كامب ديفيد أوشكت على السقوط!
د. محمد سيد أحمد
ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن كامب ديفيد واحتمالات سقوطها، وكامب ديفيد هي تلك الاتفاقيات التي وقعها الرئيس المصري الأسبق أنور السادات مع رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق مناحيم بيغن في 17 سبتمبر 1978 بعد 12 يوماً من المفاوضات السرية في منتجع كامب ديفيد الريفي في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تمّ التوقيع على اتفاقيتين إطاريّتين في البيت الأبيض بحضور الرئيس الأميركي جيمي كارتر، وتمثل الإطار الأول بعملية سلام في الشرق الأوسط تناول الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ومنحهما الحكم الذاتي وانسحاب العدو الصهيوني من هاتين المنطقتين بعد إجراء انتخابات شعبية، وكُتب هذا الإطار دون مشاركة الفلسطينيين وأدانته الأمم المتحدة.
والإطار الثاني هو إبرام معاهدة سلام بين مصر والعدو الصهيوني، والذي أسفر مباشرة عن معاهدة السلام المصرية – الصهيونية في 26 مارس/ آذار 1979، وكانت المحاور الرئيسية للمعاهدة هي إنهاء حالة الحرب، وإقامة علاقات ودّية بين مصر والعدو الصهيوني، وانسحاب العدو الصهيوني من سيناء التي احتلها عام 1967 بعد حرب الأيام الستة، وتضمّنت الاتفاقية ضمان عبور سفن العدو الصهيوني في قناة السويس، واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممرات مائية دولية، وتضمّنت الاتفاقية أيضاً البدء في مفاوضات لإنشاء منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242.
وعلى الرغم من أنّ المعاهدة قد حققت بعض محاورها وبنودها مثل إنهاء حالة الحرب بين مصر والعدو الصهيوني، وانسحاب العدو الصهيوني من كلّ الأراضي المصرية المحتلة في سيناء، إلا أنّ العلاقات الودية والتطبيع لم يتم على مدار 45 عاماً، فعلى الرغم من إقامة السفارات وتبادل السفراء إلا أنه لم ينجح العدو الصهيوني في اختراق الحاجز النفسي والاجتماعي والسياسي والثقافي الهائل الموجود لدى الشعب المصري، ولم يلتزم العدو الصهيوني بإنشاء منطقة الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولم يلتزم بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، بل قام بيغن في أعقاب كامب ديفيد مباشرة بالإعلان عن عزمه على إقامة مستوطنات في الأراضي المحتلة، وبلغت ذروة تصريحاته في عام 1981 عندما أقسم أنه لن يترك أيّ جزء من الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان والقدس، ومن هنا ولدت اتفاقات كامب ديفيد ملغمة، وقابلة للانفجار والانهيار في أي وقت.
وأثارت اتفاقيات كامب ديفيد منذ البداية ردود فعل في مصر ومعظم الدول العربية، فعلى المستوى الشعبي كان الرفض حاسماً، وعلى المستوى الرسمي كان موقف وزير الخارجية المصري محمد إبراهيم كامل الصديق الصدوق للرئيس السادات واضحاً حيث قدّم استقالته اعتراضاً على الاتفاقية وسمّاها «مذبحة التنازلات»، وكتب في كتابه «السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد» الذي نشر في مطلع ثمانينيات القرن الماضي أنّ «ما قبِل به السادات بعيد جداً عن السلام العادل». وانتقد الرجل كلّ اتفاقات كامب ديفيد لكونها لم تنص صراحة على انسحاب العدو الصهيوني من الضفة الغربية وقطاع غزة، ولعدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وعلى المستوى العربي عقدت قمة عاجلة في بغداد رفضت اتفاقية كامب ديفيد، وقرّرت نقل الجامعة العربية من مصر، وتعليق عضوية مصر بالجامعة ومقاطعتها. وعلى الرغم من عودة العلاقات المصرية – العربية بعد عشر سنوات من المقاطعة، وعلى الرغم من توقيع اتفاقيات فلسطينية وأردنية مع العدو الصهيوني في أوسلو ووادي عربة، وتوقيع اتفاقيات تطبيع مؤخراً مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، إلا أنّ الرفض الشعبيّ لا يزال حاسماً.
وجاء العدوان الصهيوني الأخير على غزة ليؤكد وهمية السلام المزعوم مع العدو الصهيوني، وليؤكد سلامة الموقف الشعبي، وأصبحت كلّ الاتفاقيات التي وقعت مع العدو الصهيوني على وشك السقوط وفي مقدمتها كامب ديفيد. فالعدو الصهيوني منذ اليوم الأول للعدوان على غزة أعلن أنّ عمليته العسكرية لها أهداف محدّدة من بينها تهجير الشعب الفلسطيني الموجود بالقطاع وتوطينه بسيناء، ويعدّ هذا الهدف وحده كفيلاً بإسقاط كامب ديفيد، لأنه يعني عودة الاحتلال لأرض سيناء ولو بشكل غير مباشر. وفي المقابل كان ردّ الفعل المصري سواء الرسمي أو الشعبي أنّ ما يقوم به العدو هو بمثابة إعلان حرب على مصر، وأنّ مصر لن تسمح بالاعتداء على شبر واحد من أرض سيناء التي حررت بدماء شهداء الجيش المصري العظيم، وعلى مدار الأربعة شهور الماضية لم يتمكن العدو الصهيوني من تحقيق أهدافه في غزة.
وخلال الأيام الأخيرة أعلن العدو الصهيوني أنه على وشك القيام بعملية عسكرية في رفح، التي اضطر سكان القطاع وتحت القصف الوحشي للآلة العسكرية الصهيونية للنزوح إليها والتكدّس فيها. فبعد أن كان عدد سكانها لا يتجاوز 400 ألف مواطن، أصبح يقطنها الآن مليون و400 ألف مواطن فلسطيني. وبالطبع يسعى العدو الصهيوني من وراء هذه العملية إلى إجبار الشعب الفلسطيني لاجتياح المعبر والدخول عنوة إلى سيناء، وبذلك يتحقق الهدف الصهيوني الذي أعلن منذ بداية العدوان على غزة، وجاء ردّ الفعل المصري سريعاً حيث أكدت «أن أيّ تحرك صهيوني لإجبار سكان غزة على العبور إلى سيناء بمثابة انتهاك من شأنه أن يعلق فعلياً معاهدة السلام لعام 1979»، وقد أبلغت ذلك للمسؤولين في الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، ووفقاً لمصادر صحافية أميركية أكد مسؤول صهيوني «أن الحكومة المصرية كررت هذا التحذير لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يوم الأربعاء الماضي»، فيما أكد مسؤول أميركي أن مصر أوضحت «أنها مستعدة لعسكرة حدودها، ربما بالدبابات، إذا دُفع بالفلسطينيين إلى سيناء».
ووفقاً لوكالة «رويترز» نقلت بعض المواقع الإخبارية ومنها سكاي نيوز عربية أنّ مصدرين أمنيين مصريين أكدا «أنه منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة، أقامت مصر جداراً حدودياً خرسانياً تمتدّ أسسه في الأرض 6 أمتار وتعلوه أسلاك شائكة، مع إقامة حواجز رملية، وتعزيز المراقبة عند مواقع التمركز الحدودية»، ومع التهديدات الصهيونية الأخيرة واحتمالات اجتياح رفح «أرسلت مصر 40 دبابة وناقلة جند مدرعة إلى شمال شرق سيناء في إطار سلسلة تدابير لتعزيز الأمن على الحدود مع قطاع غزة»، وتشير الأحداث الجارية إلى أن كامب ديفيد أوشكت على السقوط، إن لم تكن قد سقطت فعلياً، ذلك لأنّ مصر الرسمية ومن خلفها مصر الشعبية لن تسمح بالمساس بشبر واحد من الأرض المصرية، اللهم بلغت اللهم فاشهد…