حدود العلاقة بين أميركا والكيان الصهيوني بعد «طوفان الأقصى…
د. جمال زهران*
ليس هناك من شك، في تلك العلاقة العضوية بين أميركا والكيان الصهيوني، ولذلك فإنّ الحديث حول مَن يقود مَن؟! أو مَن يحكم الآخر؟! هو نوع من العبث، وضياع الوقت، حيث لا يرى أصحاب هذا الرأي أو ذاك، تلك العلاقة العضوية بين الطرفين، وهم في الأصل طرف واحد. ونذكر بأنّ هذا الكيان الصهيوني، هو مشروع استعماري بدأته بريطانيا (الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس نظراً لامتدادها الجغرافيّ في العالم وبالتالي فهي سيّدة البحار)، ثم تسلمته أميركا، بعد انهيار بريطانيا وخروجها من صدارة النظام الدولي، وهي تحاول إثبات وجودها مع فرنسا، إلا أنها انكسرت وانهارت في عدوانها الثلاثي (بمشاركة الكيان الصهيوني) على مصر، وفي بورسعيد خاصة فكانت الهزيمة، وكان الخروج النهائي من النظام الدولي مع القوى الدولية القديمة، لتحلّ محلها قوتان هما: الاتحاد السوفياتي وأميركا.
وقد تأسس هذا المشروع الصهيوني، لتحقيق أكبر هدفين استراتيجيين، هما:
الأول: الحيلولة ضد تحقيق الوحدة العربية، وأن تكون خنجراً مسموماً في ظهر الأمة العربية، بحيث تظلّ الدول العربية بحدودها الاصطناعيّة التي رسمها الاستعمار التقليدي، مشتتة ومتفرّقة، وبحيث تظلّ هذه الوحدات السياسية العربية ضعيفة، لتكون صيداً سهلاً، للسيطرة الاستعمارية عليها ونهب مواردها بسهولة، والسيطرة على المنطقة وهي الواقعة وسط العالم، وحلقة اتصال بين الشرق والغرب، تأكيداً وترجمة لما رآه العالم الأميركي ماكيندر، الذي رأى أنّ من يسيطر على قلب العالم (المنطقة العربية والشرق أوسطية)، يسيطر على العالم كله. إذن فالسيطرة على هذه المنطقة هدف استراتيجي للاستعمار الغربي (أميركا وأوروبا الغربية)، ويحقق الكيان الصهيوني ذلك الهدف.
الثاني: الحيلولة دون تقدّم ونهضة هذه المنطقة، وإعاقة استدعاء إسهاماتها الحضارية، وقيادة الحضارة وقيادة العالم الثالث، بحيث يظلّ التخلف والاستهلاك هو سمة هذه المنطقة، ليظلّ التقدّم والإنتاج والرفاهية من حظ العالم الغربي. وهذا يفسّر لنا، التآمر الغربي الاستعماري على أيّ مشروع نهضوي في الإقليم (إجهاض تجربة مصر/ عبد الناصر – نموذجاً)، ومحاولة إجهاض تجربة إيران الثورة منذ 1979م، وحتى الآن – نموذجاً حالياً). ويلعب الكيان الصهيوني، الدور الحاسم في تحقيق هذا الهدف، أيضاً، ومن آليات ذلك: الحروب المستمرّة التي لا تنتهي من 1948م (عام النكبة وإعلان ميلاد دولة الكيان)، وحتى الآن، بالحرب على غزة، وأيضاً الفتن بين دول المنطقة وفعاليتها السياسية، وزرع العملاء على كافة المستويات بتأميم بعض الحكام، وأيضاً رموز سياسية في كلّ قطر عربي وشرق أوسطي!
ولذلك ليس من الخافي، أنه لا يزال الكيان الصهيوني، منذ نشأته غير الشرعية، بقرار الأمم المتحدة (181) لعام 1947م، يحمل شعار «من النيل إلى الفرات»، رغم أنّ هناك معاهدات «سلام» مع دولتي جوار هما: مصر والأردن! مما يؤكد أنّ هذا الكيان هو مشروع استعماريّ تحت غطاءات دينية كاذبة وخادعة، ولا أصل من سرديّاتهم المطروحة…
تلك هي الخلفية الواجبة لفهم ما يحدث في ما بعد مفاجأة المقاومة في 7 أكتوبر، بعمليّة «طوفان الأقصى» وإنجازاتها غير المسبوقة ضد الكيان الصهيوني، وكشف ذلك انكشاف هذا الكيان وضعفه العسكري والاستخباري، وأضحى الحديث عن انهياره الوشيك والسريع، والعودة بفلسطين المحتلة إلى التحرر والاستقلال، لما قبل إنشاء هذا الكيان الاستعماري، حديثاً واضحاً ومباشراً ومكشوفاً وعلنياً، بشكل غير مسبوق.
وتفسّر ذلك، تلك المسارعة للرئيس الأميركي (بايدن)، بزيارة عاجلة إلى الكيان الصهيوني، لإعلان تضامنه مع حكومة نتنياهو، ومجلس حربه، والالتقاء بهم، ودعم حربهم ضد الفلسطينيين في غزة، ومن بعده جاء رئيس وزراء بريطانيا، ورئيس فرنسا، ومستشار ألمانيا، ورئيسة وزراء إيطاليا، وآخرون، لإثبات تضامنهم، مع مشروعهم الاستعماري، الضامن لمصالحهم! لاستشعارهم بخطورة ما حدث ويحدث، حيث إن مشروعهم دخل مربع الانهيار، وبدأ الجميع تنكشف أوراقه في الإقليم، بل وفي العالم. وتحرّكت البوارج الأميركية والبريطانية وغيرها، إلى البحر المتوسط والأحمر ومضيق هرمز، للتهديد والتخويف والردع، بحيث ينفرد الكيان الصهيوني، بغزة حتى الإبادة، بوجه مكشوف، وتتوالى مشروعات التهجير القسريّ لمن لم تتمّ إبادتهم، إلى الدول المجاورة مباشرة ودول أخرى إذا لزم الأمر! وأعلن الرئيس الأميركي أنه «صهيوني» وداعم للكيان بصورة مطلقة! ولم يخجل وزير خارجيته (بلينكن)، أنه ليس يهودياً فحسب، بل هو «صهيوني»، ويفتخر! ولذلك فإنّ جيش الاحتلال الصهيوني قام بحرب إبادة جماعيّة غير مسبوقة ضدّ شعب غزة، راح ضحيتها مئة ألف (شهيد وجريح) وأكثر! وفشل المجتمع الدولي في إيقاف المجازر، نتيجة لإساءة استخدام أميركا لـ «حق» النقض الفيتو في مجلس الأمن، فضلاً عن أن ما يفعله الكيان يأتي تنفيذاً للإرادة الأميركية. فأميركا دعمت الكيان الصهيونيّ بنحو (250) طائرة عسكرية تحمل معدّات حرب، ونحو (50) سفينة ناقلة لمعدّات حرب. إلا أنّ المقاومة الباسلة في غزة، والساحات العربية المختلفة في لبنان وجولان سورية والعراق واليمن، لعلها كانت الرادعة والجابرة على التراجعات، حيث إن «طوفان الأقصى» هو المقدمة لانهيار الكيان الصهيوني، كمشروع استعماريّ، وغداً سنرى…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية،
جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية