ماذا لو تحالف الملك فيصل مع محور المقاومة؟
د. معن الجربا
إنّ لمن محاسن الأقدار ان تزامن حينها وجود زعيمين عظيمين بحجم القائد الخالد (جمال عبد الناصر) والملك الشهيد (فيصل بن عبد العزيز) في مرحلة حساسة وهامة واحدة، فقد حقق وجودهما في تلك الفترة ثورة كبرى لم تكن مسبوقة، كادت ان تنتصر وتنهي النفوذ الغربي والأميركي في منطقتنا العربية والإسلامية بشكل كامل. ففي الوقت الذي كان فيه الشاه يصادر إرادة الشعب الإيراني الحر، وكان الأتاتوركيون يصادرون إرادة الشعب التركي المسلم ويدفعون بهم جميعاً للخضوع لـ «إسرائيل» والعالم الغربي، كانت المنطقة العربية تخوض ثورات حقيقية ضدّ الهيمنة الغربية لتحرير كامل الأرض الفلسطينية بقيادة الرئيس عبد الناصر والملك فيصل، ولكن من المؤسف والمحزن انّ هذين الزعيمين لم يكونا على توافق وانسجام تامّ، مما أضاع على الأمة فرصاً عظيمة كانت لتغيّر وجه المنطقة بل والعالم لو أنهما اتحدا في خندق واحد. الأمر الذي أتاح للغرب بعد ذلك الاستفراد بهما واحداً تلو الآخر، فقتل الأول مسموماً بحادثة غامضة لم تعرف ملابساتها الى يومنا هذا، وقتل الثاني على يد رجل من أسرته.
وبغياب هذين الزعيمين العظيمين عن الساحة انفرط عقد الأمة العربية ومُنيت الأمة الإسلامية بنكسة كبيرة، حتى أصبحت «الأعلام الإسرائيلية» ترفرف في كبرى العواصم العربية والإسلامية، وانقلبت الأوضاع في مصر (جمال عبد الناصر) رأساً على عقب بمعاهدة سلام (كامب ديفيد) غير المبرّرة بالمرة مع ما حققه العرب من نصر في أكتوبر المجيد، أما السعودية فقد آثرت السلامة ومهادنة أميركا بعد استشهاد الملك فيصل، ومن هنا انكفأت القيادات وكلّ مراكز القوى المؤثرة في العالم العربي والإسلامي على نفسها في مصر والسعودية وإيران وتركيا.
لقد كان عام 1978 كارثة حقيقية على الأمة بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى وذلك بخروج آخر معقل مقاوم ومؤثر في العالم العربي والإسلامي وهو (جمهورية مصر العربية) عن دائرة الصراع مع الصهاينة، وكادت الأمة ان ترفع راية الاستسلام التام وتعلن الخضوع النهائي لأميركا والغرب، لولا أنّ قيَّض الله لهذه الأمة شخصية فذة (الإمام الخميني) كأنها بعثت من السماء بمعجزة إلهية لتعيد إحياء ضمائرنا وعزتنا من جديد.
وما أن انطلقت الثورة الإسلامية الإيرانية، حتى استعادت الحركات الثورية في العالم العربي والاسلامي ألقها من جديد وصوّبت بوصلتها باتجاه نصرة القضية الفلسطينية بشكل لا يكاد يصدق وبوتيرة تراكمية لا تكاد تهدأ وتوالت الانتصارات عاماً بعد عام وسنة بعد سنة، حتى رأينا تحرير الأراضي اللبنانية دون قيد او شرط أو معاهدة سلام ودون خضوع أو تنازلات، على أيدي أبطال حزب الله والمقاومة اللبنانية، وانبثقت المقاومة الإسلامية الفلسطينية وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي وغيرها بنحو أشبه بخلايا النحل التي لا تكلّ ولا تملّ حتى تحررت غزة أيضاً دون قيد او شرط ودون اتفاقيات سلام وإذلال، ثم رأينا انطلاق الحشد الشعبي في العراق الذي أذلّ أميركا وقضى على مخططاتها الشيطانية لتقسيم العراق والمنطقة، كما رأينا صمود سورية وهزيمة أميركا هناك والقضاء على مخطط تقسيمها، ثم رأينا كسر هيبة أميركا في اليمن بمعركة ذات الصواري الجديدة. كلّ هذا ما كان ليحدث أو ليتحقق لولا فضل الله ثم اتحاد العرب والثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني سابقا والإمام الخامنئي اليوم في خندق واحد.
إنّ الهدف المشترك للزعيم الخالد عبد الناصر والملك القائد فيصل، لتحرير فلسطين تمثله اليوم من دون شك وتضطلع به الجمهورية الإسلامية بقيادة الإمام الخامنئي، وأنّ شجاعة الملك فيصل في مواجهة وتحدي أميركا تمثلة المواقف الجديدة في المملكة العربية السعودية والتي فاجأت الجميع منذ عام بتحدّ خطير لأميركا متمثلاً ذلك بالتقارب مع إيران وسورية واليمن ودول محور المقاومة، هذا التحوّل جعل من السعودية أملاً جديداً في قلوب الشعوب العربية والإسلامية نحو الاتحاد في مواجهة الغرب والكيان الصهيوني.
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن ماذا لو استفدنا من أخطاء الماضي واتحد جمال عبد الناصر ممثلاً اليوم بالجمهورية الإسلامية الإيرانية ودول محور المقاومة من جهة والمواقف الجديدة التي تحوّلت إليها السعودية من جهة أخرى؟ اعتقد أنّ هذا الاتحاد من شأنه أن يخلق المعجزات التي لم تخطر على بال أحد.
شخصياً لا أعرف كيف سوف تتمكّن السعودية من مواجهة هذه المخاطر بتحدّيها لأميركا والغرب، ولا أعرف هل سوف تستمرّ بهذا الاتجاه أم لا، ولكن كلنا أمل ان تستمرّ السعودية على طريق ودرب الملك الشهيد فيصل…
خلاصة ما نقوله أننا كأمة عربية إسلامية خضنا خلال قرن مضى ملحمة حقيقية سيذكرها التاريخ، غذيناها بدماء الشهداء الزكية والتضحيات اللا محدودة نحو إعادة تكوين هيبتنا ووحدتنا وحماية حقوقنا ومقدساتنا بعد الحرب العالمية الأولى واتفاقية سايكس بيكو، ونحن اليوم أقرب ما نكون لحصد ثمار الزرع الذي زرعناه، فهل من حكمة وإخلاص بين قيادات الأمة من أجل ان لا يضيع كلّ شيء لا سمح الله!؟