غرب أفريقيا: بين الاستعمار الجديد والتنافس الجيوسياسي
أورنيلا سكر
على مدار العقود الماضية، ظلت دول غرب أفريقيا تعرب بجرأة عن عدم رضاها عن علاقاتها مع الدول الاستعمارية السابقة، والتي كان لها معها تعاون عميق في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية منذ الفترة الاستعمارية، وعلى وجه الخصوص، كانت دول المنطقة تراجع علاقاتها مع الدول الغربية مثل فرنسا والولايات المتحدة، التي زعمت أنها تركتها بمفردها في الحرب ضدّ الإرهاب والتطرف، بل وتسبّبت في بعض الأحيان بإضافة مزيد من المشاكل لهذه التهديدات.
لقد انقطعت حبال الجسور بين فرنسا وأفريقيا، خاصة في ظلّ إدارة إيمانويل ماكرون، الذي قال إنه تخلى عن سياسة «فرانكأفريق françafrique» واستهدف إقامة علاقات متساوية وعادلة مع الدول القارية؛ لأنّّ ماكرون الذي كانت أفعاله تختلف عن خطاباته، واصل التدخل الفرنسي في أفريقيا، واستمرّ في استغلال اقتصاديات المستعمرات السابقة في القارة بممارسات استعمارية جديدة، ولم يحقق النجاح المنتظر في المجال الأمني، وبدأت الدول الأفريقية التي يتعيّن عليها مكافحة التهديدات الأكبر يوماً بعد يوم في البحث عن شركاء جدد لمكافحة التهديدات الأمنية، وتعزيز الهياكل السياسية والاقتصادية. وقد سمح ذلك بزيادة نفوذ القوى الكبرى والمتوسطة مثل الصين والولايات المتحدة وروسيا واليابان والهند والبرازيل وتركيا في أفريقيا. إنّ حقيقة تنافس هذه الجهات الفاعلة في ما بينها أثناء محاولتها زيادة فعاليتها في القارة كان لها عواقب إيجابية وسلبية على الدول القارية.
نتائج المنافسة
لقد أدت المنافسة المتزايدة بين الجهات الدولية الفاعلة في أفريقيا إلى مجموعة معقدة من النتائج الإيجابية والسلبية. وعلى الجانب الإيجابي، أدت زيادة الاستثمار والمساعدات الأجنبية في كثير من الأحيان إلى تطوير البنية التحتية والنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل في العديد من البلدان الأفريقية. فقد لعبت العديد من المنظمات الدولية، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية، دوراً حاسماً في معالجة الأزمات الإنسانية وتعزيز الرعاية الصحية، ودعم مبادرات التعليم. بالإضافة إلى ذلك، سهّل تدفق رأس المال الأجنبي نقل التكنولوجيا وتبادل المعرفة، مما ساهم في التقدّم في قطاعات الزراعة والرعاية الصحية والطاقة المتجددة.
ومع ذلك، فإنّ المنافسة الشديدة أدّت أيضاً إلى عواقب سلبية، أدّت من خلالها الصراعات الناجمة عن الموارد والمنافسات الجيوسياسية إلى تفاقم التوترات القائمة داخل الدول الأفريقية، مما أدّى إلى عدم الاستقرار والعنف في بعض المناطق. إن تأثير الجهات الفاعلة الخارجية في تشكيل السياسات الوطنية قد يؤدي في بعض الأحيان إلى تقويض هياكل الحكم المحلي وإعاقة قدرة الدول الأفريقية على اتخاذ قرارات سيادية تخدم سكانها على أفضل وجه. علاوة على ذلك، يمكن للمنافسة الاقتصادية أن تخلق تبعيات وأعباء ديون، حيث قد تكافح بعض البلدان لسداد القروض أو تواجه تحديات في التفاوض على شروط مواتية. ولا يزال تحقيق التوازن بين الآثار الإيجابية والسلبية للمنافسة الدولية في أفريقيا يشكل تحدياً حاسماً لضمان التنمية المستدامة وحماية الاستقلال الذاتي للدول الأفريقية.
ومن ناحية أخرى، يمكن القول إنّ بعض الممثلين المتنافسين في أفريقيا يبرزون إلى الواجهة بين الحين والآخر. في السنوات السابقة، ناقشنا أنّ الدول القارية كانت تحت التأثير الكبير للمنافسة بين الولايات المتحدة والصين. ومع ذلك، خلال عهد دونالد ترامب ركزت السياسة الخارجية لإدارة واشنطن على منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وعلى الجانب الآخر، أعرب العديد من الزعماء الأفارقة عن عدم رضاهم عن الصين. ولأنّ الصين لم تف بالتزاماتها بموجب اتفاقياتها مع هذه الدول، فقد تسبّبت أيضاً في صعوبات اقتصادية بسبب «فخ الديون». وعلى الرغم من أنّ الصين لا تزال الشريك التجاري الأكبر للقارة، فإنها لم تعد لاعباً تسعى دول القارة إلى تطوير العلاقات معها بحماس كبير.
وبعد الهدوء النسبي الذي ساد التنافس بين واشنطن وبكين في أفريقيا، بدأت رياح التنافس بين باريس وموسكو تهبّ على الدول الأفريقية. وتحوّلت هذه الرياح إلى عاصفة في وقت قصير جداً. وكما هو معروف، بعد غزو روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، تعرّضت لعقوبات كبيرة من قبل المجتمع الدولي، وخاصة الجهات الغربية، وأصبحت معزولة فعلياً على الساحة العالمية. وحاولت موسكو تعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية للهروب من هذه الوحدة، وتعزيز اقتصادها المتدهور بشكل متزايد، وكسب الدعم المادي والسياسي في حربها ضدّ أوكرانيا. وقد فعلت حكومة موسكو ذلك من خلال تطوير التعاون، خاصة في المجال العسكري، مع الدول الأفريقية التي تعاني من قضايا أمنية حادة مثل الإرهاب والحروب الأهلية والانقلابات. وكما يذكر فإنّ هذه الدول الأفريقية (وخاصة المستعمرات السابقة الناطقة بالفرنسية في غرب أفريقيا) عانت من تعاونها مع فرنسا في المجال الأمني، وخاصة الشباب الذين طالبوا بلدانهم بالتخلص من النفوذ الفرنسي وتطوير مجالات جديدة للتعاون. وهكذا، بدأ النفوذ الروسي في الصعود في ظلّ فراغ السلطة الذي خلقته فرنسا، التي كادت تفقد قوتها تدريجياً في غرب أفريقيا. وتمّ القضاء على الهياكل الاستعمارية الفرنسية القديمة والنخب السياسية التي كانت لها مصالح مشتركة مع باريس من خلال الانقلابات العسكرية المتعاقبة.
وأقامت إدارات المجالس العسكرية الجديدة التي وصلت إلى السلطة في هذه البلدان علاقات وثيقة مع روسيا. ومن ناحية أخرى، أعربت فرنسا عن عدم رضاها عن النفوذ الروسي المتزايد في كلّ فرصة، ما جعل أحياناً الدعاية المناهضة لموسكو في المنطقة إلى إحداث الانقلابات العسكرية في هذه البلدان. الأمر الذي أدّى إلى عقوبات سياسية واقتصادية كبيرة على أنظمة المجلس العسكري. بحجة وجود تأثير للقوى الأجنبية وراء هذه القرارات، زعم قادة المجلس العسكري ASS في بيانهم أن الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ابتعدت عن أيديولوجيات الآباء المؤسسين للوحدة الأفريقية، والتي خدمت مصالح القوى الأجنبية.
ما العمل؟
هو تزايد دور الجماعات الانفصالية، والتوتر السياسي بين الإيكواس وآس فمن التهديدات الأمنية في تلك المنطقة هو تزايد أعمال العنف المكثف، والإرهابيين والمنظمات الإجرامية. على سبيل المثال، وفقاً لتقرير “مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثه”، فمنذ عام 2020، عندما وصل أعضاء المجلس العسكري إلى السلطة في مالي، وحتى منتصف عام 2023، زاد العنف في البلاد بمقدار ثلاثة أضعاف تقريباً. وفي النصف الأول من عام 2023، وقع 16 هجوماً إرهابياً على مسافة 150 كيلومتراً من العاصمة باماكو. وفي الشمال، بدأ الطوارق مرة أخرى صراعات مسلحة ضد الجيش المالي. وهناك تطورات مماثلة في بوركينا فاسو. وفي بداية شهر أغسطس/ آب، قُتل 20 شخصاً، معظمهم من التجار، على يد إرهابيين بالقرب من الحدود التوغولية. وكما وثقت المنظمات غير الحكومية، فإنّ حصيلة الهجمات الإرهابية هائلة. وبحسب المعلومات المتوفرة فقد بلغ عدد الضحايا أكثر من 16 ألف قتيل، بينهم مدنيون وجنود وأفراد من الشرطة. وبالإضافة إلى هذه المأساة، أدت الأزمة إلى نزوح أكثر من مليوني شخص داخل بلدانهم، مما يجعلها واحدة من أخطر أمثلة “النزوح الداخلي” في أفريقيا.
بالإضافة إلى ذلك، تمّ فرض عقوبات سياسية واقتصادية كبيرة على أنظمة المجلس العسكري، بحجة وجود تأثير للقوى الاجنبية، وأيديولوجيات الآباء المؤسسين للوحدة الأفريقية وراء تلك القرارات.
إن هذه التدخلات الاجنبية قد تجعل من الصعب على دول المنطقة تعزيز سيادتها وإدارة أمنها، بفعل هذه البيئة التنافسية، المحسوسة أيضاً بين الإيكووا وASSS وقد تكشف أيضاً عن تهديدات أمنية مختلفة للقارة الأفريقية بأكملها وتجعل المجتمع الدولي أكثر قلقاً بشأن الآثار المحتملة لعدم الاستقرار الإقليمي.