أهالي الجولان السوري المحتلّ… دفاع عن الهوية والقومية / تنسيق بين القيادة السورية وأهالي الجولان… نكسة المشروع الصهيوني
صادق أحمد القضماني*
هضبة الجولان السورية، تقع بين نهر اليرموك من الجنوب وجبل الشيخ من الشمال، تابعة إدارياً لمحافظة القنيطرة، وهي جزء من الدولة السورية بمساحة، 1860 كم مربع، بلغ عدد قرى الجولان 164 قرية و 146 مزرعة، ووقع تحت الاحتلال 137 قرية و 112 مزرعة، إضافة لمدينة القنيطرة المحررة عام 1973.
بعد سيطرة الاحتلال على المناطق المحتلة، دمّر 131 قرية، و112 مزرعة، ومدينتين، أي أن العدو الإسرائيلي احتلّ نحو ثلثي مساحة هضبة الجولان إبان حرب 1967، بقيت ستّ قرى بسكانها تحت نير الاحتلال هي (مجدل شمس، مسعدة، بقعاثا، عين قنية، الغجر، سحيتا)، ليهُجَّرَ أهالي سحيتا في ما بعد، وليتمّ تدميرها. هذا ويذكر أنّ عدد سكان هذه القرى في تلك الفترة 1967 قُدِّرَ بنحو ثمانية آلاف نسمة، فيما تجاوز عددهم الـ 24 ألف نسمة في العام 2022، كما يقدّر عدد سكان الجولان قبل الاحتلال بنحو 154 ألف نسمة، نزح غالبيتهم من أثر العدوان والتهجير، وبلغ عددهم في العام 2022 نحو 800 ألف نسمة موزعين في المدن السورية.
67 – 82… نكسة الصهاينة
في محطتنا هذه سنسلّط الضوء على أهمّ الأحداث التي خاضها أبناء الجولان المحتل في الـ 15 عاماً الأولى على احتلال أرضهم، أيّ منذ عام 1967 وحتى العام 1982، التي تعتبر فترة فاصلة وأساسية بزرع الطريق بثوابت وطنية لا يمكن لأحد تخطيها الذي افتتح فيه الجولانيون نضالهم بعد هزيمة حرب حزيران عام 1967 المدعوة بـ «نكسة حزيران»، والتي هزم فيها الكيان الاحتلال دولاً عربية، واحتلّ من جديد أراضي مسكونة، وهجّر غالبية أهلها.
إلا أنّ النكسة الحقيقة هي إفشال مشاريع الاحتلال في الجولان من قبل أبنائه وحكومتهم السورية، فمع فشل مشاريع (الأسرلة، والدولة الدرزية، وفرض المواطنة «الهوية» الإسرائيلية، والتجنيد العسكري الإجباري، وقرار مجلس الأمن 479 الذي اعتبر «قانون ضم الجولان لدولة الاحتلال لاغياً وباطلاً»)، مع كلّ هذا الفشل، فإنّ النكسة هي للاحتلال وليس العكس، خاصة أنّ العمود الفقري لتكريس فشل المحتلّ بعده وعتاده، هم ثمانية آلاف عربي سوري جولاني في العام 1967، غدوا ثلاثة عشر ألفا في العام 1982، أفشلوا مخططات الكيان الغاصب ووأدوها حتى يومنا هذا – وإلى الأبد – عدّتهم وعتادهم الإيمان بعروبة أرض الجولان وبالوطن سورية.
«الأسرلة»…!
احتلَّ جيش العدو هضبة الجولان بين 5 و 10 من حزيران 1967، لتلغي بدورها سلطات الاحتلال بعد أشهر قليلة المنهاج الدراسي السوري، وتستبدله قسراً بمنهاج إسرائيلي، كجزء من تنفيذ مشروع القبول بالأمر الواقع على أهالي الجولان المحتلّ، ظناً من المحتلّ بأنّ الأهالي سيستسلمون وينخرطون بالمشروع المُعدّ لهم وهو «أسرلتهم»، بغية استثمارهم في تنفيذ مخططاتهم الاستراتيجية، والتي من ضمنها تقسيم المنطقة لدويلات طائفية تضمن أمنهم.
ويذكر هنا.. أنه منذ الأيام الأولى للاحتلال، اجتاز عدد من أبناء الجولان المحتل خط وقف إطلاق النار، متوجهين إلى دمشق التي تبعد 64 كم عن مجدل شمس، ليلتقوا بالقيادات الأمنية والعسكرية بهدف التنسيق والتخطيط لطريق النضال ومقاومة الاحتلال، ليتشكل بعد أشهر قليلة تنظيم حمل اسم «جبهة تحرير القنيطرة»، بإشراف مباشر من وزير الدفاع السوري حينئذ الخالد الذكر الرئيس الراحل حافظ الأسد، وليعقبها تشكيل أكثر من تنظيم سري بالتنسيق مع قيادات الوطن السوري، بهدف المقاومة العسكرية، والرصد الأمني ضد المحتل، وتنظيم المواجهة السياسية لاحقاً، حيث حملت هذه المقاومة السرية أثراً عميقاً في حرب تشرين التحريرية، إذ استطاعت خلايا المقاومة رصد نشاطات جيش العدو، وزوّدت القيادة السورية بمعلومات مهمة أثناء الإعداد لحرب التحرير.
الدولة الدرزية…
رغم أنّ وجهاء الجولان من رجال دين وسياسيين ومثقفين، خلعوا ثوب العصبية الحزبية والعقائدية، وارتدوا ثوب الوحدة الوطنية منذ الأيام الأولى للاحتلال، معلنين عبر السلوك والتصرفات، أنّ الواجب الوطني والقومي، هو المحرك الأساس لاستنباط واستنهاض القدرات بوجه عدو غاشم، وليس أي واجب آخر مبني على ارتداء العباءات وما شابه.
رغم ذلك، فقد عاود العدو محاولة إحياء أحد مشاريعه السرية السابقة، وهي إنشاء دولة درزية على (أرض الجولان وجنوب لبنان في منطقة الليطاني وفي جزء من الجليل الفلسطينية)، وهو ما طالب به علناً (تنفيذ المشروع القديم «إقامة الدولة الدرزية») في 24/10/1967 أحد أعضاء الكنيست الصهيوني جبر معدي المنتمي لأحد الأحزاب الصهيونية.
هذا وقد كان مخطط هذا المشروع: استثمار الواقع الذي تمر فيه سورية على أثر الانقلابات العسكرية والخلافات السياسية العميقة لتحريض جبل العرب – ذي الغالبية الدرزية – والذي يبعد 40 كم عن الجولان المحتل، ويهدف المشروع المبني على الفتنة إلى الحث على التمرد ضد الحكومة السورية، لتؤول الصراعات وتغدو إمكانية البحث عن إقامة دويلات طائفية احتمالاً ممكناً، ولتكون مبرّراً لدويلات أخرى تصنع لـ «إسرائيل» الغاصبة حزام أمن لها، وتبرّر لـ «إسرائيل» اليهودية وجودها بجانب دويلات قوامها الطابع الديني والطائفي.
والجدير ذكره هنا سرد مختصر لحقيقة أنّ جزءاً من وجهاء الجولان وعلى رأسهم الشيخ كمال كنج أبو صالح، والضابط السوري نزيه أبو صالح، وبعض من الشخصيات الوطنية اللبنانية من أبناء طائفة الموحدين الدروز، وبالتنسيق مع القيادة السورية، كانوا قد أفشلوا هذا المشروع إلى الأبد.
وداع جمال عبد الناصر
في عام 1970 خرج أهالي الجولان لوداع الزعيم العربي جمال عبد الناصر بعد وفاته، لتتفاجأ مجدّداً سلطات العدو بعمق الانتماء العربي لأبناء الجولان ومجاهرتهم بذلك، حيث خرج الأهالي بمظاهرة شعبية حاشدة كانت الحدث العلني الجمعي الأول كتعبير عن ذهنية السكان ونفسيتهم المقاومة، لتمارس بدورها سلطات الاحتلال كافة أشكال القمع لتفريق المتظاهرين واعتقال الناشطين وفرض عقوبات شديدة بهدف الردع.
إنه عدو لا يفقه معنى الانتماء وخاصة لمن تعدّ جذورهم ضاربة في عمق التاريخ وشارك أجدادهم في مقاومة الاستعمار العثماني، وارتقى 138 شهيداً من منطقتهم أثناء مشاركتهم في ثورة سورية ضدّ المستعمر الفرنسي بقيادة الخالد الذكر سلطان باشا الأطرش، ولا يخافون الموت أمام الحق ومن أجل الكرامة الوطنية.
استقرّت الجمهورية العربية السورية بعد الحركة التصحيحية وترأس الرئيس حافظ الأسد رئاسة الدولة، لتنعكس بالإيجاب على معنويات أهالي الأرض المحتلة، وتزيدهم عزيمة للقيام بواجبهم الوطني. وكان هذا بادياً في الردّ على مشروع وزير الحرب الصهيوني موشي ديان، الذي طرحه في الأول من نيسان 1972 إثر توجهه إلى قرية مجدل شمس مع تعزيزات عسكرية بغية إجراء لقاءات قسرية مع عدد من وجهاء وشيوخ المنطقة، بدواعي الإبلاغ عن قرار دولته المزعومة بفرض الهوية الإسرائيلية على الأهالي.
عرض مقتطف…
موشي ديان: أنتم تملكون السيارات والعمارات، فلماذا ترفضون دفع ضريبة الدخل؟ إننا نريدكم أن تدفعوا
الشيخ المرحوم محمود الصفدي أبو عدنان: نحن عرب سوريون، فبأيّ حق ندفع لكم؟
ديان: ماذا تعني «سوريون»؟ مستعدون لتسليمكم الهوية الإسرائيلية خلال 24 ساعة،
الشيخ أبو عدنان: لكننا غير مستعدّين بأيّ شكل من الأشكال للتنازل عن هويتنا العربية السورية،
ثم يضيف الشيخ محمود ملي: صحيح أنكم انتصرتم في حزيران، لكنكم لم تكسبوا تأييد الجمهور ولن تكسبوه.
ليشهد العام الذي يليه، وتحديداً في 2/7/1973 اعتقال عدد كبير من مواطني الجولان بتهمة المقاومة (الرصد والعمل الاستخباري لصالح الجيش العربي السوري)، وأصدرت بحق بعضهم أحكاماً بالسجن وصلت إلى 30 عاماً.
تشرين التحرير…
كان لحرب تشرين التحريرية 6/10/1973 التي سطر فيها الجيش العربي السوري أروع البطولات أثر عميق في ذهنية أهالي الجولان وتعزيز صمودهم، علاوة على أنها نزعت عن الجيش الصهيوني ثوب المنتصر وبدعة كونه الجيش الذي لا يُقهر، إذ طالب حينها بدعم جوي من بريطانيا وفرنسا ومن الولايات المتحدة الأميركية لتعزيز قدراته ودعمه في إعادة تموضعه في الجولان، كما استطاعت زرع الخوف والقلق الحقيقيين في ذهن أفراد وضباط وقادة جيش العدو، وأكدت عزم القيادة السورية نيتها العملانية على استرجاع الأرض المحتلة، وهذا ما يعترف به الصهاينة أنفسهم في كتبهم عن حرب تشرين، إضافة إلى أنها وَأَدَتْ مشروع الكيان اليهودي بإقامة دولة درزية على أرض الجولان، ناهيك عن كونها أخرست كل أبواق الطابور الخامس الذين نشطوا لبث الإشاعات، من مثيل (الجولان المتروك – الجولان المباع إلخ…)، ليكون شعار وخطاب سورية ممثلة برئيسها، سنجعل الجولان في وسط سورية.
«الأسرلة»… مجدداً
ليأتي العام 1974، ويشهد محاولة جديدة من قادة الاحتلال بإضفاء شرعية مؤسساتهم على أهالي الجولان، إذ طالبوا بإجراء انتخابات محلية للشروع في تنفيذ مهماتها الخدماتية حسب زعمهم، والهدف من هذا كله هو شرعنة الاحتلال بقبول أهالي الجولان بذلك، لتتصدى الحركة الوطنية مجددا لذلك، حيث أعلنت رفضها إجراء انتخابات تحت أي ذريعة، وأن المواطنين الرازحين تحت الاحتلال لن يمارسوا انتخابات كهذه، تمنح الشرعية للاحتلال، وبالتالي فإن المؤسسات المنشأة من حكومة الاحتلال لا تمثل أبناء الجولان المحتل بأي شكل من الأشكال، كما أن التعامل معها حتى ولو بالمنطق الخدماتي يأتي في ظل الفرض القسري لسكان محتلين.
كما شهدت الحقبة في منتصف السبعينات ارتقاء الشهيدين (عزت أبو جبل ونزيه أو زيد)، ليزداد تحدي أهالي الجولان لدموية وبطش العدو بالاحتفال بذكرى الجلاء، ورفع الأعلام السورية فوق أسطح المنازل، ولتنحو مظاهر النشاط والنضال السياسي منحاها العلني الجماهيري، ولتشنّ حكومة الاحتلال بدورها حملة اعتقالات، بغية ردع هذا النضال، مصدرة مذكرة اعتقال بحق 26 شاباً بتهمة التحريض على أمن دولة الاحتلال، وحاكمتهم تعسفياً بين ستة أشهر والسنة.
مواجهة الضمّ والهوية
وفي أواخر السبعينات، استطاع رجال الحركة الوطنية في الجولان الوصول إلى معلومات تفيد بأنّ سلطات الاحتلال ستشرع في إصدار قرار بضمّ الجولان بـ «صفة قانونية» إلى الكيان وفرض الهوية الإسرائيلية على المواطنين السوريين من أبناء الجولان المحتل، وهذا يسجل للحركة الوطنية في الجولان، بكونها لم تكن فقط تواجه مشاريع ومخططات العدو الصهيوني، بل وتقوم بالمتابعة والرصد بشتى الوسائل المتاحة ووفق الإمكانيات التي تملكها، لتستبق أيّ مخطط للاحتلال وتقوم بوضع الأسس الممكنة لإفشاله، وعليه فقد قامت الحركة الوطنية في 16/1/1979 بعقد اجتماع جماهيري في قرية مجدل شمس لتصعيد الرد على هذا القرار قبل الشروع به.
ليخرج الاجتماع بالتنبيه والتحذير من خطورة الخطوات التي يريد الاحتلال تنفيذها، وأرسلت برقيات احتجاجية إلى المؤسسات الدولية الإنسانية، وأخرى إلى حكومة الاحتلال ذاته، تؤكد الرفض القاطع لهذا المخطط، والتحذير من المساس بالانتماء الوطني للمواطنين في الجولان، الذين يعتبرون أن الاحتلال باطل، ولا يمكن فرض سيادته على أهالي الجولان، إضافة إلى أن المجتمعين وقعوا على مذكرة ضمّت 1200 توقيع رافض ومحذر من عواقب استعمال القوة، وأن أهالي الجولان لن يقفوا مكتوفي الأيدي، ورافق ذلك استمرار تصعيد النضال السياسي الجماهيري بإحياء ذكرى الجلاء من جديد عام 1979، وأرسلوا بياناً حمل تحية للوطن جاء فيه: «من كلّ بيت عامر أو مهجور، من كلّ صخرة وحجر وذرة تراب، من كلّ حي وجماد، من ديرتنا الحزينة والمكلومة المفجوعة على فراق الوطن الحبيب، مع كل نسمة هواء ومع نجوم السماء، مع الطيور المتجهة نحوك يا سورية الحبيبة، نبعث تحية الصمود والإباء بمناسبة عيد الجلاء».
ومن ثم في 28/11/1980 عقد رجال الدين في الجولان اجتماعاً ضم الهيئات الروحية أعلنوا فيه «أن كل من يحمل الهوية الإسرائيلية يُعتبر كافراً بدينه، وخارجاً على تقاليد طائفة الموحدين الدروز العربية الكريمة، وأنه سيتعرّض للمقاطعة في كافة المناسبات والطقوس الدينية والاجتماعية».
وقدمت بدورها الدولة السورية بقيادة الرئيس حافظ الأسد بتاريخ 26/2/1981 شكوى إلى الهيئة العامة للأمم المتحدة، ضد تغيير الطابع السكاني في أرض الجولان المحتلة، وضدّ إلزام سكان عرب سوريين على استلام الهوية الإسرائيلية بفعل الاحتلال.
وبعد نحو شهر على تقديم هذه الشكوى الرسمية من قبل سورية، قامت الحركة الوطنية في الجولان وكفعل استباقي بـ (إصدار الوثيقة الوطنية لسكان الجولان المحتل موقعة من وجهاء القرى المحتلة بتاريخ 25/3/1981)، ولتصبح بمثابة دستور وطني ملزم للجميع.
*****
الوثيقة الوطنية للمواطنين السوريين في مرتفعات الجولان السوري المحتل
نحن المواطنين السوريين في المرتفعات السورية المحتلة، نرى لزاما علينا أن نعلن لكافة الجهات الرسمية والشعبية في العالم أجمع، ولمنظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها، وللرأي العام العالمي، وكذلك الإسرائيلي، ومن أجل الحقيقة والتاريخ، بصراحة ووضوح تامّين، عن حقيقة موقفنا من الاحتلال الإسرائيلي ودأبه المستمر على اقتلاع شخصيتنا الوطنية، ومحاولة ضم الهضبة السورية المحتلة حيناً، وتطبيق القانون الإسرائيلي علينا حيناً آخر، وجرّنا بطرق مختلفة للاندماج بالكيان الإسرائيلي والانصهار في بوتقته، ولتجريدنا من جنسيتنا العربية السورية التي نعتز ونتشرف بالانتساب إليها، ولا نريد عنها بديلاً، والتي ورثناها عن أجدادنا الكرام الذين تحدّرنا من أصلابهم وأخذنا عنهم لغتنا العربية التي نتكلمها بكلّ فخر واعتزاز، وليس لنا لغة قومية سواها، وأخذنا عنهم أراضينا العزيزة على قلوبنا وورثناها أباً عن جدّ منذ وجد الإنسان العربي في هذه البلاد قبل آلاف السنين، أراضينا المجبولة بعرقنا وبدماء أهلنا وأسلافنا، حيث لم يقصّروا يوماً في الذوْد عنها وتحريرها من كل الغزاة والغاصبين على مر التاريخ، والتي نقطع العهد على أنفسنا أن نبقى ما حيينا أوفياء ومخلصين لما خلفوه لنا منها، وألا نفرط منها بشيء منه مهما طال زمن الاحتلال الإسرائيلي، ومهما قويت الضغوط علينا من السلطة المحتلة لإكراهنا أو إغرائنا لسلب جنسيتنا، ولو كلفنا ذلك أغلى التضحيات، وهذا موقف من البديهي والطبيعي جداً أن نقف موقف كلّ شعب يتعرّض كله أو جزء منه للاحتلال، وانطلاقاً من شعورنا بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقنا تجاه أنفسنا وأبنائنا وأجيالنا القادمة أصدرنا هذه الوثيقة:
1- هضبة الجولان المحتلة هي جزء لا يتجزأ من سورية العربية.
2 – الجنسية العربية السورية صفة حقيقية ملازمة لنا لا تزول وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء.
3- أراضينا هي ملكية مقدسة لأبناء مجتمعنا السوريين المحتلين، وكل مواطن تسوّل له نفسه أن يبيع أو يتنازل أو يتخلى عن شبر منها للمحتلين الإسرائيليين يقترف جريمة كبرى بحق مجتمعنا وخيانة وطنية لا تغتفر.
4- لا نعترف بأيّ قرار تصدره إسرائيل من أجل ضمنا للكيان الإسرائيلي ونرفض رفضاً قاطعاً قرارات الحكومة الإسرائيلية الهادفة إلى سلبنا شخصيتنا العربية السورية.
5- لا نعترف بشرعية المجالس المحلية والمذهبية، لكونها عُيّنت من قبل الحاكم العسكري الإسرائيلي وتتلقى تعليماتها منه، ورؤساء وأعضاء هذه المجالس لا يمثلوننا بأيّ حال من الأحوال.
6 – إنّ الأشخاص الرافضين للاحتلال من خلال مواقفهم الملموسة والذين هم من كافة قطاعاتنا الاجتماعية، هم الجديرون والمؤهّلون للإفصاح عما يختلج في ضمائر ونفوس أبناء مجتمعهم.
7 – كل مواطن من هضبة الجولان السورية المحتلة، تسوّل له نفسه استبدال جنسيته بالجنسية الإسرائيلية يسيء إلى كرامتنا العامة وإلى شرفنا الوطني وإلى انتمائنا القومي وديننا وتقاليدنا ويعتبر خائنا لبلادنا.
8 – قرّرنا قراراً لا رجعة فيه، وهو كل من يتجنس بالجنسية الإسرائيلية، أو يخرج عن مضمون هذه الوثيقة، يكون منبوذاً ومطروداً من ديننا، ومن نسيجنا الاجتماعي، ويحرم التعامل معه، أو مشاركته أفراحه وأتراحه، أو التزاوج معه، إلى أن يقر بذنبه ويرجع عن خطئه، ويطلب السماح من مجتمعه ويستعيد اعتباره وجنسيته الحقيقة.
لقد اعتمدنا هذه الوثيقة مستمدين العزم من تراثنا الروحي والقومي والإنساني الأصيل، الذي يحضنا على حفظ الأخوان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والوفاء العميق للوطن.
25/3/1981
جماهير الجولان السوري المحتل
*****
تنفيذ المخطط
شرعت حكومة الاحتلال بعد ذلك بأشهر قليلة، وتحديداً في الأول من حزيران عام 1981 بالتصعيد ضدّ أبناء الجولان المحتل، حيث اعتقلت خمسة من قيادات الحركة الوطنية اعتقالا إدارياً وهم (الشيخ محمود الصفدي أبو عدنان، الشيخ كمال كنج أبو صالح، أحمد علي القضماني، هايل حسين أبو جبل، مهنا الصفدي)، وفي المقابل تمّ إعلان إضراب عام وشامل من أهالي الجولان كاحتجاج على اعتقال القادة الوطنيين.
ومن ثم قامت حكومة الاحتلال في شهر آب من عام 1981 بإصدار قرار يخوّل وزير داخليتها صلاحية منح الهوية الإسرائيلية لمن يطلبها من أهالي الجولان المحتل، وليقوموا بدورهم برفض هذا القرار، ولتصعّد سلطات الاحتلال من جهتها ضد الأهالي وتقوم بإجراءات تعسفية بغية ردعهم، إذ قامت بفصل معلمين من مدارسهم، وطرد عمال من أعمالهم، وعززت نفوذ طابورهم الخامس وأدواتهم، مما جعل طلبة المدارس في الجولان يعلنون عن إضراب عن الدراسة استمر 11 يوماً حتى إعادة المعلمين المفصولين وإطلاق سراح المعتقلين الإداريين ورفع الإقامات الجبرية عن عشرات الشبان والطلاب، ولكي تتراجع سلطة الاحتلال عن فرض الهوية الإسرائيلية على أبناء الجولان.
وعلى إثره قامت وزارة الحرب الصهيونية في 11/12/1981 بعزل الحاكم العسكري في الجولان لفشله في تنفيذ سياسة القبضة الحديدية، وفرض الهويات الإسرائيلية.
الضمّ المشؤوم
ولتعقب حكومة الاحتلال قرارها بعزل حاكمها العسكري لفشله بتنفيذ أجندتها بعده بأيام، وعبر جلسة للكنيست في 14/12/1981 ببدء تطبيق القانون الإسرائيلي على الجولان، وليعاود أبناء الجولان إعلان إضراب عام وشامل لمدة ثلاثة أيام في 16- 17 – 18 من ذات الشهر، رفضاً لقرار الضم الباطل، وبدوره عقد مجلس الأمن جلسة طارئة في 18/12/1981 بناء على طلب من الحكومة السورية، ليعلن عن قراره رقم 497، الذي اعتبر القانون الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية بضم الجولان لاغياً وباطلاً، ويخالف الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وطالبها بالتراجع عنه.
ورفضت دولة الاحتلال قرار مجلس الأمن، ليزداد تمسك أهالي بالجولان بطريق النضال والتضحية، ولتبدأ مرحلة رص الصفوف أكثر فأكثر، خاصة بعد تصريح رئيس أركان جيش الاحتلال رفائيل إيتان، بإمكانية استدعاء السكان في الجولان إلى الخدمة العسكرية، كما هدّد حاكم لواء الشمال في جيش الاحتلال بإنزال أشدّ العقوبات إذا استمر رفض مواطني الجولان استلام الهويات الإسرائيلية، ولتُشَن في 29/12/1981 حملة اعتقالات ضد عدد من أبناء الجولان، مرفقة بتفتيش وتخريب للبيوت، ليقوم الأهالي في 31/12/1981 بإرسال رسالة إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة يحتجون فيها على قرار الضم، ويعلنون رفضهم للبرامج المدرسية والأنظمة الضريبية والإدارية والقضائية التي تفرضها حكومة الإحتلال على مواطني الجولان.
بدوره قال رئيس الجمهورية العربية السورية الخالد حافظ الأسد في 13/1/1982: «إن الجولان ليست محتلة بقرار سنَّته إسرائيل، ولن يتوقف تحريرها على عدم وجود قانون تسنه إسرائيل، لم تأخذ إسرائيل الجولان بقانون، ولن نسترجعه بقانون». وكان لهذا التصريح صدىً وطنياً عميقاً في نفوس أبناء الجولان المحتل، إذ عزز روح المواجهة، وأعطى قوة لعزيمة الناس، حيث أن هذه التوأمة بين النضال الشعبي لسكان الأرض المحتلة والدولة الأمّ سورية، لها أثر كبير لمن هم في المواجهة الميدانية.
كما أدانت من جهتها الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 5/2/1982 قرار إسرائيل ضم الجولان «معتبرة أنه عمل عدواني ولاغ وباطل، وداعية إلى مقاطعة إسرائيل سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا وعسكريا».
إضراب الكرامة
ليشهد بعد ذلك تاريخ 13/2/1982 عقد اجتماع شعبي في خلوة مجدل شمس، أُعلن فيه أنّ اليوم الذي يليه هو بداية إضراب عام وشامل حتى تتحقق مطالب السكان، وهو ما يطلق عليه أهالي الجولان بـ «إضراب الكرامة»، لتقوم قوات الاحتلال بمحاصرة القرى المضربة، ومن ثم دخلتها بأعداد كبيرة وكأنها تحتلها مرة أخرى، بينما كانت أصوات الجولانيون حينها تصدح في السماء بالقول :»لو اعتقلتمونا جميعاً، وسننتم ألف قانون فلن تستطيعوا تغيير هويتنا العربية السورية».
وبعد ضغط كبير من القادة الإسرائيليين على رئيس وزرائهم حينها مناحيم بيغن، هدد الأخير بطرد العرب السوريين الرافضين قانون الضم – بطردهم إلى سورية – . وهدد وزير الحرب حينها آرييل شارون أهالي الجولان بطردهم من منازلهم إلى شرقي خط وقف إطلاق النار إنْ لم يعجبهم القانون الإسرائيلي، وفي 20/2/1982 أرسلت حكومة الاحتلال أحد مندوبيها للتفاوض مع قادة الحركة الوطنية في الجولان، الذي أعلن عن فشل الاجتماع بسبب إصرار سكان الجولان على مطالبهم التالية: (رفض تطبيق القانون المدني الإسرائيلي، واعتبار الجولان منطقة محتلة تنطبق عليها قوانين جنيف، ورفض استبدال الهويات العسكرية بأخرى مدنية، والإفراج عن المعتقلين الإداريين).
لتعلن سلطات الاحتلال في اليوم الثاني عشر من إضراب الكرامة عن سريان قانون الطوارئ، وأعلنت عبر مكبرات الصوت: «يُمنع سكان الجولان ممن لا يحملون الهوية الإسرائيلية من مغادرة قراهم مهما كانت الأسباب، كما يمنعون من دخول القرى بدون تصريح رسمي»، وبهذا احتجزت سلطات الاحتلال 13 ألف نسمة مع مواشيهم، وفصلت القرى عن بعضها، وبدأت حملة اعتقال لكلّ من لا يحمل الهوية الإسرائيلية وتقديمه للمحاكمة.
ليوجه بدوره الرئيس حافظ الأسد في 8/3/1982 خطاباً للمضربين في الجولان، يحيّي فيه صمود الأهالي في معركتهم الوطنية المشرّفة، وأذيع الخطاب عبر مكبّرات الصوت في الساحات، إلا أنّ سلطات الاحتلال قطعت الكهرباء لتمنع السكان من سماع ما يقوله رئيس دولتهم.
10/3/1982 أذيع عبر مكبرات الصوت وعلى لسان قائد المنطقة التابع لجيش الاحتلال أمير دروري التالي: «بناء على صلاحياتي المخوّلة لي، أعلن إلى سكان هضبة الجولان ما يلي (الهوية التي وزعت في حينه من قبل الحاكم العسكري سينتهي موعدها وستلغى في نهاية آذار 1982، واعتباراً من الأول من نيسان ستكون الهوية الإسرائيلية سارية المفعول وستعتبر هوية قانونية وحيدة في المنطقة»).
أعقبها اعتقالات إدارية جديدة طالت عدداً من قادة الحركة الوطنية في الجولان، وتم فرض إقامات جبرية على العشرات من أبناء الجولان، ليقوم على إثرها 60 محامياً تقدمياً من العرب واليهود، على رأسهم المحامية فسليتسيا لانغر، بتشكيل لجنة حقوقية للدفاع عن معتقلي الجولان، وتقديم كلّ دعم قضائي يحتاجه أحرار الجولان.
بدورها ترأست وزيرة الثقافة السورية السيدة نجاح العطار وفداً نسائياً، إلى موقع عين التينة المقابل لمجدل شمس، للتضامن مع جماهير الجولان في إضرابهم المفتوح، فيما فرضت قوات الجيش الإسرائيلي منع التجوّل، لكي تمنع مشاركة جماهير الجولان من استقبال الوفد السوري عبر خط وقف إطلاق النار.
ليخرج أهالي الجولان في مظاهرات عارمة، ترفض التفاوض مع مسؤولي الاحتلال، الذين دخلوا الجولان بهدف إنهاء الإضراب المفتوح، ولتقوم الحركة الوطنية في 19/3/1982 بإصدار بيان إلى الرأي العام العالمي يفضح الممارسات الإسرائيلية تضمّن:
«في 25/2/1982 أعلنت منطقة شمال الجولان وقرانا منطقة عسكرية مغلقة تحت الحكم العرفي، وحجز السكان في بيوتهم بدون أي سبب، وبدأ الحكم العرفي بممارساته التعسفية لإخضاع السكان بالقوة إلى قبول الهوية المدنية الإسرائيلية، فازداد عدد المعتقلين، ومنع الدخول أو الخروج من حواجز الجيش في مداخل كلّ قرية وقرية، وقد برزت عدة ظواهر إلى حيز الوجود، ومنها حرماننا من الرعاية الصحية، وكلّ حالة مرضية يرى الطبيب إحالتها إلى المستشفى يجب أن يصادق عليها الطبيب العسكري المداوم في المعسكر، وهناك يمتثل الطبيب لأمر قيادته العسكرية في إعطاء تصريح الخروج أو رفضه، ونتج عن ذلك تفشي مرض الحصبة عند أطفالنا بشكل جماعي وأمراض متعددة ناتجة عن سوء التغذية، إثر عدم السماح لدخول المواد الغذائية إلى قرانا، مما أدى بالأمهات إلى مزج السكر بالماء لتغذية أطفالهن، ولم يكن إعلان قادة الاحتلال بأنهم ملتزمون بإدخال الحليب والخبز إلى القرى، إلا تغريراً بالرأي العام العالمي والإسرائيلي، علاوة على أنّ قوات الاحتلال حجزت 50 ألف رأس ماشية في دور أصحابها دون غذاء، ما أدى إلى موت غالبيتها، ناهيكم عن أنّ كلّ شخص يضبط مع المواشي يُعتقل، مما اضطر النساء والأطفال إلى الخروج بالمواشي إلى مراع قريبة، وعندها تبدأ معارك تشترك فيها القوات الجوية بطائرات الهيليوكبتر بمساعدة قوات أرضية ضد الأطفال والنساء، واعتقالهم، ومصادرة مواشيهم، إضافة إلى تخفيض نسبة المياه إلى قرانا، وقطع التيار الكهربائي ليلاً، مع نشر الذعر من قبل وحدات عسكرية تجوب الشوارع، ومنع إمدادنا بوسائل التدفئة والمحروقات – نحن أبناء منطقة جبلية باردة – ليزيدوا من وسائل الضغط علينا، كما منعوا طلابنا من الخروج إلى الجامعات، ومنعت المقابلات العائلية على خط وقف إطلاق النار، ولم يسمحوا للصحافة الحرة ومراسلي وكالات الأنباء العالمية والمحلية من الدخول إلينا، بغية تعتيم وتشويه الحقائق عما يجري من ممارسات غير إنسانية في قرانا المحاصرة، ومنع عائلات المعتقلين من زيارة ذويهم، علاوة على أنّ الدوريات العسكرية أثناء تجوالهم يتركون أجساماً غريبة مشبوهة في متناول أيدي أطفالنا مما أدّى إلى انفجار نتج عنه تشويه ثلاثة أطفال».
وأضاف البيان: أنه وبأوامر عسكرية تؤخذ مجموعات من المشايخ والزعماء من كل القرى قسراً إلى مقر القيادة العسكرية في مسعدة للاجتماع مع القائد العسكري، ومتصرف لواء الشمال، وأنّ الويل لمن يتغيّب أو يتأخر.
وختم البيان: “إننا على استعداد لبذل الغالي والنفيس في سبيل صون الكرامة والشرف، فنحن أصحاب قضية عادلة، نعلنها صرخة مدوية إلى كلّ من تجري في عروقه الشهامة والنخوة ويؤمن بحق الإنسان، نناشدكم أن تضمّوا صوتكم إلى صوتنا والتضامن معنا”.
معركة الهوية
وفي 30/3/1982 أصدرت القيادة العسكرية لجيش الاحتلال، قراراً بالاستعداد التام للبدء في توزيع الهوية الإسرائيلية، حيث أوكلت تنفيذ المهمة لـ 16 ألف جندي إسرائيلي.
وفي الأول من نيسان 1982 اقتحمت قوات الاحتلال القرى المحتلة، واستولت على مباني المدارس وحوّلتها إلى مراكز للتحقيق والاعتقال. من جهتهم، قام أهالي الجولان بتحدّي القوات، وتمركزوا في الساحات العامة، واشتبكوا مع المئات من جنود الاحتلال، وكان سلاح الأهالي الأيادي والعصي والصدور المفتوحة، واستطاع أبناء هضبة الجولان من استغلال الاشتباكات، وقاموا بخطف عدد من الجنود وأخذ سلاحهم، لتتحوّل ساحة الاشتباك إلى مكان للتفاوض، وليرضخ بدوره قائد الحملة الصهيوني، ويعطي أوامره بالانسحاب خارج الساحات بشرط إعادة الجنود المخطوفين وأسلحتهم.
ولتعاود مساء ذات اليوم قوات الاحتلال اقتحام البلدة مرة أخرى، في الوقت الذي توجه الأهالي لعقد اجتماع في خلوة مجدل شمس لبحث التطورات وتأكيدهم على الصمود مهما كلف الثمن، وقال حينها وزير الحرب آرئيل شارون من داخل مروحيته التي كانت تحتل سماء مجدل شمس: “إذا لم يخرج المجتمعون ويلغوا الاجتماع سنقوم بقصف الخلوة”، إلا أن المجتمعين الأحرار لم يأبهوا بتهديداته، واستمروا في اجتماعهم لمدة أربع ساعات، وكانت الأصوات تتعالى بالقول: “إضراب حتى النصر”.
لتحاصر في الثاني والثالث والرابع من نيسان قوات الاحتلال السكان في بيوتهم، مدعمة بفرق عسكرية خاصة تحمل الأسلحة والعصي وقنابل الغاز والدخان، ولتكيل الضرب على كل من يرفض استلام الهوية، وتعتقل 47 شخصاً من الشيوخ والشبان في الساعات الأولى لاقتحامها وتضعهم في معتقل مسعدة، و150 شخصاً في مدارس القرية التي حولوها إلى معتقلات خاصة، واعتقلوا الأشخاص الذين أنقذوا الجرحى وقاموا بتعذيبهم، إضافة إلى أنهم منعوا المرضى من الدخول إلى المستشفيات إلا بهوية مدنية إسرائيلية، وأطلقوا النار على مواطني الجولان، ويصل عدد الجرحى إلى 30 جريحاً، ومنعوا المواشي من الخروج إلى المراعي، مما أدى إلى موت مئات الرؤوس وتفشي المرض في أعداد كبيرة أخرى، وقاموا بإتلاف أثاث المدارس التي عسكر فيها جيشهم الغاصب، وقطعوا الكهرباء ومياه الشرب عن الأهالي، وتركوا القمامة التي خلفتها قواتهم الغاشمة مكدّسة في شوارع القرى المحتلة وعلى أسطح البيوت والمدارس.
وفي الخامس من نيسان 1982، وبعد فشل مهمة قوات الاحتلال في توزيع الهويات الإسرائيلية على أهالي الجولان، وضعت الهويات أمام أبواب منازل الأهالي، ورفعت حظر التجوّل، لتتمركز في محيط القرى، وتمنع وسائل الإعلام المحلية والعالمية من دخول قرى الجولان لطمس الحقائق. ليقوم الأهالي من جهتهم بجلب الهويات المتروكة أمام أبواب منازلهم إلى ساحة البلدة وحرقها، كرسالة للاحتلال عن عزم الأهالي على مواجهة كلّ الظروف، وأنهم لن يقبلوا بتبديل هويتهم العربية السورية.
وأتى ردّ أهالي الجولان المحتلّ على قوات الاحتلال وممارساته، بتنظيم مهرجان خطابي كبير في السادس من أيار 1982 “ذكرى عيد الشهداء”، تخليداً لهم، وفي “الذكرى الأربعينية لوفاة المغفور له قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش”، ليصعق العدو الصهيوني بحجم الجماهير التي تسير مشياً من قرى (عين قنية وبقعاثا ومسعدة) متوجهين إلى بلدة مجدل شمس، حيث مركز المهرجان. لتعقبها قوات الاحتلال باشتباكات وصدامات في قرية بقعاثا مع الأهالي، ولتسفر عن إصابة 6 مواطنين، ولتجدد في 11 أيار سلطات الاحتلال فترة الاعتقال الإداري للعشرات من مواطني الجولان، وتبدأ في محاكمة المئات بتهمة عدم حيازتهم الهويات الإسرائيلية.
ورغم كل هذا، لم تهن عزيمة أهالي الجولان في إضرابهم ورفضهم الحصول على هوية الاحتلال، لتعلن حكومة الاحتلال في 16/5/1982 على لسان الناطق الرسمي ومدير عام مكتب رئيس الوزراء شموئيل ليفيتش، بتعهدها عدم فرض التجنيد الإجباري على أهالي الجولان في الجيش الإسرائيلي، وعدم فرض المواطنة الإسرائيلية عليهم.
وليستمر دعم الوطن الأم سورية لأبنائه من أهالي الجولان بشتى الوسائل، ومنها إرسال قافلة مؤلفة من 12 سيارة محملة بالمواد الغذائية والألبسة والمواد الطبية، إلى موقع عين التينة مقابل بلدة مجدل شمس في 27/5/1982، إلا أن السلطات الإسرائيلية – كعادتها – رفضت طلب الصليب الأحمر الدولي بالسماح لهذه القافلة من دخول الجولان تحت إشرافه، وليستمر في المقابل إضراب أهالي الجولان.
ليتوجه بعدها بيومين وفد من سلطة الاحتلال إلى الجولان، في محاولة للتوصل إلى حلول وسط بشأن الهوية، وإنهاء الإضراب. لتكون شروط أبناء هضبة الجولان المحتلّ لإنهاء إضرابهم متمثلة بـ (إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين الإداريين، ولمّ شمل العائلات عبر تجديد اللقاءات بين السوريين على طرفي خط وقف إطلاق النار، وأن يتسلم أبناء الهضبة المحتلة تعهّداً مكتوباً بعدم إلزام أبناء الجولان بالخدمة العسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، ووقف مصادرة الأراضي). لتعلن الحكومة الإسرائيلية على لسان رئيس وزرائها مناحيم بيغن، أنها مستعدة للبحث بمطالب مواطني الجولان.
وكخطوة أولى، قامت سلطات الاحتلال في 27/6/1982 بالإفراج عن جميع المعتقلين الإداريين من أبناء الجولان، وفي 20/7/1982 شارك الآلاف من أبناء الجولان باجتماع شعبي في خلوة مجدل شمس، وتم تعليق الإضراب المفتوح في كافة قرى الجولان المحتل بعد سلسلة المفاوضات التي عقدت مع سلطات الاحتلال، بعد التوصل إلى: تعهد السلطة بعدم فرض الجنسية الإسرائيلية، وعدم فرض التجنيد الإجباري على سكان الجولان، وإقامة الجسور المفتوحة بين الجولان والوطن الأم سورية، والتعهّد بعدم مصادرة أراضي السكان، وإعطاء السكان حقوقهم المائية لري مزروعاتهم.
*الجولان السوري المحتلّ