لا دولة ولا دولتين
سعادة مصطفى أرشيد*
حتى العام 1974 كان الحديث عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 يقوم على أساس الانسحاب «الإسرائيلي» من الأراضي التي تم احتلالها وإعادتها الى وضعها الذي كان صبيحة الخامس من حزيران من ذلك العام.
طرح موضوع الدولة الفلسطينية التي تعيش الى جانب «إسرائيل» بشكل مخادع في البرنامج المرحلي الذي صدر عن المجلس الوطني في دورته الثانية عشرة عام 1974 إان تضمن شكلاً القول إن الدولة الفلسطينية الموعودة ستكون ذات مشروع مقاوم، كان هذا القرار هو ما أهّل منظمة التحرير سريعاً لأن يتمّ اعتمادها من قبل النظام العربي باعتبارها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني وكان أكثر من تشدّد لصالح إصدار هذا القرار ملك المغرب حينها الحسن الثاني والرئيس المصري الأسبق أنور السادات.
زعمت القيادة الفلسطينية عند توقيعها اتفاق أوسلو عام 93 أنها وضعت قدمها على طريق الدولة الفلسطينية وأنها ستتحقق خلال خمسة أعوام من توقيع ذلك الاتفاق، لكن في كل نصوص أوسلو المذكور لم ترد كلمة دولة قط وانما فقط كان الاتفاق يدور بوضوح عن تشكيل سلطة حكم ذاتي انتقالي تقام في غزة ومدينة أريحا، ولكنها سوف تمتد تدريجياً للمناطق التي تم احتلالها عقب حرب 67 باستثناء القدس الكبرى وتكون هذه المناطق المدارة من قبل سلطة الحكم الذاتي 61% منها تحت السيادة «الإسرائيلية» الكاملة و20% منها تقع تحت السيطرة المشتركة فيما تحتفظ السلطة الفلسطينية بـ 19% مع حق «إسرائيل» بالمطاردة الساخنة داخل مناطق السلطة هذه.
بهذا لم تقم فكرة الاتفاق المرحلي «أوسلو» على قيام دولة فلسطينية ولا بأي شكل من الأشكال باستثناء أضغاث أحلام سكنت في خيالات من وقع على ذلك الاتفاق، لكن الذي حصل في الحقيقة كان اعتراف الجانب الفلسطيني بـ «إسرائيل» وحقها في الوجود وحتى بروايتها التاريخية ومشروعيّة حروبها لنيل استقلالها والدفاع عن نفسها، مقابل اعتراف الجانب «الإسرائيلي» بمنظمة التحرير وقيادتها لا باعترافها بالشعب الفلسطيني وحقوقه. وأطلق الرئيس الفلسطيني الأسبق على هذه الاتفاقية وصف سلام الشجعان الذي سيؤدي حسب رأيه في النهاية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ما جرى بعد ذلك أن منحت «إسرائيل» جائزة ترضية للقيادة الفلسطينية بما يتيح لها تسويق اتفاق أوسلو وذلك بالسماح لها بممارسة بعض مظاهر الدولة وشكليّاتها دون مضامينها الحقيقيّة كالحق في رفع العلم الفلسطيني وإصدار طوابع البريد ووثائق السفر وإن حملت اسم جواز سفر ونشيد وطني وسجاد أحمر وما إلى ذلك.
لا يوجد في عقل «إسرائيل» القديم حزب العمال واليسار أو الجديد المتمثل في الليكود واليمين أي قبول لفكرة الدولة الفلسطينية، ولا في أي وقت من الأوقات. ولعل الأميركي والغربي يشاطرهم الرأي وإن ادّعى كذباً بعض من اليسار الصهيوني ومعهم بعض من الغربيين قبولهم الفكرة لا في تنفيذها وهو ما عاد ليطرح مع مطلع القرن عندما طرح السعوديون ما سُمّي بـ»المبادرة العربية للسلام» التي جاءت في ظروف أحداث 11 سبتمبر وتوجيه اتهامات لجهات ومواطنين سعوديين تثقفوا على يد المخابرات السعودية وعاد ليطرح في تصريحات الرئيس الاميركي الأسبق بوش الابن.
لأسباب تتعلّق بتغوّل القوة الغربية وتهافت الوضع العربي فقدت المسألة الفلسطينية الاهتمام بها الى أن جاءت أحداث السابع من تشرين الأول، الأمر الذي أدى الى استرداد الشعب الفلسطيني الثقة بالنفس، كما أعاد الاهتمام بالمسألة الفلسطينية، وأمام فشل «إسرائيل» في سحق المقاومة او في تحقيق أهداف الحرب التي أعلنتها لم يكن من بدّ من إعادة رمي الجزرة الوهمية أمام الفلسطيني بالعودة لتذكّر حل الدولتين، ولكن الأميركي كعادته في التعامل مع المسائل التي تتعلق بنا، يلجأ إلى الغموض المحفوف بالمخاطر فلم يحدد لا مكان الدولة ولا مساحتها ولا صلاحياتها، إلا أن المؤكد أنها دولة مظهريّة لا تملك سيادة على أرضها ولا حدودها ولا أمنها ولا سياستها الخارجية، اي أنها لا تملك أي من مقومات الدولة وإنما معزل ملحق أمنياً بالكيان المعادي، وهذا الأمر يتطلب أميركياً دفع ثمن فلسطيني مقدماً ألا وهو رأس المقاومة.
على قاعدة رب ضارة نافعة، فـ «الإسرائيلي» يرفض حتى هذه الدولة الشكلية الهزيلة حيث إنه يريد الأرض خالية من سكانها ويخطط لتهجيرهم، وهذه نقطة إجماع «إسرائيلي» أن لا دولة ولا دولتين، ومنذ يومين صرّح وزير الأمن «الإسرائيلي» قائلاً: «الشعب الفلسطيني لا وجود له في التاريخ وهو اختراع جديد».
مجريات الحرب وصمود المقاومة بقرارها وميدانها لا زال يبشر بالخير وهو الردّ على ترهات حل الدولتين.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة.