حزب الله حسم قواعد المواجهة
رنا العفيف
الجبهة في لبنان تستعر لهيباً بالرسائل النارية بعد مجزرة النبطية، والمقاومة تواصل عملياتها العسكرية ضد المواقع «الإسرائيلية»، فما هي المقاربة العسكرية لمجمل التطورات بين حزب الله والكيان «الإسرائيلي»، بالإضافة إلى وجهة النظر أو المقاربة الأميركية لما يجري؟
الميدان يحدّد سقف السياسة وليس العكس، بات واضحاً اليوم مضمون خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بأن للخطاب تبعات وفقاً للتطورات الجمة في لحظة مصيرية ربما بهذه الأهمية من حيث الأهداف والمسارات والدعم لغزة،
لتكتمل معاني الخطاب بصورة جلية عنوانه الأبرز والأساس (غزة)، لتكمن المشكلة لدى حكومة الاحتلال في تمزيق ورقة باريس للإطاحة بمفاوضات القاهرة، بغية الرفض والاستجداء بورقة المقاومة هذا من الناحية السياسية.
أما على مستوى التكتيك العسكري أو المقاربة العسكرية نلاحظ منذ بداية المعارك كان هناك نوع من التوازن والحفاظ على قواعد الإشتباك في منطقة جنوب لبنان بسقف محدّد، وكان الاستهداف بشكل دائم هو للمراكز العسكرية الإسرائيلية، الأمر الذي امتعض منه الكيان الإسرائيلي نظراً لعجزه على ردّ المقاومة، والفرق هنا واضح بين من يملك أسلوب التخفي والسطو في الأماكن المجهولة كالعدو الإسرائيلي، وبين من لديه قدرات هائلة وبمجموعات صغيرة وبتكتيك المقاوم الذي لا يخشى الوغى بالدفاع عن أرضه ومقدساته في وضح النهار، وبالتالي هذا مؤذ للإسرائيلي الذي ليس لديه القدرة على المناورة لطالما هو جيش كلاسيكي بالرغم من انتشاره على الحدود مع لبنان،
في المقابل تعيد المقاومة التذكير بالثوابت، وأن غزة هي الأساس ويجب وقف إطلاق العدوان وانسحاب جيش العدو الإسرائيلي من القطاع، وإنجاز صفقة تبادل جدية، كما أنّ وسائل إعلام أميركية تنقل عن إدارة بايدن حديثاً عن حلّ الدولتين ولكن هذا الإعلام ينقل أياً رفض حكومة نتنياهو إقامة دولة فلسطينية. طبعاً هذا ليس بجديد، لكن من الواضحّ أن هناك حالة من التخبّط والتناقض السياسي، ولهذا التخبط أسباب سياسية فاضحة جلية في أروقة المجتمع الدولي وهي بأن تظهر واشنطن المستشار السياسي لـ «إسرائيل» بتقديم نصائح، وهو يعلم جيداً بأنه لا يستطيع أن يسيطر على ما يقوم به نتنياهو، وهذا نتاج الإمداد العسكري واللوجستي والدعم السياسي الكبير الذي يقدّمونه لارتكاب المزيد من المجازر بحق الفلسطينيين، والقضاء على القضية المركزية التي تتصدّر اليوم الرأي العام الأممي في المنطقة.
ولكن المأساة الحقيقية في هذه الجزئية هي التي تسبّب بها لسكان غزة، في حين أنّ اميركا لا تريد من «إسرائيل» أن تفتح جبهة جديدة مع لبنان ولكن هل سيصغي نتنياهو لكلام واشنطن؟ الأرجح لا لطالما الغاية الإسرائيلية والأميركية واضحة في إبعاد مواقع حزب الله من كلّ المواقع ومنها شمال نهر الليطاني وقوبل ذلك بالرفض المطلق من قبل حزب الله وبالتالي فعلياً هناك مأزق كبير في المواجهة في حال معادلة «بتوسع منوسع».
ورأى ذلك الكيان الإسرائيلي الذي تلقف رسائل حزب الله باستهدافه المواقع الإسرائيلية بالصواريخ، ما يعني أنّ حسم حزب الله قواعد المواجهة بوضع سقوف ومعايير يدير المعركة من خلالها بدقة مدروسة ويحرك بعناية كلّ رقعة مع الإشارة إلى إعادة تذكير الوفود الغربية في السر وفي العلن رفض أي وساطة بخصوص ملف إنهاء وقف إطلاق النار نظراً للسذاجة الغربية والأميركية في المراوغة السياسية، مع تحريك اللغز في حلّ غزة، ما يعني بأنّ المقاومة في لبنان وفي كلّ مكان تعي تماماً اللعبة التي تحيك لغزة وللبنان وللمنطقة من خلال التحذيرات المبطنة التي تتعلق بفك ارتباط غزة، وهذا غير مسموح ولا يمكن القبول به فيما لو كانت هناك ضغوطات في التهويل لدفع لبنان نحو القبول أو التسوية،
لذلك قد يكون نتنياهو أمام واقع مرير في غزة يجعله يهرب منه إلى رفح بتعويض الفشل بارتكاب المزيد من المجازر والتهويل في لبنان متسلحاً بكلّ أنواع الدعم الأميركي المقدم له في السر والعلن، وبالتالي هذا الدعم سيعكس نتائج سلبية في التحوّل العسكري في ظلّ الحرب الفعلية وهذا ما يخشاه الإسرائيلي مع حزب الله ورأى ذلك من خلال عمليات المقاومة باستهدافه مراكز عسكرية محصنة نسبياً ومنها تجسسية وهي غير محمية تمّ تدميرها وإلحاق خسائر كبيرة باستخدام المقاومة بعض الصواريخ التي ألحقت دماراً كبيراً في المراكز المحصنة وهو عملياً يتكتم على هذه الخسائر الفادحة وسمعنا صراخ إسرائيلي نتيجة تهجير المستوطنين حيال عمليات المقاومة في لبنان،
طبعا من الناحية العسكرية يعتبر خطيراً، أي عندما يتمّ استهداف قاعدة صفد التي هي بمثابة وزارة الدفاع الإسرائيلي في منطقة الشمال والتي تضمّ ثلاث فرق، وتمثل هذه نقطة عميقة جداً بالغة الأهمية في قدرة المقاومة على إصابة هذا الهدف بالرغم من وجود مضادات جوية وقبة حديدة، تبدو أنها لا تجدي نفعاً مع صواريخ حزب الله وهذه رسالة عالية المستوى عسكرياً لـ «إسرائيل» بأنّ المقاومة في لبنان لديها قدرات نوعية لم يستخدمها بعد،
في السياق عينه بالنسبة لتقديرات الإسرائيلي أنّ ما من أحد يستطيع أن يصل إلى هذه القاعدة، ولكن فعلياً توجد هناك قدرات عالية يمكن أن تصيب الهدف المباشر بالعمق لدى حزب الله، بالرغم من أنّ حزب الله لم يتبنَّ ولكنه أيضاً لم ينفِ، وبالتالي يمكن القول بأنّ أيّ عجز إسرائيلي عن الردّ على المقاومة يدفعه للردّ على المدنيين، ورأينا ما حصل في النبطية بارتكابه المجزرة كما يفعل في غزة تماماً، ليظهر أنيابه المتوحشة باستهداف المدنيين لأنه غير قادر على شيء إزاء المقاومة، وبالمجمل تكون المقاربة من حيث تحقيق المكاسب لدى نتنياهو هي صفر، بينما ما تعرضه المقاومة بكلّ صنوفها واصخ وجلي بشكل يومي في المعادلات وحتى في تغيير قواعد الاشتباك الجديدة وسط تركيز أوساط السياسة الإسرائيلية والعسكرية على ضرب أهداف حزب الله،
وبالتالي قد نشهد تطورات في الأمور بالنسبة للإسرائيلي أو الذهاب إلى سيناريوات مفتوحة في حال لم تلتزم بقواعد الإشتباك، بين قوسين إذا وسعتم وسعنا، وهذه معادلة هامة بالمعنى العسكري تدركها جيداً القيادات الإسرائيلية العسكرية بعد أن تمّ سماع صراخ الذين تم ترحيلهم عن المستوطنات هل فعلاً بإمكانهم العودة؟ هنا تظهر الإستراتيجية الإسرائيلية بأن هؤلاء المستوطنين أصبحوا عبئاً على الإسرائيلي، لأنه قام بالهرب بدلاً من حماية الحدود الإسرائيلية، وللعلم هذه المستوطنات منذ ال 1948 وقبل ذلك مهمتها حماية الحدود، لذلك كانت تقوم الحكومة الإسرائيلية بتقديم المساعدات لهم وتخفيض الضرائب وإلى ما هنالك من تحسينات وأراض زراعية مجانية وغيرها مقابل هذا ولأول مرة في التاريخ تحصل، أي بدلاً من أن يكون المستوطنين محض دفاع عن الأرض والحدود اليوم يهرب وهذا الأمر يعتبر عبئاً أمنياً على «إسرائيل» وعلى جيش الكيان نفسه، لذلك هناك تشائم كبير في إمكانية التوصل إلى اتفاق مع لبنان بحسب صحيفة «هيوم الإسرائيلية».