قصة الودائع: أكل العنب أو قتل الناطور…!
أحمد بهجة*
لم يعُد مسموحاً بأيّ شكل من الأشكال الاستمرار في المماطلة والتسويف وعدم اعتماد أيّ حلّ مناسب لمشكلة الودائع المحتجَزة في المصارف اللبنانية، والمصارف بطبيعة الحال هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن مصير هذه الأموال، إضافة طبعاً إلى شريكيْها في المسّ بالمدّخرات أيّ مصرف لبنان والدولة اللبنانية.
وهنا لا بدّ من أن يقوم كلّ شخص وكلّ مؤسسة بما عليهم من واجبات من أجل اتخاذ القرارات المناسبة لحلّ هذه الأزمة المعقدة، والبداية تكون بالتشدّد في تطبيق القانون على الجميع بدءاً من رأس الهرم، لا بتقديم العون والمساعدة لفلان أو علّان لكي يستطيع التهرّب من المحاسبة والمساءلة وبالتالي المحاكمة، لأنّ هذا المسار لن يعيد إلى المودعين أموالهم التي تبخّرت نتيجة ارتكابات قام بها أشخاص معروفون ومكشوفون بالوجوه والأسماء، والجميع يعرف ما هي مواقعهم المسؤولة حالياً أو سابقاً سواء في السلطات السياسية المتعاقبة أو في القطاع المصرفي (الرسمي والخاص).
القوانين واضحة وضوح الشمس، والاحتكام إلى القوانين هو الطريق السليم للوصول إلى الغاية المنشودة، لكن هذا الأمر له شروطه وموجباته وأوّلها أن تُطبّق أحكام القانون على الجميع من دون استثناء، وعدم السماح لأيّ أحد بالإفلات من المحاكمة والعقاب، لأنّ من شان ذلك أن يُخرّب كلّ شيء، ويحول دون نجاح أيّ مشروع إصلاحي في هذا البلد.
أليس هذا ما هو حاصل منذ تشرين 2019 حتى اليوم؟ أليست الاستنسابية هي العائق الأول أمام الوصول إلى أي حلّ أو خطة حلّ ولو على مراحل؟
الواضح أنّ هناك نافذين جداً في مختلف المواقع يعمَدون إلى العرقلة ووضع العصي في الدواليب لمنع أيّ مشروع حلّ من أن يرى النور، بدءاً من عرقلة خطة التعافي المالي والاقتصادي التي أقرّتها حكومة الرئيس البروفيسور حسان دياب في آخر نيسان 2020 وصولاً إلى اليوم وما يحصل على صعيد المشاريع المقترحة سواء لقضية الودائع أو لإعادة الانتظام إلى عمل القطاع المصرفي.
هنا يرى المتابعون بوضوح كيف أنّ كلّ جهة ترمي الأحمال على جهة أو جهات أخرى، إذ انّ الواقع المالي المتردّي للدولة يجعل الحكومة تحاول التنصّل من مسؤولياتها لتلقي على المصارف مسؤولية إعادة أموال المودعين، فيما مصرف لبنان يبتكر المخارج لنفسه من خلال جعل الخزينة العامة تتحمّل خسائره لسدّ الفجوات المالية الكبيرة الناتجة عن سياساته الخاطئة طوال العقود الثلاثة الماضية، بينما المصارف تواصل سرديّتها القائلة بأنّ الأموال المودَعة لديها أوْدعها في مصرف لبنان الذي بدوره أعطاها للدولة أو استخدمها لدعم الليرة وغير ذلك من تبريرات لا تفيد بشيء إنما تؤكد ضياع أموال الناس وجنى أعمارهم…
هذا الاستعصاء، جعلنا ندور في الحلقة المفرغة منذ أربع سنوات إلى اليوم، ونقف عاجزين عن إنتاج أيّ حلّ يفيد الناس، لأنّ كلّ ما سبق لم تتمّ مقاربته بطريقة تدلّ إلى أنّ التوجه هو لإيجاد الحلول، بل كلّ ما رأيناه كان هروباً إلى الأمام بحجة أنّ هذا المشروع أو ذاك ينطوي على بعض الشوائب…
قد يكون ذلك صحيحاً، لكن مَن يريد الحلول لا يلجأ إلى نسف المشروع من أصله بل يسعى بكلّ جهد وصدق وإخلاص مع جميع المعنيين لكي تتمّ معالجة مواضع الخلل وتعديل ما يجب تعديله وإضافة ما يلزم لجعل مشروع الحلّ كاملاً متكاملاً وقابلاً للتطبيق، حتى لو تطلّب الأمر بضع سنوات، خاصة أنّ المشكلة كبيرة جداً وتعقيداتها ضاربة في كلّ الاتجاهات، لكن الاستمرار في هذه الدوامة يعني مع الأسف الشديد أنّ الناطور سيموت وأن لا أحد سيأكل العنب…
*خبير مالي واقتصادي