أبعاد إيقاف التمويل عن الأونروا…
أحمد عويدات
منذ اللحظات الأولى التي وجه فيها الكونغرس الأميركي لائحة اتهامات، للسيد فيليب لازاريني المفوض العام للأونروا للردّ عليها، اتضح أنّ وراء الأكمة ما وراءها. لقد كشفت هذه الدعوة عن مطلب أميركي، بإيقاف التمويل المقدّم للأونروا، وتبعها بذلك 16 دولة. ومطلب إسرائيلي بإنهاء عمل وخدمات الأونروا، واستبدالها بهيئة أخرى.
في واقع الأمر، لم يكن المقصود من هذا السلوك اللاإنساني واللاقانوني الأونروا ذاتها؛ بل ما تمثله من ارتباط عضوي وجودي بقضية اللاجئين الفلسطينيين؛ والتي تذكر بالمأساة المستمرة للشعب الفلسطيني، ونكبتهم عام 1948، عندما شرّدوا من وطنهم فلسطين، وانتزعت أملاكهم. كما تعتبر الأونروا الحاضنة الدولية الأهمّ لحق عودتهم إلى وطنهم حسب ما جاء في قرار ولاية الأونروا رقم 302 من تعريف للاجئين الفلسطينيين بأنهم «أولئك الذين كانت فلسطين مكان إقامتهم بين 1946 و1948 وفقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة نكبة 1948». لذلك تحاول الولايات المتحدة تغيير صفة اللاجئ هذه، بحيث تقتصر على من نزح عام 1948، ولا تستمرّ إلى الأبناء والأحفاد؛ تمهيداً لتصفية ملف اللاجئين، وشطب حق العودة إلى فلسطين التاريخية.
أما البُعد الآخر؛ يتلخص بسعي إدارة بايدن، إلى إعطاء صك براءة للدولة المارقة الغازية، من جرائم تدمير المشافي ومنشآت الأونروا، وجرائم الإبادة الجماعية بحقّ آلاف النازحين إلى منشآت ومدارس الأونروا، بذريعة أنّ فيها أنفاقاً ومراكز قيادة لحماس، واتهام العديد من موظفي الأونروا بزعم مشاركتهم في عملية 7 أكتوبر. الأمر الذي دفع المفوض العام للأونروا لتبني رواية قوات الاحتلال، وتمّ فصل 12 موظفاً بشكل تعسّفي ودون تحقيق بعيداً عن أبسط القيم والمبادئ المهنية؛ محاولة منه لإرضاء الإدارة الأميركية وقادة الكيان و»حفاظاً على قدرة الوكالة بالاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية» حسب رأيه.
وما تصريح وزير خارجية الإحتلال كاتس عبر منصة إكس؛ إلا دليل على ما تبيّته دولة الكيان الصهيوني، في قوله: «يجب أن تدفع الأونروا ثمن أعمالها، وأضمن أن لا تكون جزءاً من المرحلة التي تلي الحرب». وأضاف: «إنها تعمل كجناح مدني لحماس».
في البُعد الثالث، تهدف الولايات المتحدة إلى إحداث تغيير منهجي في سياسة الأونروا؛ من خلال فرض أجندات سياسية صهيو- أميركية، في مناهج التعليم بمدارس الأونروا؛ بتضمينها مبادئ أربعة جديدة كالحيادية، والاستقلالية، وعدم التحيّز، والإنسانية. أيضاً فرض التزامات معينة تتعارض مع تراثنا وتاريخنا الحضاري، وحقنا في فلسطين، وتشويه ثقافة أبنائنا الوطنية؛ بإقحام مفاهيم التصالح والتسامح، والإذعان وقبول الآخر؛ بما يؤسّس لقبول المحتلّ، والتصالح معه والتنازل عن الحق. إضافة إلى إدراج بعض البرامج المشبوهة؛ كالحماية والنوع الاجتماعي ودعم الشباب والعنف الاجتماعي.
ولم تكتف بذلك، بل سعت إلى إفساد النظام الإداري والإشرافي والتعليمي، تحت مسمّيات ومشاريع مختلفة؛ بغية التأثير على نتاجات التعليم، والبنية المعرفية والشخصية الوطنية للتلاميذ. حتى بلغ الأمر حدّ التدخل بحذف الكثير من الموضوعات والقصائد والقصص والصور، التي تغذي وتنمّي الشعور والانتماء الوطني والقومي والإنساني.
وما يؤكد هذا المسعى جاء على لسان يائير لابيد زعيم المعارضة الإسرائيلية ورئيس الحكومة السابق «حان الوقت لإنشاء منظمة بديلة عن الأونروا؛ إذ أنها تربي أجيال من الأطفال على الكراهية، وتتعاون مع إرهاب حماس.»
على الجانب الآخر، جاءت تصريحات ومواقف بعض ممثلي الأونروا، في فضح انتهاكات وجرائم دولة الاحتلال بحق المدنيين ومنشآت الأونروا، وخاصة في محكمة العدل الدولية، ودعوتهم إلى وقف العمليات العسكرية؛ بهدف تمكين الأونروا من تقديم المساعدات لسكان القطاع، بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وأدّت إلى أن تطلق الولايات المتحدة حملتها العدائية ضدّ الأونروا، وانضمام جوقة الدول الـ 16 الداعمة لدولة الكيان إليها.
وتزامنت هذه الحملة مع صدور قرار محكمة العدل الدولية، بوجوب إيصال المساعدات، وتوفير الإحتياجات الإنسانية لغزة؛ مما يعني عرقلة تنفيذ هذا القرار.
في مواجهة هذا الوضع، ما هو المطلوب من السلطة والقوى الفلسطينية والمجموعة العربية والدول المساندة؟
1 ـ ممارسة الضغط السياسي والدبلوماسي، والقيام بما يجب القيام به؛ لتقويض هذه الحملة.
2 ـ فضح وإفشال الخطة الإسرائيلية الثلاثية المراحل، والتي أعلنت عنها مسبقاً القناة 12 الإسرائيلية. والتي تبدأ بالكشف عن تعاون مزعوم بين الأونروا وحماس، ثم تقليص عمليات الأونروا في القطاع والبحث عن منظمات بديلة، وثالثاً نقل مهام الأونروا إلى الهيئة التي ستحكم غزة في اليوم التالي للحرب.
3 ـ الوقوف بقوة أمام كلّ المحاولات الرامية إلى تصفية الوكالة، وفرض أجندات مشبوهة عليها.
4 ـ التصدي لمحاولة تصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ووقف التهجير القسري.
وعلى الدول الداعمة لدولة الاحتلال التوقف عن اللعب بمصير شعبنا، ووضع قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة موضع التنفيذ؛ لتمكين شعبنا من العودة إلى وطنه ونيل حقوقه المشروعة.