معاني ورسائل عملية «معاليه أدوميم» النوعية
أحمد عويدات
مع تصاعد وتيرة المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة، ومع استمرار حرب التجويع والحصار، وبالتزامن مع الفيتو الأميركي مؤخراً؛ يأتي الردّ الفلسطيني المقاوم قرب مستوطنة معاليه أدوميم شرقي القدس المحتلة، ليشكل صدمة أمنية صاعقة للقادة الأمنيين الإسرائيليين، خاصة أنها استهدفت حاجزاً عسكرياً وسقوط تسعة جنود بين قتيل وجريح.
لقد شكلت هذه العملية حدثاً نوعياً هاماً، من حيث توقيتها ومكانها وتكتيكها ونتائجها لعدة أسباب:
أولاً: أثبتت قدرة المقاومين على اجتياز كافة الحواجز الأمنية الكثيرة بسيارتين بين بيت لحم والقدس وصولاً إلى مدخل مستوطنة معاليه أدوميم على الطريق الرئيسي رقم 1 المزدحم، والذي لا يسمح للفلسطينيين القادمين من أنحاء الضفة الغربية بالمرور منه؛ مما يعكس قدرة المقاومين على التخطيط والاستطلاع والمناورة في ظروف صعبة.
ثانياً: مهارة المقاومين الثلاثة في إدارة المعركة تكتيكياً؛ من خلال إحداث أزمة مرورية وذلك بصدم عدد كبير من السيارات للتمكّن من توسيع رقعة الاشتباك مع جنود الحاجز من مسافة صفر .
ثالثاً: تمّت هذه العملية ضمن منطقة عسكرية تخضع لسيطرة الأمن والجيش الإسرائيلي بالمطلق، وضمن إجراءات أمنية استثنائية مكثفة وغير مسبوقة؛ مما يعد خرقاً وفشلاً أمنياً ذريعاً.
رابعاً: استخدام المقاومين لأسلحة نوعية مثل M16 الإسرائيلية، وأسلحة مصنعة محلياً، وذخائر كثيرة؛ مما يعني اتساع مسرح العملية، وفداحة الخسائر البشرية.
خامساً: من حيث التوقيت، تأتي العملية عقب الإجراءات المشدّدة المعلن عن اتخاذها من قبل وزير الأمن القومي المتطرف بن غفير، والقاضية بمنع دخول المصلين إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان.
من جهة أخرى، تمّت هذه العملية وسط حالة من الاحتقان الشديد لفلسطينيّي الضفة الغربية، إثر تواصل الاقتحامات والاعتقالات، وعمليات التنكيل اليومية، وهدم البيوت، وتخريب البنى التحتية، وقتل أعداد كثيرة من الشبان، ومع تزايد اعتداءات المستوطنين ضدّ القرى والبلدات والمخيمات الفلسطينية. إضافة إلى وصول الشباب الفلسطيني إلى حافة اليأس من صمت وتخاذل المجتمع الدولي والعربي إزاء استمرار العدوان الوحشي على غزة، وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
لذلك فقد حملت هذه العملية البطولية رسائل عديدة أبرزها:
1 ـ نشر الذعر والخوف وعدم الأمان في صفوف المسوطنين؛ لردع جرائمهم المتكررة بحق المواطنين الفلسطينيين.
2 ـ الردّ على إجراءات الحكومة اليمينية المتطرفة في ما يتعلق بالصلاة في المسجد الأقصى والقيود المفروضة على المصلين خلال شهر رمضان.
3 ـ تأكيد قدرة المقاومة على الوصول إلى ما يسمّيها الاحتلال بمناطق الخط الأخضر، والمناطق المغلقة عسكرياً وأمنياً؛ سيما أنه تمّ تنفيذ أكثر من 10 عمليات في هذه المناطق منذ بدء عملية طوفان الأقصى.
4 ـ تنامي جذوة التحدّي للشباب الفلسطيني، والاستعداد للبذل والتضحية، والتأكيد بأنّ كلّ شاب هو مشروع شهيد، سواء كان مهندساً أو طبيباً أو عاملاً، أعزب أم متزوجاً، يافعاً أم كبيراً.
5 ـ إفشال وتعرية المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية أمام المستوطنين، الذين فقدوا ثقتهم بحكومتهم الكاذبة، والتي يطالبونها بالمزيد من إجراءات الأمن والحماية.
6 ـ التأكيد على وحدة المقاومة بين الضفة وغزة والداخل الفلسطيني.
7 ـ الضغط على الشارع «الإسرائيلي» وتأجيج الانقسام داخل دولة الكيان؛ ودفعها لإيقاف العدوان على قطاع غزة.
8 ـ العمل على توسيع نطاق المعركة، وتشتيت جهد الاحتلال العسكري ليشمل كافة الأراضي المحتلة.
9 ـ التمكن من الحصول على السلاح النوعي والذخائر، من مستودعات جيش الإحتلال؛ مما يزعزع الثقة في صفوف المؤسسة العسكرية.
10 ـ التأكيد على أن لا حلّ ممكن مع هذا العدو في ظلّ هذه الموازين، وهذه السياسة الرعناء، التي تتجاهل وجود الشعب الفلسطيني، وتعزز الاستيطان؛ كما عبّر عن ذلك عقب العملية الفدائية المتطرف بن غفير بقوله: «حق الحياة للإسرائيليين أهمّ من حق حرية تنقل السلطة الفلسطينية، لا يوجد هناك شعب فلسطيني، ويجب نشر العديد من الحواجز في القرى».
وفي السياق ذاته، قال الوزير في مجلس الحرب سموتريتش: «إنّ الهجوم الخطير على معاليه أدوميم يجب أن يكون له ردّ أمني واستيطاني حازم، وأطالب نتنياهو بالموافقة على خطط لبناء آلاف الوحدات السكنية في أدوميم».
ختاماً، إنّ إستشهاد المهندسين محمد وكاظم زواهرة من قرية تعمر، والطبيب أحمد الوحش من قرية زعترة؛ يؤكد على حقيقة استمرار نضال الشعب الفلسطيني بكلّ أطيافه ومستوياته، حتى بلوغ أهدافه بالتحرير والعودة، ودحر الاحتلال مهما بلغت التضحيات.