«الميادين» ترسانةٌ إعلامية في حرب شعواء
تمجيد قبيسي
تُشكل الحرب الإعلامية ركيزةً أساسية في التأثير على جميع القضايا والأحداث، وهذا ما يستغله الغرب وبالأخصّ الولايات المتحدة الأميركية التي اتخذت من هذه الوسيلة قبضةً لضرب الحقيقة وتبرير أعمالها العسكرية وإسناد مشاريعها، ونستذكر هنا على الصعيد العالمي انهيار الاتحاد السوفياتي والأحداث الكوبية والثورة الرومانية وغيرها من الأحداث التي شهدناها، أما على الصعيد العربي فقد شكل الربيع العربي نقطة تحوّل مفصلية بحيث كُشف الاستغلال لهذه الوسائل بشكلٍ فاضح وفُتحت كوةٌ للشك بمصداقيتها، في ظلّ غيابٍ لقوى المحور الثاني التي استدركت ضرورة الانخراط في هذه المعركة في وقت متأخر نظراً للإمكانات المادية، وبدأنا بلمس هذا الاهتمام في حرب تموز عام 2006 من خلال إطلالات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الشبه يومية التي لعبت دوراً مهماً على الصعيدين الإعلامي والنفسي، ليتبعها نمو بوتيرة تصاعدية وصولاً إلى يومنا هذا الذي نشهد فيه نقلة نوعية، فمن يشاهد وسائل الإعلام الإسرائيلية يرى أهمية خوض هذه المعركة وتغييرها لموازين القوى، وعند الحديث عن هذه الحرب يجب تسليط الأضواء على قناة «الميادين» التي تُعتبر جبهة أساسية أذاقت العدو الإسرائيلي ورعاته المرير بقلم الحق الذي جوبه بالاستهداف المباشر بالنار وبقرارات الكابينيت التي أسدلت الستار عن هشاشة السردية الإسرائيلية، كمحاولةٍ للحدّ من رصاصاتها الإعلامية المباشرة في صدر العدو وصورته الخاسرة، وفي هذا الإطار كشف رئيس التحرير التنفيذي في قناة «الميادين» الأستاذ سمير رزق عن استهدافين طالا فريقي قناة «الميادين» في جنوب لبنان خلال تغطية الحرب القائمة، غير الاستهداف الذي أدّى الى استشهاد فرح عمر وربيع المعماري وحسين عقيل، ولكن العناية الإلهية حالت دون حصول مجزرة إعلامية، وهذا تأكيدٌ على انّ قراراً قد تمّ اتخاذه لاستهداف «الميادين» بشكلٍ مباشر، مشيراً الى انّ قرار إغلاق مكاتب قناة «الميادين» في الضفة الغربية وأراضي الـ 48 سبقته سلسلة مضايقات ورسائل تهديد وملاحقات للأطقم المتواجدة هناك.
عن الطرق والوسائل التي اتخذتها «الميادين» لمواجهة إعلام العدو يتحدث رزق عن تخصيص جزء من مساحتها الإخبارية وهي «حروب الإعلام» التي تناقش من خلالها ما يتمّ طرحه على وسائل إعلام الغير بالاستناد على الواقع الذي يُعتبر المعيار الرئيسي والميزان لكشف زيف الأخبار التي يتمّ تناولها وفضح ما لا يتمّ تناوله، كما مساحة «الصورة الشاملة» التي يتمّ التركيز من خلالها على الوقائع وشرحها وتفصيلها للتأكيد أمام الرأي العام حقيقة الوضع وأهمية دور الإعلام.
أما عن وسائل التواصل الاجتماعي فقد أكد رزق انّ الشركات الكبرى قد أُجبرت على تقنين حذف المنشورات نظراً للضغط الشعبي الخارجي الذي فرض نفسه، إضافةً الى الفضائح التي ظهرت في الولايات المتحدة الأميركية، مستذكراً الحرب الإعلامية التي كانت تخاض خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب الذي كان يهاجم وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي حتى آلت الأمور الى حذف حسابه على «تويتر» كدلالة على انّ عمل وسائل الإعلام كان بتوجيهات المؤسسات الحاكمة أمام مرأى الرأي العام العالمي مما أثار الشكوك بها، وكشف أكثر فأكثر كذبة استقلاليتها وأكد على انّ تمويلها يتمّ من جهات معينة لتنفيذ المشاريع الخاصة والتعبير عن وجهة نظرها بخصوص ايّ موضوع، وهذا ما قابله شفافية من مؤسسات اخرى كـ «الميادين» التي أوصلت صوت الشعوب المستضعفة والمضطهدة في العالم مما زاد مصداقيتها عند المشاهد.
في الغضون اعتبر رزق انّ لوسائل التواصل الاجتماعي فضلاً كبيراً في إسقاط السردية الإسرائيلية وتعزيز قناعات لدى المواطنين بأنّ الإرهابي الحقيقي هو العدو الصهيوني وليس حركة حماس، الى جانب الصحافيين المتواجدين في غزة، وما كرّس هذا الشيء هو المظاهرات القائمة في الدول الأوروبية والأميركية التي أحرجت السلطات وأجبرتهم على تعديل بياناتهم وخطاباتهم خلال معركة «طوفان الأقصى»، وهنا تكمن أهمية دور الإعلام في تغيير مسار الحرب الى جانب الحرب العسكرية،
هذا غيض من فيض الإنجازات التي حققها الإعلام، فبالنظر الى الفترة الطويلة التي مرّت على «طوفان الأقصى» لا يزال اهتمام الرأي العام بما يجري مستمراً وحتى انه بوتيرة تصاعدية عكس العديد من الأحداث التي تتحوّل الى شيء روتيني بعد انقضاء أيام وجيزة عليها، كما انّ أحد الإنجازات التي يجب التطرق اليها يتمثل بإعادة القضية الفلسطينية الى صلب الأحداث والاهتمامات في كلّ العالم وتعرّف الجيل الصاعد عليها، في خضمّ حملة كانت تحضّر لطمس القضية.
أما على صعيد الإنجازات التي تحتاج وقتاً لتتحقق، فيرى رزق انّ هناك وعياً شعبياً عربياً سيظهر اضافةً الى حرية تعبير لم يكن لها مثيلٌ في السابق.
عن إمكانية تأثير الاعتداءات الاسرائيلية على الصحافيين بعد تجاوز عدد شهدائهم المئة منذ بداية طوفان الأقصى حتى اليوم وضرب قوانين الحرب بعرض الحائط، يرى رزق انّ كلّ هذه الانتهاكات ستخلق تحدياً أمام كلّ إعلامي لإكمال رسالته لأنها قضيته وليس له بديل عنها، بعكس المسعى الاسرائيلي لإرهابهم، والدليل على هذا هو صمود الصحافيين حتى الآن وخصوصاً في شمال غزة التي زعم جيش الاحتلال السيطرة عليها، كما أثنى على دورهم الرئيسي في فضح العدو وكشف أكاذيبه، مشدّداً على ضرورة التمسك بسلاح الإعلام لما له من أهمية على العديد من الأصعدة التي تُغرق العدو في مستنقع الفضائح.
في إطار الإمكانات المحدودة والفروقات بالقياس ما بين وسائل الإعلام الغربية من جهة ووسائل الإعلام المقاومة من جهة أخرى، يتأمّل رزق وضع هذا الملف على سلم الأولويات وتخصيص ميزانيات لدعم وسائل إعلامنا لمواجهة الوسائل الإعلامية الغربية، بعد هذه الإنجازات التي حققها الإعلام المناصر للقضية الفلسطينية خلال تغطية «طوفان الأقصى»، فبالنظر للاهتمام الغربي بالإعلام نرى دعماً مادياً طائلاً بحيث انّ تلك المؤسسات الاعلامية لا تعتمد على أرباح الإعلانات، لا بل هناك شركات يُفرض عليها التمويل، وهذا ما لا نشهده نحن في خضمّ الواقع الإعلامي المأساوي الذي نمرّ به، واتجاه الإعلام المكتوب نحو الإقفال أو اللجوء الى المواقع الالكترونية في ظلّ الثورة الرقمية الحالية… إلا انّ رزق لا يعتبر وسائل التواصل الاجتماعي بديلاً عملياً، بالنظر الى جملة من الأسباب والمعطيات التي تستحق التطرق إليها بالتفصيل في بحث مقبل…