هل قرّرت واشنطن الرحيل من العراق؟
ناصر قنديل
– كان يمكن للغارات الأميركية التي استهدفت مواقع الحشد الشعبي على الحدود العراقية السورية أن تكون رداً موازياً لعملية البرج 22 التي سقط فيها ثلاثة قتلى من الجنود الأميركيين، وقد سقط في الغارات العشرات من الشهداء والجرحى من مقاتلي التشكيلات المقاومة المنضوية في الحشد الشعبي العراقي، لكن العملية التي استهدفت قادة كتائب حزب الله العراق تقول إن واشنطن تفتح حرباً أمنية مع قوى المقاومة العراقية سوف تستدرج ردوداً عسكرية وسياسية، لن ينتج عنها سوى حصيلة واحدة، هي رفع منسوب المطالبة برحيل القوات الأميركية من جهة، ورفع كلفة بقاء القوات الأميركية في العراق من جهة مقابلة.
– السؤال هو هل قررت واشنطن الانخراط في حرب مفتوحة مع قوى المقاومة في العراق، وما يستدعي ذلك من تعزيز القوات الأميركية بآلاف الجنود والضباط، وما يفرضه من إدارة الظهر لكل المطالبات السياسية البرلمانية والحكومية بالانسحاب والتصرّف كقوة احتلال؟ ومثل هذا القرار يعني التورط في حرب استنزاف لا تكسب منها واشنطن شيئاً، لأن كلفتها مزيد من النزيف في صفوف قواتها، دون التمكن من السيطرة على الوضع، الذي يبدو بوضوح أنه في غير صالحها. وقد سقطت ذرائع ومبررات بقاء القوات الأميركية كقوة دعم للعراقيين بوجه خطر تنظيم داعش، طالما أن حربها تتخذ من الحشد الشعبي عدواً رئيسياً، والحشد هو القوة المحورية في هزيمة داعش.
– عملياً ستجد القوات الأميركية كلما تصاعدت هذه الحرب أنها عاجزة عن الاحتماء في قواعد داخل المناطق التي تدين بالولاء للحشد الشعبي، والتي يمكن للمقاومة أن تحظى فيها بتسهيلات شعبية. وهذا يعني ان القوات الأميركية اذا أرادت حرباً مع الحشد الشعبي وقوى المقاومة، وعلى قاعدة اللامبالاة بمواقف الكتل النيابية والحكومة، فإن عليها ان تنزح بقواتها نحو المناطق الكردية، حيث لديها حلفاء يوفرون لها التغطية، وحيث بيئة شعبية يمكن الاطمئنان للتحرك فيها، لكن هذا سوف يجعل المناطق الكردية ساحة حرب، تتساقط فيها الصواريخ والطائرات المسيّرة، حيثما كانت هناك شكوك بوجود قوات أميركية. وهذا يعني أن على الأميركيين الاستعداد لحشد عشرات آلاف الجنود وربما أكثر لغزو العراق مرة أخرى، واحتلاله بالقوة، لأن المناطق الكردية لن تتحمّل التحول الى ساحة حرب استنزاف مكلفة الا اذا كان لدى الأميركيين خطة حسم عسكري للحرب. وهذا ما يعلم الأميركيون أنه يعني حرباً مع قوى محور المقاومة واستطراداً مع إيران، فهل قرروا الحرب مع إيران؟
– كل شيء يقول إن ليس لدى الأميركيين هذه التوجّهات، وإن الساحة الأميركية الداخلية المثخنة بتبعات حرب «إسرائيل» وحرب أوكرانيا، ليست جاهزة لقرار المخاطرة بحرب بحجم الحرب مع قوى المقاومة ومحورها وصولاً الى إيران، وان كلفة هذه الحرب على المصالح الأميركية والوجود الأميركي من قواعد وأساطيل، في المنطقة، أعلى بكثير من أي عائدات مرتقبة، وأن أميركا التي رأت بأمّ العين كيف استطاعت المقاومة في غزة خلال أربعة شهور متتالية الصمود في حرب خاضتها وحدات تشبه القوات الأميركية، وعتادها أعلى مراتب التطور في الترسانة الأميركية، تدرك أن ما ينتظرها في أي حرب مقبلة هو أضعاف أضعاف ما شهده جيش الاحتلال في غزة، وان الخلل الجوهري الذي يجعل قوى المقاومة متفوقة غير قابل للإصلاح، وهو يتصل بالروح القتالية لقوى المقاومة.
– التصعيد الأميركي الدموي له تفسير واحد، هو أن واشنطن حسمت أمر الرحيل من العراق، ولذلك لا يقلقها أن ينتج عن عملياتها المزيد من المطالبات بإنهاء وجودها في العراق، ولا يقلقها تبلور رأي عام سياسي وشعبي معادٍ لبقائها، وأن ما يعنيها هو أن ترحل وهي تطلق النار، وتقول إنها قوة عظمى تستطيع الانتقام لدماء جنودها.
– العراق على موعد مع أيام ساخنة، نهايتها رحيل القوات الأميركيّة.