جوهر الحملة على الأونروا
بشارة مرهج*
في سياق الحرب الضارية التي تشنّها تل أبيب والإدارة الأميركية على غزة بهدف تدميرها وقتل أهلها وتهجيرهم كخطوة على طريق تصفية القضية الفلسطينية يحاول الطرفان التخلص معاً من «الأونروا» باعتبارها عنواناً حياً يكرس الوجود القانوني للاجئين الفلسطينيين وحق العودة على مستوى الأمم المتحدة، كما العالم بأسره. وهذا العنوان بمحتواه الإنساني ودلالاته السياسية من الطبيعي أن يشكل تحدياً مستمراً للتحالف الاستعماري لأنه يقف سداً قانونياً ودولياً منيعاً بوجه محاولات محمومة، لم تتوقف يوماً، لإنهاء القضية الفلسطينية التي تعبّر عن لب الصراع في المنطقة بين الوجود الاستعماري ـ الصهيوني وحركة الشعوب العربية النازعة الى التحرّر والاستقلال.
وبالعودة الى الأونروا نجد أنّ اسمها الرسمي هو وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، أي أن هذه الوكالة التي تأسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949 مسؤولة عن دعم وحماية اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا بقوة السلاح من أراضيهم ومنازلهم ووطنهم، والذين يتمتعون في الوقت نفسه بحق العودة المكفول بشرعة حقوق الانسان، وبالقرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، علماً بأن هذا الحق لا يسقط بالتقادم ولا يزول إلا بقرار من المنظمة الدولية التي أصدرته.
وهذه الحقائق التي تشكل اعترافاً دولياً قائماً بالشعب الفلسطيني وحقوقه غير القابلة للتصرف تعتبر مكسباً لهذا الشعب ومدوّنة موثقة دولياً تفيد بأن اللاجئين الفلسطينيين لهم حقوق صادرها المحتل الإسرائيلي، مما يضع هذا المحتل في قفص اتهام لا يمكن أن يتخلص منه إلا بإلغاء القرارات الأممية وتجلياتها الميدانية.
وعلى هذا الأساس يمكن القول إن سياسة التخلص من الأونروا هي سياسة ثابتة لدى الكيان الصهيوني منذ زمن بعيد تطل برأسها كلما لاحت فرصة لوضعها موضع التنفيذ.
على أنّ أخطر ما في هذه السياسة هو ارتباطها الوثيق بمشروع التطهير العرقي الملازم لوجود الكيان الصهيوني والذي يتجلى بالمجازر المنهجية التي يرتكبها هذا الكيان ضد الشعب الفلسطيني في أرضه أو في الشتات، (مجازر صبرا وشاتيلا عام 1982).
وعندما صدرت قرارات وبيانات من مختلف هيئات ومنظمات الأمم المتحدة تدين «إسرائيل» وتحمّلها مسؤولية العدوان على الشعب الفلسطيني وتشريده وإهدار دمه، خاصة القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية والمبني على تقارير مختلف الوكالات الدولية استنفرت تل أبيب ومعها واشنطن لكسر هذه الموجة العارمة لدعم الشعب الفلسطيني وضرب المؤسسات التي تكرّس شرعية وجوده وتعمل على إغاثته في مجالات الصحة والطبابة والإسكان والتعليم والغذاء.
وإذ تقاطعت المشاريع القديمة مع الرغبات الآنية أصبحت الأونروا في عين الهدف، فبرز القرار الأميركي القاضي بوقف التمويل عن الأونروا بحجة قيام بعض موظفيها من الفلسطينيين بمساعدة شعبهم. ثم ترافق ذلك مع قرارات مماثلة من عدد من الدول المهتمة بإرضاء واشنطن وتل أبيب حتى قبل أن يجري التحقيق مع هؤلاء الموظفين الفلسطينيين الذين سبق أن اتهمتهم «إسرائيل» وأميركا بالمشاركة في «طوفان الأقصى».
إن هذه الحملة الأميركية الإسرائيلية المستمرة ضد اللاجئين الفلسطينيين بهدف تجويعهم واقتلاعهم من ارضهم لا تعكس فقط الحقد الدفين في صدور من راعتهم انتفاضة الشعب الفلسطيني دفاعاً عن «الأقصى» والحق والكرامة، وانما تعكس أيضاً سياسة ثابتة في تغييب الفلسطيني عن الساحة الدولية وتصفية قضيته وضرب كل مؤسسة تؤيده أو تتفهم حقه أو تتحسّس محنته، وكلّ ذلك بهدف تثبيت الكيان المهتزّ للاحتلال الصهيوني وتكريس تفوّقه من جديد في المنطقة، وتمكينه من تهديد أي مبادرة لدول المحيط ترفض الإملاءات الاستعمارية وتسعى الى الاستقلال بقراراتها وحماية مواردها، خاصة أنه لم يعد في يد التحالف الاستعماري سوى القوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية لمنع التحولات الحتمية التي يشهدها العالم باتجاه تفوّق الصين ودول البريكس بالتزامن مع تأزم شديد يخرق عظام النظام الرأسمالي الدولي ويضعف مؤسساته المثقلة بديون طائلة تهدد بإنهيار لا مثيل له.
ويبقى الرد الأفضل على التحدي الأميركي الصهيوني الذي يطعن الحق الفلسطيني في الصميم ويتعرض لكرامة كل عربي وحر في العالم هو تضافر جهود كل الدول العربية والإسلامية والصديقة لتأمين الاعتمادات المطلوبة لميزانية الأونروا كي تتمكن من القيام بواجباتها الجوهرية تجاه الشعب الفلسطيني خاصة في ظل هذه الحرب الهمجية الضارية التي تشنها عليه الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا و»إسرائيل» وسواها من الدول والمنظمات. وصدق جوزيف بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية عندما قال قطع التمويل عن الأونروا هو بمثابة «عقاب جماعي للشعب الفلسطيني».
*نائب ووزير سابق