عن ردّ حماس على ورقة باريس
ناصر قنديل
– تثير التعليقات الأميركية والإسرائيلية على رد حركة حماس على ورقة باريس لصفقة تبادل للأسرى وإعلان هدنة السخرية، فأن يقول الرئيس الأميركي جو بايدن أن رد حماس مبالغ به، وأن تقول أوساط رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو أن الرد كان سلبياً، يفترض أحد أمرين، إما أن الطرفين لم يكونا في حال حرب معلنة عنوانها اجتثاث حركة حماس، ويريان أن ردّ حماس لا يناسب مصلحتها كحركة مقاومة ومصلحة شعبها، من موقع حليف وصديق ناصح. وهذا ليس هو الحال، أو أن يكونا كشريكي حرب ضد حماس والشعب الفلسطيني قد ربحا الحرب ويملكان بديلاً عسكرياً هو مواصلة الحرب ما لم ترضخ حماس وقوى المقاومة لما تضمنه عرض الصفقة كخيار ما قبل الحسم العسكري؟
– كل شيء يحيط بغزة يقول إن الحرب التي قامت أصلاً لمحو آثار نصر المقاومة البائن والكاسح في 7 تشرين الأول، قد زادت على هزيمة الكيان هزيمة، وإن الدعم الأميركي اللامحدود سياسياً وعسكرياً وجلب حاملات الطائرات الى المنطقة وتوزيع التهديدات على قوى المقاومة، لم ينجح بعزل غزة عن الإقليم، فولدت الى جانب حرب غزة حروب يرتبط وقفها بوقف الحرب على غزة، حيث لا مجال للإنكار أنه رغم الغارات الأميركية على سورية والعراق واليمن، والتهديدات الإسرائيلية بحرب على لبنان، لا تزال العودة الى ما قبل 7 تشرين الأول، مستحيلة دون وقف الحرب على غزة. فلا الملاحة في البحر الأحمر سوف تعود الى ما كانت عليه، ولا القواعد الأميركية تنعم بالأمن، ولا المستوطنون في شمال فلسطين قادرون على العودة إلى مستوطناتهم، دون المرور بمعبر إلزامي هو وقف الحرب على غزة.
– الاستنتاج البديهي لقراءة معنى أن الحرب على غزة فشلت بتحقيق أهدافها بتحرير الأسرى دون تفاوض، كما فشلت بالقضاء على المقاومة، من جهة، ولقراءة نص ورقة باريس وما تتضمنه من تفاوض مع المقاومة واعتراف ببقائها قوة وازنة ومؤثرة، وسعي لتبادل الأسرى معها عبر التفاوض؛ من جهة مقابلة، يقول إن الحرب صارت عبئاً على أصحابها، والاستنتاج البديهي الموازي لأي قراءة لحال الجبهات المساندة وما ترتب عليها من إنتاج أزمات مصاحبة للحرب على غزة، تستنزف أميركا و”إسرائيل” وتضغط عليهما، وفشل كل محاولات حلها على قاعدة عزلها عن حرب غزة، سواء أزمة البحر الأحمر أو استهداف القواعد الأميركية في سورية والعراق أو أزمة تهجير مستوطني شمال فلسطين، وثبات حقيقة أن حل هذه الأزمات وتجاوز تداعياتها، له طريق واحد هو وقف الحرب على غزة، يقول أيضاً إن وقف هذه الحرب حاجة أميركية إسرائيلية.
– ما يريده الأميركي والإسرائيلي من المقاومة هو التصرّف، وكأنها هزمت وهي منتصرة، وأن تقبل بدء تبادل الأسرى وصولاً إلى إنهاء التبادل دون ضمان تحرير كل الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، وأن تقبل تقديم العون لحكومة الاحتلال ومن خلفها إدارة بايدن عبر إنهاء ملف الأسرى، مع إبقاء خيار الحرب بيد الأميركي والإسرائيلي، ودون إنهاء الاحتلال في قطاع غزة، وفك الحصار وفتح طريق واضح لعملية إعادة الإعمار، وصولاً لفتح مسار سياسي جدي وثابت يتناول جوهر القضية الفلسطينية؛ وهذه أهداف عليهم لتحقيقها الانتصار في الحرب. أما السعي لمقايضة المساعدات الإنسانية بالأسرى تحت عناوين تحمل أسماء أخرى، فهو ليس إلا جريمة حرب إضافية.
– المقاومة ممثلة بحماس تقول إنها منفتحة على حلول سياسية، لكن الذي جرى هو حرب كاملة، يجب تحديد ما إذا كنا نتحدث عن إنهائها عبر التفاوض، أم أن الحديث يدور عن هدنة والعودة إليها، ولا مجال للحديث عن هدنة تتحوّل الى انهاء الحرب دون توضيح كيف وبأي شروط وماهية الصيغة المقترحة لوقف الحرب. ووقف الحرب يتضمن إنهاء الاحتلال وفك الحصار وخطة إعادة الإعمار وفتح المسار السياسي تحت عناوين واضحة وجدية، وغياب كل ذلك يجعل الحديث محصوراً بالهدنة، ومضمونها مساعدات إنسانية لغزة مقابل أسرى الاحتلال. والمقاومة غير مهتمة بهذا العرض. أما إذا كان الهدف هو إنهاء الحرب فالطريق واضح وهو مناقشة النهايات، وبعد الاتفاق عليها تتم العودة الى التطبيقات، ومنها ملف الأسرى والتبادل، وملف المساعدات الإنسانية، وشروطهما.
– في النهاية ليس أمام واشنطن وتل أبيب إلا العودة للتفاوض، والمكابرة والإنكار لا ينفعان من فشل في الحرب، سواء الحرب في غزة، أو الحروب الرديفة لها، في البحر الأحمر أو العراق وسورية أو على حدود لبنان، ومن يملك حلاً عسكرياً فعليه أن يختبر هذا الحل إلى ما شاء. ومتى تيقن من الفشل، فالمقاومة جاهزة للحل التفاوضي، على قاعدة أن الحرب خيار لم يعُد على الطاولة، وعندها يبدأ الحديث الجدي، ويفهم بايدن أن رد حماس لا يتسم بالمبالغة، ويفهم نتنياهو أن رد حماس ليس سلبياً، لأن مشكلة بايدن ونتنياهو أنهما مهزومان ويتحدّثان كأنهما منتصران.