النازية المتجدّدة من هتلر إلى نتنياهو
وفاء بهاني
تتمتع بعض الدول والمجتمعات بقدرات فريدة مكّنتها من صناعة الأزمات واختلاقها وتحويلها إلى قضية تمّ الترويج لها إعلامياً واستغلالها كفرصة لاستكمال مشروعها التآمري ومواجهة التحديات التي قد تطرأ عليها بشكل تحوّل فيه الأزمات إلى فرص تحاول من خلالها تحقيق المزيد من المكاسب.
ومن الشواهد التاريخية على ذلك هو (صناعة الهولوكست) وتحويلها إلى معاناة يهودية أُلْبِسَت بلباس الإنسانية وإعطائها بعداً إنسانياً وتوظيفها في إطار تنفيذ مشروعها التوسعي وتقديم نفسها لخدمة المشاريع الاستعمارية والاستكبارية والمصالح السياسية للنخبة من اليهود الأميركيين الذين تتوافق مصالحهم مع مصالح السياسة الخارجية للحكومتين الأميركية والبريطانية.
وقد فصّل الكاتب اليهودي نورمان فنكلشتاين ذلك المشروع التآمري في كتابه «صناعة الهولوكست» حيث أظهر حجم المؤامرة على اليهود المعادين للحركة الصهيونية، وكانوا ضحايا محرقتها التي قام على أنقاضهم الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة.
هذا ما أكده أيضاً هينيكيه كاردل مؤلف كتاب «هتلر مؤسّس إسرائيل»! العلاقات السرية بين هتلر والحركة الصهيونية لتأسيس الكيان الصهيوني، مشيراً إلى أنّ هتلر، نال التهنئة فور تسلّمه الحكم، من لومنفلد رئيس الحزب الصهيوني في ألمانيا، ثم وقع اتفاق «الترانسفير» مع الوكالة اليهودية الصهيونية لإرسال 60 ألف يهودي ألماني مع عائلاتهم للاستيطان في فلسطين، وعوّض لهم عن ممتلكاتهم في ألمانيا ببضائع ألمانية.
ثم ألغى جميع المنظمات والأحزاب اليهودية في ألمانيا، ما عدا الحزب الصهيوني. كما عيّن مسؤولين صهاينة في معسكرات اعتقال اليهود في أوروبا – منهم مناحيم بيغن مسؤولاً عن معتقل يهود بولونيا – وبذلك اشترك الصهاينة معه في قتل «اليهود المعادين للصهيونية» الذين قضوا في المحرقة.
أُنْجِزَت المرحلة الأولى من مشروع قيام الكيان الصهيوني بعد نكبة 1948 بارتكاب الكيان الصهيوني المجازر بحق الشعب الفلسطيني، ومصادرة أراضيه وشن حملات الاعتقال وتشريدهم من ديارهم وتهجيرهم قسرياً خارج فلسطين،
في المرحلة الأولى تولى دافيد بن غوريون العقل المدبّر والزعيم الرئيسي للمشروع، وفي المرحلة الثانية من حرب الإبادة يقود الدموي نتنياهو الذي يعتبر نفسه الوصي الثاني المنفذ للمشروع الصهيوني، ولذلك يحظى بدعم غير مسبوق من الولايات المتحدة والغرب والمجتمع الدولي. وما الدعم الذي تقدمه إدارة بايدن لوحش المجازر نتنياهو وتقديمه للعالم على أنه رجل سلام، سوى استكمال لمشروع السيطرة على فلسطين بالكامل وتنفيذ المرحلة الثانية من المشروع الصهيوني، والتي تستهدف احتلال فلسطين بأكملها وجعلها كياناً صهيونياً بالكامل، وكي يتمكن الكيان الصهيوني المزعوم تحقيق هذا الحلم عليه إخلاء غزة واحتلالها بالكامل وتهجير سكانها إلى سيناء، وتفريغ الضفة الغربية ونقل الفلسطينيين إلى الأردن، وبعد ذلك يكون أمامه شيء أخير لتحقيق هدفه بخلق مجتمع يهودي وهو تهجير عرب 48، وهذا ما تخطط له الحركة الصهيونية وما يسعى إليه نتنياهو.
في الوقت الذي يتعرّض المدنيون في غزة لإبادة جماعية على مرأى ومسمع من العالم، يقوم الكيان الصهيوني المحتلّ بمصادرة الأراضي في الضفة الغربية، وقد كشف رئيس حكومة السلطة الفلسطينية محمد أشتيه بمصادرة قرابة 60 ألف دونم من حيّز الضفة الغربية.
وما يفعله الكيان الصهيوني سواء بالضفة أو بغزة، أو على المنطقة الحدودية بين مصر وفلسطين يُنَفَّذ بالتنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتتضمّن المرحلة الثانية من المشروع الصهيوني بُعداً جغرافياً واسعاً، حيث لا تقتصر فقط على فلسطين وغزة والضفة، بل تتعدّى لتشمل دولً ًتحدّها، وسيكون لها بُعداً اقتصادياً وثقافياً وربما سياسياً، بالإضافة إلى مشاريع السياحة والملاحة والطاقة، والتي تشهدها دول المنطقة وصحراء سيناء.
وفي حين يرى الإرهابي نتنياهو أنّ الوقت مناسب جداً لتصفية القضية الفلسطينية، وهو يحاول استغلال عملية طوفان الأقصى لكسب الدعم الأميركي والغربي، في سيناريو أشبه ما يكون باستغلال الهولوكوست او تفجير سفن اليهود على أيدي عصابات الهاغاناه وشتيرن وغيرها من منظمات الإرهاب الصهيوني. وهو ما قام به نتنياهو في غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023 وما تكتم عنه الإعلام العبري عن إقدام جيش العدو على قتل الآلاف من مستوطنيه وارتكاب جرائم اغتصاب بحقهم وسرقة منازلهم في محاولة لتضليل الرأي العام تبريراً لارتكاب المزيد من المجازر بحق الشعب الفلسطيني بعيداً عن إطلاق سراح أسرى الكيان التي يرفعها نتنياهو شعاراً لعدوانه يحمل عنوان تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي…!