراجع وعلى الأميركي أن يقرّر هل يريد حرباً واسعة وشاملة، أم يريد كما زعم منع توسيع رقعة الحرب وعدم التصعيد؟
– المقاومة مستعدّة للحرب إذا كان هذا هو الخيار الأميركي. وهي سعت طوال الفترة الماضية لإيصال رسالتها دون تصعيد عملياتها، لكن الأميركي تجاهل جدية المقاومة وتعامل باستخفاف واستهتار، بخلفية الغرور والغطرسة. ومن يريد تورط الأميركي في حرب هو الاسرائيلي وليس المقاومة، لكن إذا قرر الأميركي المضي في خيار المخاطرة بخلفية التماهي مع كيان الاحتلال فعليه تقبّل أن يكون شريكه في الهزائم، فذلك قراره، لكن المقاومة ماضية في تنفيذ قرارها حتى يصبح العراق حراً ويتوقف العدوان على غزة.
– استحقاق مؤجل وضع على الطاولة، ودقت ساعة الرحيل الأميركي.