الكيان الصهيوني وسرقة الأعضاء البشرية لشهداء غزة
أحمد عويدات
تنوّعت وتعدّدت سلسلة جرائم ومجازر قوات الإحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، إذ لم تشهد البشرية في كلّ الحروب التي وقعت بشاعة وفظاعة أكثر مما يقترفه أحفاد عصابات شتيرن والهاغاناه والأرغون الذين تسبّبوا بنكبة 1948 واحتلال فلسطين .
لم يعد الأمر يتعلق بالأسلوب الهمجي والبربري الذي تمارسه القوات الغازية من إبادة جماعية ومجازر وإعدامات ميدانية بدم بارد على مدى ثلاثة أشهر؛ بل تعدى ذلك إلى سرقة أعضاء جثامين الشهداء.
بناء على تصريحات أدلى بها أطباء في مستشفى يوسف النجار في رفح، قام جنود الاحتلال بنقل 80 من جثامين الشهداء إلى مستوطنات غلاف غزة، ثمّ قاموا بسرقة أعضاء بشرية من الجثامين خاصة جلود الشهداء، و بنتيجة الفحوصات التي أجريت تبيّن أنّ هناك 17 جثة شهيد نزعت منها فروة الرأس وجثث أخرى وصلت أشلاء وقد سرق منها كلية أو قرنية عين أو نخاع شوكي وأعضاء أخرى. وأكد ذوو الشهداء صعوبة التعرّف على أبنائهم نتيجة التشوّهات التي لحقت بالجثامين.
إنّ هذه الجريمة النكراء ترتقي إلى جريمة حرب تضاف إلى السجل الإجرامي للكيان الصهيوني وقادته المرتبطين بشبكة دولية للإتجار بالأعضاء البشرية.
وفي ذات السياق، يأتي الإخفاء القسري لعدد كبير من المعتقلين المدنيين الذين تمّ اقتيادهم إلى خارج قطاع غزة، كدليل دامغ على هذه الممارسة الدنيئة، والتي لم تشهد أيّ تحرك يذكر من قبل منظمة الصليب الأحمر إزاء هذه الجريمة البشعة. وقد سبق ذلك قيام الجنود الصهاينة باختطاف 145 جثة من مستشفى الشفاء أثناء اقتحامها. وما سرقة الجندي الإسرائيلي إيتاخ للطفلة الرضيعة إلا شاهد آخر، وما يثير القلق أكثر هو وجود ما يزيد على 8000 مفقود يعتقد أنّ غالبيتهم تحت أنقاض الأبنية المدمرة، أو أنّ قوات الإحتلال سرقت جثامينهم.
من ناحية أخرى، إنّ هذا النوع من الجرائم ليس بجديد على دولة الكيان الصهيوني، حيث أنها تحتجز مئات الجثامين في ما عُرف بمقابر الأرقام لشهداء العمليات الفدائية منذ العام 1976، كما تم احتجاز عددً آخر من الجثامين التي تمّ تجميدها بثلاجات بعد اقتطاع أعضاء منها عام 2015 وقبلها 19 جثماناً تمّ اعتقالها عام 2014.
في سياق متصل، ولإخفاء جريمته يعمد الاحتلال الإسرائيلي إلى تأخير تسليم الجثامين بانتظار تحللها وتغيير ملامحها، كذلك عدم إعطاء أية معلومات للمستشفى أو الأهل يمكن الاستفادة منها في تحديد هوية الشهداء ومكان استشهادهم، إضافة إلى تغييب دور الصليب الأحمر – الجهة المناط بها تسلم الجثامين – لنفس الغرض. وبهذا تكتمل أركان الجريمة بحق الشهداء.
وعلى الضفة الأخرى، وفي وقت سابق كشفت الطبيبة الإسرائيلية مئيرا فايس في كتابها «على جثثهم الميتة» عن سرقة أعضاء من جثث الشهداء الفلسطينيين. وجاء في نفس السياق اعتراف يهودا هس مدير معهد الطب الشرعي ليؤكد الجريمة.
إلى ماذا يرمي الاحتلال الإسرائيلي من ارتكاب هذه الجريمة المروعة؟!
عدا أنّ ذلك يشكل مصدراً للإتجار؛ لكون «إسرائيل تملك أكبر بنك للجلد البشري في العالم»، يهدف الاحتلال إلى تثبيط معنويات ذوي الشهداء أولاً، ثم الإساءة إلى كرامة الشهيد وحرمته ثانياً، وأخيراً تحقيق مسمّى الانتقام لدى المتطرفين المتديّنين الصهاينة الذين باتوا يتحكّمون بالسياسة الإسرائيلية؛ وهذا ما يذكرنا به البروفسور اليهودي نعوم تشومسكي بأن «معظم جوانب العقيدة الصهيونية تقوم على أساس ديني متطرف».
هذا السلوك اللاإنساني المنافي لكافة المواثيق والقوانين الدولية الإنسانية وخاصة المواد 15 و 17 و 120 و 130 من اتفاقيات جنيف، يعتبر وصمة عار في جبين الإنسانية؛ إذا لم تقم الهيئات والمنظمات الدولية بواجبها في تعرية وفضح هذه الجريمة البشعة وتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة وإصدار قرار لتقديم مرتكبيها إلى العدالة والإسراع في الكشف عن المختطفين من غزة أحياء وجثامين.
ختاماً، ونحن في نهايات الشهر الرابع من الحرب الشعواء على الشعب الفلسطيني تقدّم هذه الجريمة وهذه اللصوصية برهاناً آخر على أنّ «الإسرائيلي» جندياً كان أم مستوطناً، ضابطاً أو قائداً، مسؤولاً أو وزيراً؛ إنما هو جلاد وسفاح ليس للمدنيين الأحياء فحسب، بل للشهداء الأبرار أيضاً. وهذا ما يؤكده الحاخامات الصهاينة؛ إذ يعتبرون أنّ كلّ المدنيين مذنبون، وأن لا وجود لأيّ حظر أخلاقي أو ديني يحول دون قتلهم جميعاً من دون تمييز.