رفح… الورقة الأخيرة لنتنياهو
أحمد عويدات
كثر الحديث في الآونة الأخيرة ولا يزال، عن حقيقة اجتياح مدينة رفح من قبل قوات الإحتلال الصهيونية، وإصرار نتنياهو الفاشي المعاصر على المضي قدماً في الهروب إلى الأمام؛ لتحقيق ما هدف إليه منذ بداية حربه المجرمة على قطاع غزة، وضمان مستقبله السياسي المتهاوي.
في ظلّ عجزه الميداني، وافتضاح مناوراته السياسية داخلاً وخارجاً، وفشله في تحقيق أيّ من أهدافه المعلنة، يُصرّ نتنياهو ومجلسه الحربي المتفسّخ بين مؤيد ومعارض ومتحفظ على ارتكاب المزيد من مجازر التطهير العرقي، والإبادة الجماعية في مساحة لا تزيد عن 51 كم2، يتواجد فيها أكثر من مليون ونصف من الذين نزحوا إليها من كافة مناطق القطاع نتيجة للإجرام الصهيوني .
إنّ هذا الإصرار الهستيري النازي تصاعد أكثر عقب التمثيلية المفبركة “لتحرير رهينتين إسرائيليتين”؛ كمن كذب على نفسه كذبة ثم صدقها، محاولاً إقناع نفسه والجمهور الإسرائيلي، مستنداً على كتف المتطرفين المتدينين اليمينيين أمثال بن غفير وسموتريتش والحاخام الأكبر دؤوف، بأنّ النصر يكمن هناك في رفح، وأنّ أيّ تراجع يعني في المقام الأول خسارة الحرب، وبقاء تهديد حماس لأمن وحياة المسوطنين، ومستقبل الكيان.
وبناء عليه يرمي نتنياهو من خلال اجتياح رفح إلى ما يلي:
أولاً: تأكيد أنّ القوة وحدها والضغط العسكري قادران على تحقيق الأهداف المعلنة المتمثلة بالقضاء على حماس، وتحرير الرهائن، وإقامة سلطة بديلة في القطاع.
ثانياً: تجسيد الفكر التوراتي الزائف القائم على منهجية الانتقام بقتل المزيد من الأطفال والنساء، وارتكاب مجازر الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، والتدمير الممنهج الشامل لكلّ جوانب الحياة الفلسطينية، غير آبه بما صدر عن محكمة العدل الدولية بضرورة أن “تتخذ إسرائيل جميع الإجراءات المنصوص عليها لمنع الإبادة الجماعية في قطاع غزة”. ولطالما كان هذا القتل والتدمير مسعى إسرائيلياً للحدّ من الخطر الديمغرافي على مستقبل الكيان الصهيوني الذي يشكله التزايد السكاني المستمر للفلسطينيين، وبالتالي أصبح هذا عاملاً حاسماً لتصفية القضية الوطنية الفلسطينية .
ثالثاً: إحكام السيطرة والحصار على كافة أنحاء القطاع، والوصول إلى محور فيلادلفيا، الذي يشكل حدوداً بين القطاع وسيناء المصرية؛ بهدف تدمير وإغلاق شرايين التواصل مع قاطني سيناء ومنع وصول أية مواد ووقف عمليات التهريب. كما يهدف إلى فرض شروط جديدة على الجانب المصري، متجاهلاً نصوص اتفاقية كامب ديفيد وملاحقها، وخرقه للسيادة المصرية من جراء زجّ آلاف الجنود ومئات الآليات العسكرية وتحليق الطائرات إلى هذه المنطقة.
رابعاً: تنفيذ الهدف غير المعلن من حربه النازية بالتهجير القسري أو الطوعي للغزيين؛ وهذا ما أعلنه نتنياهو أمام وسائل الإعلام الإسرائيلية بقوله “هناك مجال كبير لإجلاء المدنيين من رفح في غزة”. ويأتي هذا انسجاماً مع الخطة “المدروسة والموثوقة” التي طالب بها بايدن وغيره تحت مسمّى حماية المدنيين، وتأمين ممرات إنسانية وأماكن آمنة لهم. مما يعني تهديم البنية المجتمعية السكانية الفلسطينية، والإمعان بتشتيت الشعب الفلسطيني، واقتلاعه من أرضه، ومحو تاريخه، والقضاء على مستقبله.
خامساً: تحسين الوضع التفاوضي في مفاوضات عقد صفقة التبادل؛ من خلال فرض واقع ميداني جديد على المقاومة؛ وبالتالي دفعها إلى التخلي عن شروطها، والتي وصفها بأنها “مجرد أوهام، وتعني أمراً واحداً وهو هزيمة إسرائيل”. إضافة إلى اعتقاده أنّ قادة المقاومة وتحديداً يحيى السنوار متواجدون في رفح، وهذا يفضي إلى التخلص منهم قتلاً أو أسراً أو نفياً.
سادساً: إرضاء الشارع الإسرائيلي، الغاضب جداً والمطالب بعودة الأسرى أحياء؛ والتماهي مع المتطرفين المتدينين وذلك بإظهار تفانيه لكلا الفئتين بأنه على استعداد للذهاب بعيداً في سبيل تحقيق تطلعات كلّ منهما؛ برغم “ضغوط” إدارة بايدن المشكوك بها، وضغوط المجتمع الدولي وهيئاته، والمعارضة الداخلية.
أمام هذا المشهد الذي يراه نتنياهو ومجلسه الحربي ومحترفو التطهير العرقي والإبادة الجماعية، يبرز المشهد الآخر؛ مشهد صمود المقاومة وتفانيها في الميدان، وإصرارها على مواجهة العدوان، وإنزال الهزيمة بجيش الاحتلال النازي بما تملكه من رصيد شعبي ومشروعية حقها بالنضال التحرري. ويبرز أيضاً ثبات أهل غزة الأسطوري وثباتهم في مواجهة كافة أنواع الإبادات من القتل وحتى التجويع، أمام تخاذل مجتمع حقوق الإنسان والعدالة والحرية، ووسط صمت الأشقاء، ودعم بعضهم المباشر للعدوان المتواصل منذ 136 يوما .
ويبقى السؤال، هل هناك اجتياح لرفح والتسبّب بكارثة إنسانية غير مسبوقة؟ أم أنّ هناك عمليات نوعية خاصة ومحدودة؟ أم ستفرض المقاومة إيقاعها في حرب استنزاف طويلة الأمد؟ ومن سيربح الورقة الأخيرة؟!