«إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت»
نمر أبي ديب
رغم الغطرسة «الإسرائيلية»، وتمادي آلة القتل في الجبهة الجنوبية، بلغ التهديد الإسرائيلي للبنان حدود «المزايدة العسكرية» مع اعتبار وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أنه «يمكن لـ «إسرائيل» الهجوم حتى عمق 50 كلم في بيروت» وأيّ مكان آخر بالتزامن مع أجواء إسرائيلية تتحدث عن رفع مستوى الحضور كما الجاهزية في لواء غولاني، وأيضاً عن تدريبات استثنائية يخضع لها اللواءان 146 و 210 في الشمال، والجميع يدرك ضوابط المرحلة الحالية، وخطوطها العريضة الحمر والاستراتيجية، التي يعتبر فيها التجاوز، مقدمة ميدانية لتطور شرق أوسطي يبدأ من البحر الأحمر/ باب المندب وينتهي بجبهة الكيان الداخلية التي يتحمّل فيها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، كامل المسؤولية الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية، لما يمكن أن يكون عليه الوضع الداخلي في فلسطين المحتلة، إذ يعتبر فيها التجاوز العسكري انتقالاً ميدانياً بـ دول المنطقة، وتحديداً كيان الاحتلال، إلى مراحل أكثر وجودية لا يملك فيها اللاعب الأميركي كما غيره من دول الانتشار الشرق أوسطي حق النقض والاحتواء، في مراحل فاصلة واستثنائية بلغت فيها المواجهات العسكرية متدرجات «الفتح الاستراتيجي»، المؤسس من حيث التدحرج الميداني لطوفان شرق أوسطي كبير، ملزم في أبعاده العسكرية كما السياسية وحتى الاقتصادية لمجمل دول الانتشار الإقليمي، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، التي دخلت في سياستها الخارجية، ودعمها المطلق للكيان الإسرائيلي، منطقة رمال إقليمية متحركة بدءاً من باب المندب مروراً بـ العراق، وصولاً إلى سورية، التي بلغت فيها السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، متدرجات التفكير الجدي والحقيقي في الانسحاب الكامل من أراضيها.
يُضاف إلى ما تقدَّم، حتمية الاختيار الأميركي، المشروع داخلياً، والمحسوم النتيجة إلى جانب «إسرائيل»، انطلاقاً من مرشحي الرئاسة الأميركية وفي مقدّمتهم جو بايدن كما غيره من طالبي المنافسة الرئاسية وحاجتهم الدائمة إلى الثقل اليهودي من جهة والكفة العددية الراجحة في انتخابات الرئاسة الأميركية، التي خضعت سابقاً كما هو حال اليوم إلى توازنات داخلية أميركية وحسابات بحت سياسية خاضعة في بعدها الرئاسي، وأيضاً في تصنيفها الحزبي إلى الـ «أنا الأميركية»، إلى استثناءات تكتيكية باتت فيها الحسابات الانتخابية رهن أولويات عديدة من بينها الاستحواذ الانتخابي على الكتل الشعبية الكبرى، الفاعلة عددياً داخل الولايات المتحدة الأميركية، وأيضاً في صناديق الاقتراع، ونخص في الذكر «الكتلة العربية» التي أصبحت بعيدة عن دعم جو بايدن، يُضاف إليها «الكتلة اليهودية»، لحسم ما هو أبعد أميركياً من المشهد الرئاسي.
بالعودة إلى الازدواجية العسكرية التي يعيشها وما زال كيان الاحتلال تجدر الإشارة إلى «التغاضي الإسرائيلي» عن حقائق ميدانية / عسكرية باتت بعد عملية «طوفان الأقصى» بحكم المؤكد العسكري، الذي تلمّست «إسرائيل» اليوم بكامل مكوناتها السياسية الاجتماعية والعسكرية مفاعيله الكارثية على أمن «إسرائيل» في الدرجة الأولى وأيضاً على «بيئة الكيان الوجودية»، وهنا نتحدث عن قدرة حزب الله العسكرية ومعها مجمل فصائل المقاومة إضافة إلى مختلف الأجنحة العسكرية، التي باتت على تماس مباشر كمّي ونوعي مع مقدرات العدو الإسرائيلي، رغم التكنولوجيا الحديثة التي يملكها كيان الاحتلال، وأيضاً سلاح الجو، وقدرته التدميرية الهائلة، بالتالي ما هو الفارق الاستراتيجي الذي يملكه اليوم كيان الاحتلال ولا يملك ما يوازيه حزب الله والحديث يتناول «قدرة الردّ بالمثل، وبشكل مضاعف وحاسم»، في أيّ مواجهة عسكرية مقبلة، أو ردّ ميداني يمكن أن تتبلور أركانه الاستراتيجية في الأيام والمراحل المقبلة؟
انطلاقاً مما تقدَّم تجدر العودة إلى العبارة التي أطلقها وزير الحرب «الإسرائيلي» يوآف غالانت واعتبر من خلالها أنه (يمكن لإسرائيل الهجوم حتى عمق 50 كلم في بيروت) لنسأل: في ميزان التقدير الإسرائيلي ضمن رؤية الكيان الأمنية وحتى العسكرية لمتدرجات المرحلة الحالية والمقبلة، ما هي العلامات العسكرية الفارقة التي يملكها اليوم كيان الاحتلال وقادر من خلالها على تحجيم قدرات حزب الله الصاروخية ومنعه من تقطيع أوصال «إسرائيل» كـ حدّ أدنى منتظر، بعد كلمات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وتأكيده امتلاك الحزب قدرات صاروخية تسمح بضرب أهداف عسكرية ذات حضور ونشاط استراتيجي من «كريات شمونة إلى إيلات».
في سياقٍ متصل، لم تلغ سياسات التهويل والمزايدات التي أطلقها قادة الاحتلال جملة الحقائق الأمن عسكرية التي كرَّستها عملية «طوفان الأقصى»، وفي مقدّمتها مبدأ الاختراق، وكسر جدار السيطرة الإسرائيلية، ما بات يؤكد أنّ حلم تحرير فلسطين المحتلة لم يعد مستحيلاً، وأنّ الحديث الإسرائيلي عن «توغل عسكري أو اجتياح بري لأراضٍ لبنانية»، تقابله فرضية «طوفان عسكري» مستقبلي، قادر على غمر الجليل في الحدّ الأدنى، وإنهاء الكيان الإسرائيلي في مداه الأقصى وبعده الاستراتيجي.
بعيداً عن الاستراتيجية الإسرائيلية، المتمثلة بالمزايدات العسكرية، كما التهويل المستمر تجاه فلسطين المحتلة ولبنان، المنطقة على شفير حرب مدمّرة، لا تحتمل فيها التجربة العسكرية نزوات أو جنون قادة كيان الاحتلال، وفي مقدّمتهم رئيس وزراء «إسرائيل» بنيامين نتنياهو.