مقالات وآراء

كيان مصطنع من أوكرانيا إلى «إسرائيل»

‬ ميرنا لحود

تتسارع الأحداث، بوتيرة تصاعدية خاصة في المشرق العربي جراء العدوان الهمجي على غزة. وتتكاثر الثرثرة الإعلامية في بث متواصل لتكهّنات تصنّف بالتحليلات ويتلقاها بالمباشر جمهور التواصل الاجتماعي فتمتزج الأمور بعضها ببعض حتى تصبح مقولة «خلط الحابل بالنابل» أكثر واقعية وتجعل من بعض المجتمعات «بكماً وصمّاً وعمياً».
الحقيقة الجارحة تخرس الأعداء
شهدت الأيام القليلة الماضية إطلالات إعلامية لافتة وبالغة الأهمية في القراءة الجيوسياسية والاستراتيجية. أتت الأولى في مقابلة للرئيس بوتين مع الصحافي الأميركي تاكر كارلسون، والثانية في خطابين لسيد المقاومة السيد حسن نصر الله في يوم الجريح وفي ذكرى القادة الشهداء.
أحدثت مقابلة الرئيس بوتين ضجة في الإعلام العالمي ورشحت عنها معلومات ومفاهيم، كان لا بدّ من معرفتها لفهم ما يجري في الميدان خاصة أنّ القادة اليوم في الغرب وغير الغرب يعدّون أشباح الضمير المزعجة. وبذلك دحضت المعلومات التي ألقاها الرئيس بوتين كلّ الأكاذيب والادّعاءات الفارغة التي لا يقبلها العقل السليم في الحرب الأطلسية ضدّ روسيا على الأراضي الأوكرانية.
منذ البداية، عكست المقابلة استقطاباً واسعاً بين المحب والمبغض للرئيس الروسي من خلال العرض التاريخي الذي قدّمه، والذي أعاد فيه على مسامع العالم، ولمن لا يقرأ التاريخ، حقيقة الأمور ومنطقها.
جاء كلّ ذلك بعيداً عن الاستعراض الإعلامي الذي أصبح صفة رنانة ليحتلّ مكان جوهر المبادئ الإعلامية المتمثلة بالثقافة والبحث عن الحقيقة والمعلومة المتينة والقيّمة والأسلوب السلس والاحترام والمصداقية وغيرها. وأظهرت المقابلة تلقائياً خطورة غياب الثقافة لدى القادة الذين يتخذون القرارات وما ينتج منها من تداعيات سلبية لا يدركونها ولا يفهمونها أصلاً، «عيّنوا لينفّذوا المطلوب منهم». وإنّ تسلسل الأحداث الذي بنى عليه الرئيس بوتين أوصل وبوضوح إلى أنّ أوكرانيا «بلدٌ مصطنع»، ما يدفع ذلك للتساؤل: ماذا لو استعادت بلدان الاتحاد السوفياتي السابق أراضيها التي ضمّت إلى أوكرانيا دون حق؟ وماذا لو خرج المجر من الاتحاد الأوروبي ولحقت به رومانيا أو غيرها؟ وماذا لو أبقت بولونيا على مناطق، لا تعود إليها في الأصل، شرط انتظامها في صف المؤدبين؟
إنّ من تختاره السماء نصيراً للحق لا تنفيه المظالم
وفي مناسبتين متتاليتين لحزب الله، أطلّ سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وبذكاء حادّ سحب فتيل الفتنة الداخلية التي يجري العمل عليها بكدّ ضدّ المقاومة. ذكّر سيد المقاومة بحجم المسؤولية الذي لا بدّ من أنْ يترافق مع التضحيات الكبيرة التي يبذلها شهداء المقاومة. وكلّ تضحية هي من أجل بقاء لبنان والمنطقة والحفاظ عليه من المطامع الصهيونية. وفي ظلّ عالم لا يبحث إلاّ عن «أمن الصهاينة» كان لا بدّ من التشديد على أهمية التعاضد والتعاون الأخلاقي لا بل الديني لنصرة غزة والشعب الفلسطيني الذي يموت جوعاً وعطشاً وإبادة من مجرم قاتل وغاز ومحتلّ.
واضح أنّ كلمة السيد أتت لتطمئن البيئة الحاضنة للمقاومة التي تضحّي بدمائها وبأرزاقها وتتعرّض لعدوان شرس داخلياً وخارجياً. ولمن لا يدرك خطر الجهل ولا يقرأ الوقائع ولا التاريخ عن الأهداف الصهيونية فهو ذاهب حتماً إلى الهلاك ومعه قطيعه. تقول الحكمة: حذار الحاكم الذي يدّعي تمثيل الشريعة والمتحدث باسم الدين الذي يدّعي تمثيل الدين، وبين هذا وذاك أيّ بين عبوسة النمر وابتسامة الذئب يضيع القطيع.
«الأفعى إذا سجنت في القفص لا تنقلب حمامة والعليقة إذا غرست في الكرم لا تثمر تينا».
إنّ التهديدات المتكررة من العدو الصهيوني على لبنان هي دليلٌ قاطعٌ على قوة المقاومة وقدرتها العالية التأثير في الردع كمّاً ونوعاً. ويعلم الصهيوني أنّ المقاومة تتعامل مع التصعيد بدقة عالية. لذا ومن البديهي أنْ يذهب الصهيوني إلى التصعيد والعمل على النقاط أو بالقطعة ليحقق شيئاً ما يذكر، لكنّ المقاومة لا ولن تسمح له حتى ولو بفوز هزيل. ردّ مقابل ردّ وتصعيدٌ مقابل تصعيد ولا يعطى الصهيوني أي مجال ليتشدّق به أما جمهوره. كلّ ما بوسعه هو تشييد الملاجئ والبحث عن أماكن ليلتجئ إليها مستعمروه بعيداً عن الجليل.
هذا الكلام لا يصلح إلاّ للمهندسين عسكرياً لدى أميركا والصهاينة ولا للمتحدثين عبر الشاشات والقنوات. إنّ الكلام في الإعلام لا يهدف إلاّ لرفع منسوب المعنويات المنهارة لجيش الصهاينة في الميدان. هذا واقعٌ مريرٌ يخشى الصهيوني الاعتراف به لأنّ هذه هي نقطة بداية نهايته وهو واقعٌ مصطنع ومركّب تركيباً من مجتمعات مجموعة من هنا وهناك ستسقط مع الانهيار الأمنيّ والاقتصادي والسياسي وخاصة العسكري.
جرثومة العلّة الخبيثة
عبر تسريب نادر لبنيامين نتنياهو انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي منذ أكثر من سنتين، قال إنّ الصهيونية في الدولة العميقة في أميركا فعّالة وتفرض سيطرتها بشكل كبير على الإدارة الأميركية والعالم. لكنّ الصهاينة في فلسطين المحتلة عاجزون عن شنّ حرب من دون مساندة الدولة العميقة في أميركا. والخلافات في ما بينهم ليست على الأهداف إنما على الطريقة والأسلوب لأنّ الإدارة الأميركية وبكلّ ببساطة موظفة لدى الدولة العميقة والعاملين معها من مجموعات عالمية مثل بلاكروك وروكفلر وغيرهما من الشركات الأميركية والمنظمات الأممية وكذلك الأمر الكيان المؤقت. إنّ الضغوطات في ما بينهم ليست إلاّ ضغوطات مصالح داخلية تتعلق بهم مباشرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى