اغتيال «الأونروا»: مجزرة بحق الإنسانية
وفاء بهاني
شذاذ من كلّ الآفاق التمّ شملهم وجمعهم على الباطل والإرهاب والإجرام، أقاموا كيانهم على رفات الأطفال وعظامهم، وهم ألدّ المخلوقات عداء للإنسانية.
الكيان الصهيوني ومعه الولايات المتحدة، ومعهما عدد كبير من دول الغرب، ينشرون الأكاذيب، على مدار الحرب المستمرة، حتى بعد كشف حقيقتها وإثبات عدم صدقها.
يطبّقون الأمر نفسه على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، لم يكن ضيق الكيان الصهيوني على الوكالة ناتجاً عن أداء دورها في توفير الخدمات الحياتية والصحية للفلسطينيين اللاجئين، بل كان بسبب خصوصيتها السياسية، على الرغم من أنّ الأونروا فقدت الكثير من استقلاليتها بعد اتفاقيات أوسلو وأصبحت أكثر تبعية للرقابة الأميركية، إلا أنّ الكيان الصهيوني لم يكن راضياً عنها، ويعود السبب الرئيسي لعدم الرضا إلى طبيعة تأسيس الوكالة، حيث تختلف عن جميع الوكالات الأخرى التابعة للأمم المتحدة بتخصّصها في رعاية اللاجئين الفلسطينيين.
في كلّ مرة يظهر فيها تقدّم نحو تسوية سياسية، تعود الأونروا لتكون في مركز الاهتمام، سواء بشكل سلبي أو إيجابي، في فترات التوتر الأمني في غزة، تم التحدث عن الوكالة وكأنها الحكومة التي تدير شؤون الفلسطينيين في القطاع، لقد قُلّل من الأونروا مهام تجاوزت تقديم المساعدات وتشغيل اللاجئين، وكان الكيان الصهيوني يوجه اتهامات كاذبة إليها في معظم الحروب في غزة، ومع ذلك، في الحرب الأخيرة في غزة، تجاوزت الأكاذيب كلّ الحدود، حيث تعرّضت مدارس وعيادات الوكالة ومنشآتها للتدمير ضمن خطة لتدمير سبل الحياة في القطاع.
أحد الأمثلة المثيرة للاهتمام هو توزيع الكيان الصهيوني صورة لقطعة سلاح موضوعة في كيس طحين فارغ، والتي كانت تُوزّعها الوكالة، وبالنظر إلى أنّ ثلثي سكان غزة هم من اللاجئين ويعتمدون بشكل كبير على المساعدات الغذائية من الأونروا، فإنّ استخدام طحين فارغ كمزيّف يثير تساؤلات حول دور الأمم المتحدة في تسهيل «الإرهابيين» ومشاركتها في 7 أكتوبر.
عندما اتهم الكيان الصهيوني الأونروا، ردت العديد من الدول، خصوصاً التي كانت تقدّم المساعدات المالية للوكالة، بتعليق تقديمها للمساعدات، جاء هذا القرار في ظلّ تقارير عن مجاعة في شمال القطاع وشبه مجاعة في جنوبه، مما يزيد من الوضع الإنساني المأساوي في القطاع.
قامت «نيويورك تايمز» بالتحقيق في هذه الأحداث وكشفت عن التسلسل الزمني للأحداث، في 18 يناير/ كانون الثاني، التقى المدير العام للأونروا بدبلوماسي صهيوني وكشف له عن تورّط موظفين من الوكالة في الهجوم، بعد أسبوع من ذلك، تمّ نقل المعلومات إلى الأمم المتحدة والولايات المتحدة، وتعليق تمويل العديد من الدول للوكالة.
تمّ تعليق عمل 9 من 12 موظفاً بعد وفاة اثنين آخرين، وأدى هذا الإعلان إلى تعليق المزيد من الأموال من دول العالم، وفي أعقاب التطورات الأخيرة، استغلّ النظام السياسي هذه الأحداث، في حين لا يزال الجيش الصهيوني يناقش إمكانية استفادته من المعلومات في العمليات في قطاع غزة، داخل الجهاز العسكري، تتباين وجهات النظر بين القادة والضباط حول جدوى إغلاق الأونروا لصالح الكيان الصهيوني هذا ما أوضحه منسق أعمال الجيش في المناطق المحتلة، الجنرال غسان عليان، لمسؤولين أميركيين، حيث أكد أنه في الوقت الحالي، لا يوجد بديل عن عمل وكالة الغوث (الأونروا) في غزة.
وفقاً لما نشرته صحيفة «إسرائيل اليوم»، فإنّ عليان شرح للمسؤولين الأميركيين أنّ موقف «إسرائيل» يشير إلى ضرورة استبدال الأونروا وتطبيق خطة سريعة لإدخال منظمات إغاثة بديلة إلى القطاع، وأشار إلى العلاقات الوثيقة للوكالة مع حماس، ومشاركة العديد من موظفيها في أحداث 7 أكتوبر.
وأكد عليان أنه من الممكن العثور على منظمات إغاثة بديلة، بما في ذلك منظمات من الأمم المتحدة، لكنه أشار إلى أنه في الوقت الراهن، لا يوجد جهة أخرى قادرة على توزيع المساعدات الإنسانية في غزة، وبالتالي، فإنه لا مفرّ من الاستمرار في التعاون مع الوكالة في هذه اللحظة. ويشير إلى أنه تمّ تقديم تصريحات مشابهة من قبل مسؤولين كبار في مكتب منسق الأعمال خلال فترة الحرب.
وفي ضوء هذا الموقف، علمت «إسرائيل اليوم» أنّ رئيس أركان الجيش الصهيوني، هرتسي هاليفي، تلقى توجيهات من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، لتطوير بديل للأونروا، وجاءت هذه التوجيهات خلال جلسة لمجلس الوزراء الأخيرة، وتمّ تكليف قيادة المنطقة الجنوبية بتنفيذ هذه الخطة، ورغم ذلك، لم يتمّ تحديد جدول زمني محدد لتنفيذ القرار. ويتمّ حالياً إجراء دراسات لتطوير بدائل للوكالة الإنسانية.
ومع ذلك، تشير مصادر في جهاز الأمن والساحة السياسية في الكيان الصهيوني إلى اتفاق واسع النطاق على أنّ الأونروا لا تستطيع الاستمرار في عملها في غزة، ومع ذلك، تحذر مصادر مهنية من أنّ إيقاف التمويل للوكالة قد يؤدي إلى أزمة إنسانية في غزة، حيث لا يوجد من يوزع المساعدات.
من المتوقع أن يكون موقف الولايات المتحدة حاسماً في ما يتعلق بشكل إدخال المساعدات إلى غزة، ومن المحتمل أن يتبنّى الكيان الصهيوني موقفاً يتماشى مع ذلك، على الرغم من أنّ إدارة ترامب اعتنقت موقفاً يؤيد شطب الأونروا، فإنّ إدارة بايدن لم تتخذ موقفاً رسمياً حتى الآن، وتشير الدول الأوروبية إلى أنه لا يوجد بديل للأونروا حتى يتمّ التوصل إلى تسوية سياسية للقضية الفلسطينية.