أولى

عودة الحريري في الميزان الإقليمي

– رغم محاولة الرئيس سعد الحريري الحديث عن اعتبارات لبنانية صرفة وراء قراره بتعليق العمل السياسي، وكذلك قراره المعاكس المرتقب في توقيت لاحق، كما قال، للعودة الى العمل السياسي، فان الجميع يعلم كم يشتاق الحريري لهذه العودة وكم كان حزيناً لاضطراره لتعليق عمله السياسي وعزوفه عن المشاركة في الانتخابات. وما قاله في دوائر ضيقة وقاله مقربون منه عن علاقة التعليق والعزوف بموقف سعودي واضح، ترجمته لاحقاً الرعاية السعودية المباشرة لملف الطائفة التي شكل الحريري رمزها الأول لسنوات ما بعد اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
– الواضح أن قرار العودة لم يُتخذ، لكن قرار الحظر عُلّق أيضاً، فجاءت زيارة هذا العام بمناسبة ذكرى 14 شباط مختلفة عن سابقتها بعد قرار التعليق. فكل شيء كان منظماً بقرار لتظهير زخم شعبي يطالب بالعودة، ويتم الردّ عليه بالوعد بالتلبية، والقول بأن ما تغير هو أن الناس اكتشفت أن الحريري كان محقاً بخيار التسويات، أو أن تجاوز الحريري ظهر مستحيلاً، هو كلام موجّه للسعودية التي اعترضت على تسوياته، والتي افترضت بالقدرة على تجاوزه، ولا يصحّ في حال جمهور الحريري الذي سار وراءه في التسويات وسار وراءه في العزوف حتى في الانتخابات، التي قالت منذ سنتين إن تجاوز الحريري مستحيل.
– الحديث عن ربط عودة الحريري بتسوية إقليمية كبرى، يفترض أن قرار التعليق تم بسبب غياب هذه التسوية، وهذا غير صحيح، لأن التعليق تم تعبيراً عن رفض كل منطق التسويات وربط النزاع. وهو منطق كان الحريري من يمثله، وهو يبشر بالعودة إليه. وقد جاءت التفاهمات السعودية الإيرانية تأكيداً لصحته، بخلاف الاعتراضات السعودية على ما كان يفعله الحريري، فذهبت السعودية إلى منهجه بدلاً من أن تنجح في إثبات صحة نهج معاكس كانت تتبنّاه، سواء في المنطقة أو في لبنان. والزيارة تأتي بكل الأحوال في ظلال ما حققه التفاهم السعودي الإيراني من تأكيد لخيار التسويات، فتأتي العودة تدريجية حتى نضوج تسوية رئاسية يمكن أن يناط بالحريري بعضٌ من عناصر تظهيرها، أو حتى يأتي موعد التحضير للانتخابات المقبلة عام 2026.
– الذي استدعى هذه الجرعة من الحضور وإعادة لمّ الشمل بين الحريري وجمهوره، ليس الفراغ السياسي الذي نتج عن غيابه وفشل نواب الطائفة في ملئه. فهذا حاصل منذ سنتين، لكن الجديد هو ما يجري منذ حرب غزة، لجهة ملء هذا الفراغ من قبل شخصيات ورجال دين في الطائفة أخذوا يعيدون إنتاج مشهد ما قبل عام 1975 عندما تحوّلت المقاومة الفلسطينية الى امتداد سياسي لمزاج الطائفة السنية السياسي سواء في بيروت أو في المناطق، وما كانت فتح تملأه يومها تبدو حماس مرشحة له اليوم.
– الخشية من حدوث هذا التحوّل وتجذّره كانت وراء كلمات الحريري المتكرّرة عن خيار الاعتدال ورفض التطرف بأي اتجاه.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى