دبوس
البيّنة على من ادّعيَ عليه!
بقدرة قادر، او لنقل بقدرة عقل انتهازي متواطئ مع ذاته المخاتلة، أصبح المبدأ القانوني الكوني، والذي اتفق عليه بني البشر على امتداد الجغرافيا والتاريخ، البيّنة على من ادّعى، Burden of proof، La charge de la preuve، أصبح، البيّنة على من ادُّعيَ عليه، فحينما رفع كولن باول تلك الصورة البلهاء لإحدى الشاحنات، وقال، انّ هذه الشاحنة تحتوي على أسلحة دمار شامل، كان لزاماً على العراق ان يثبت انّ هذه الشاحنة لا تحمل أسلحة دمار شامل، وليس العكس، أيّ أن يثبت باول انّ هذه الشاحنة تحمل أسلحة دمار شامل…
بعد اندلاع طوفان الأقصى، كان كافياً ان تخرج علينا إحدى مقدمات الأخبار في “سي أن أن” أو “فوكس نيوز” أو “بي بي سي”، وهي عادة ما تكون شقراء، او صفراء فاقع لونها تسرّ الناظرين، أو إحدى قاتلات الحقيقة كما أحب ان أسمّيها، لتقول لنا بأنّ مقاتلي حماس “الإرهابيين” قاموا بقطع رؤوس 40 طفلاً “إسرائيلياً”، وكفى، بلا دليل، وبلا شهود، وبلا حتى تلك الجثث المقطوعة الرؤوس، وعلى حماس ان تثبت أنها لم تفعل ذلك.
لقد واكبت الإنسانية مراحل متنوعة من الدكتاتوريات، دكتاتورية الكنيسة، ودكتاتورية رأس المال، ودكتاتورية البروليتاريا، ويبدو أننا نلج الآن مرحلة، دكتاتورية الشواذ .
أما عن الأعراب، فحدث ولا حرج، يبدو انّ للأعراب مشكلة أُطلق عليها المشكلة البوصلية، او متلازمة غيرستمان، والتي أحد أعراضها ضياع الاتجاهات، وتوهان شرقي غربي، شمالي جنوبي، فـ صدّام، أرعد وأزبد وهدّد ولوّح بالويل والثبور، وعظائم الأمور ضدّ “إسرائيل”، وحينما طرأت لحظة الحقيقة، واختلط الحابل بالنابل، وجدناه يندفع بجيشه شرقاً بدلاً من ان يندفع غرباً، ويخوض حرباً مدمرة مع إيران، امتدت لثماني سنوات، وأحرقت الأخضر واليابس.
الشيء نفسه قام به مؤخراً ملك الانزالات، كما اتحفتنا به مراسلة الميادين في عمّان، فالرجل، ورغم كلّ هذا الحصار، وكل هذه الطائرات والغارات، والمدرعات، والصواريخ التي تتطاير يميناً وشمالاً، نجح في القيام بـ 25 عملية إنزال إلى غزة، هكذا قالت، وواقع الأمر ان نصيحة أتته من بيبي بالقيام بهذه الإنزالات، تحت سمع وبصر ونظر القوات الإسرائيلية، لتلميع صورته، وترميم شعبيته التي غدت في الحضيض، ثم توّج هذه الحركات البهلوانية بالتوجّه شمالاً، وقصف الجنوب السوري بالطائرات والصواريخ والمدافع، ولم يلحظ انّ العدو يقبع غرباً وليس شمالاً، متلازمة غيرستمان، كما يطلقون عليها، أما أنا فأحبّذ أن أطلق عليها متلازمة الخيانة…
سميح التايه