«الصفقة» واجتماع باريس…
رنا العفيف
رغم المواقف المتصلبة، يعود رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على وجه الخصوص، إلى المربع الأول في المطالب، فيما المقاومة متمسكة بشرط وقف الحرب بشكل كامل وشامل، فما الجديد الذي يُطرح حول هذه الصفقة؟
على لسان محللين وخبراء سياسيين يكثر الحديث عن نضج في ظروف الحلّ في غزة، فيما المقاومة تدرس مقترح باريس بشأن وقف إطلاق النار، وتؤكد تمسكها بالوقف الشامل للعدوان قبل البحث في تبادل الأسرى وسط المراوغة في الموقف «الإسرائيلي» والأميركي، إذ لا حديث إلا عن مقترح باريس بشأن غزة، وكذا إشارات تبث حول الإيجابية قبل عودة نتنياهو إلى تكرار سمفونيته المعهودة في تحقيق الأهداف…
في حقيقة الأمر والواقع الميداني والسياسي الذي يبث إشارات كبيرة وعديدة حول هذا المقترح، الذي يبدو لنا كمتابعين أنّ واشنطن مستعجلة لإنجاز أيّ صفقة من أجل ما يحصل من استهداف عمليات عسكرية ضدّ قواعدها في المنطقة، ورأت جدية وصلابة الجبهات المساندة لغزة من خلال دبلوماسية النار ورسم خطوط المواجهة، من هنا أتى كلام الرئاسة الأميركية والمتحدث باسمها، أنّ الردّ على ضربة الأردن سيكون مدروساً على أن لا يؤثر في مفاوضات باريس ولا يوسع نطاق الحرب، وكأنّ هذا الاستنتاج متعلق بمصلحة الولايات المتحدة في الذهاب إلى هدنة حتى ولو كانت طويلة، فالجديد في الواقع الميداني هنا لمعركة غزة بالرغم من هول القتل والتدمير والكارثة الإنسانية ليس في صالح الكيان الصهيوني، نظراً للانقسام الكبير على المستويات السياسية والأمنية والعسكرية في الجانب الإسرائيلي بالإضافة إلى المطالب المتزايدة في ما يتعلق باستعادة الأسرى لدى المقاومة،
الأمر الآخر واللافت في جوهر المقترح هو أنّ الولايات المتحدة لها مصلحة كبيرة في هذا الاتجاه، أيّ الهدنة، من أجل عدم تفاقم الأوضاع على الجبهات المختلفة المساندة لقطاع غزة ولنصرة فلسطين، وبالتالي يكون كلّ ما نسمعه من نتنياهو قد لا يعبّر عن الحقيقة ولا عن فعالية الموقف، بقدر ما هو يمارس سياسة الحرب النفسية، دون أن يدرك ماهية الخطأ الفادح في نظرية الحدود المعروفة لدى هذه الحرب، حيث لا يمكن للمقاومة ولجبهات المقاومة المساندة أن تتأثر بها لماذا؟ لأن المقاومة بكلّ فصائلها وجبهاتها تتقن فنّ الردّ المطلق على هذه النظرية التي يمارسها نتنياهو لترتدّ عليه بمفعول عكسي في ظلّ إمكانيات الوعود والشروط وفقاً لأهداف الحرب على قطاع غزة وإلى ما هنالك من أوهام ورهان للقضاء على حماس وتقديم المطلوب حول موضوع الأسرى وإلى ما هنالك من هرطقات سياسية في متناول نتنياهو وأركانه، ما جعل سياسة الاضطرار الإسرائيلي للهدن حاجة ماسّة وملحة.
في ما يتعلق بالشق السياسي والمفاوضات، ليس من جديد أو مقترح سوى المدة الزمنية، إذ قبل شهرين طرحت مسألة شهر يتمّ خلاله التبادل دون وقف إطلاق نار شامل وكامل، إضافة إلى إدخال المساعدات، هذا كان قبل شهرين في اجتماع وارسو، اليوم في اجتماع باريس قد لا يبدو أنّ هناك جديداً في المقترحات سوى أنّ الشهر تحوّل إلى 45 يوماً، وبعض التصريحات تقول غير ذلك، إذاً لا يمكن الحديث عن جديد لأسباب جوهرية إنْ كانت من أطراف دولية أو إقليمية أو حتى من الولايات المتحدة نفسها التي تحاول إغراء المقاومة الفلسطينية وحركة حماس بالذات، لكن ربما قد يتحوّل مسار الهدن إلى معادلة لنقل فاعلة مفعلة سياسياً وعسكرياً قوية تفتح نافذة لكبح جماح العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، لا سيما في حال كانت هذه الهدن على مراحل طويلة الأجل أو تلك التي تحمل سلسلة قابلة للتمديد وفق خيارات وشروط وحسابات المقاومة الفلسطينية من حيث المبدأ، وكان هناك رفض إجراء أيّ تفاهمات لتبادل الأسرى قبل وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى الإجراءات الأخرى وكان هذا لاعتبارات سياسية أخذتها المقاومة على عاتق مسؤولية صانع القرار، أيّ المقاومة تدرك أنّ الاحتلال الإسرائيلي يريد أن يجرّدها من عدة أوراق مهمة وحاول استثمار بعضها ليأثر على المجتمع الإسرائيلي وعلى المؤسسات العسكرية والسياسية، عدا عن إخراج هذا الملف والتدوال به بصورة مغايرة، ولكن تصدّت له المقاومة الفلسطينية بأدائها ولجمت هذا الملف ومن يقف خلفه، وانطلاقاً من هذا، يجب أن ندرك بأنّ المقاومة تحث على نوايا الاحتلال الإسرائيلي، سيما انه قادر على أن ينكفئ على مسوغات وترتيب الأوراق اللازمة استراتيجياً للجم هذه الحرب وفك الحصار بصورة نمطية بانورامية لما يريد ويحدّد، وأيضاً الولايات المتحدة قادرة أن تنزل نتنياهو عن الشجرة حين الطلب، ولكن أيضاً هناك أسئلة جمة حول ماهية وجدية الولايات المتحدة بشأن ما إذا ما كانت تشكل أرضية لإنهاء الحرب أو أن تخفف عبئ عن الإسرائيلي،
بالتالي قد لا يكون هناك جديد بالمعنى المفهوم في سياق الاجتماعات والاتصالات المكثفة وما صدر عنها ونشر، سوى الاستعراض والاستهلاك الإعلامي والفرق في مدة الهدنة، وإذا لم تكن هناك ضمانات أساسية لا يمكن أن تتمّ هذه الصفقة التي هي بمثابة صفقة أو لا صفقة بالرغم من وسطاء وما تتطرق إليه المقاومة بشكل دقيق خاصة وأن لا يمكن أن تقبل بأن تكون الولايات هي الضامنة حيال ما فعلته من دعم عسكري مباشر منذ بداية الحرب حتى اللحظة وكانت بذلك الشريك المباشر على العدوان الإسرائيلي على غزة، إضافة إلى التناقضات حيال مواقفها ونقدها وتخبطات كثيرة، ولا أعتقد بأنّ المقاومة تثق بواشنطن وربما المقاومة نفسها تطرح حزمة من الأسئلة على نفسها في سياق المفاوضات عموماً، وربما هناك تكتيك دقيق في مجموعة حساب المقاومة التي من شأنها ربما تعود بالنفع على غزة وطبعا هذا مؤكد وسط الكارثة الإنسانية، أيّ الحسابات التي ذكرتها وتديرها المقاومة ستكون متوازنة ومناسبة وفقاً للأهداف التي حققتها وكرّستها لإنهاء الحرب، في مقابل ما يمكن أن تبرزه المقاومة أيضاً من أدلة سياسية تتعلق بالولايات المتحدة وأصدقائها في استمرار وتقديم الدعم العسكري لـ «إسرائيل» لتحقيق إنجازات، بالإضافة إلى التعقيدات الأمنية ولسياسية في خضمّ موعد اقتراب الانتخابات الأميركية والضغط على الأصوات المعترضة، وهذا يسبّب قلقاً كبيراً لواشنطن، وهو قلق لا يمكن السكوت عنه وربما هنا مربط الفرس في ما يتعلق بمسألة الضمانات التي طلبتها المقاومة في موضوع الهدن ومدى مصداقية الإدارة الأميركية في أن تكون الهدن الطويلة التي ربما تغيير الظروف الميدانية والسياسية ومن ثم لوقف إطلاق النار، مع الإشارة إلى جهوزية المقاومة وجبهات الإسناد لأيّ غدر أو كمائن تتخفى خلفها واشنطن ولفيفها…