هل يدفع الواقع إلى خيارات نضالية كبرى؟
خضر رسلان
هناك وقائع لا بدّ من مراعاتها في مسار الاتجاهات الناتجة عن أحداث غير متوقعة ومفاجئة، يمكن أن تؤدي إلى تداعيات تبعاً لمتغيّرات لم تكن في الحسبان من الأساس؛ كحال طوفان الاقصى الذي قلب صورة المشهد السياسي سواء في الداخل الفلسطيني او في الإقليم وحتى على مستوى العالم رأساً على عقب، ما جعل عملية استشراف المستقبل مرتبطة بشكل كامل بمآلات وتداعيات طوفان الأقصى وموازين القوى ونتائج المواجهات الدامية وقدرة المقاومة على الصمود وإسقاط أهداف العدو الصهيوني ومن خلفة المنظومة الغربية الحليفة لها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
بناء على الوارد اعلاه وعلى اثر المتغيّر الاستراتيجي والنوعي الذي نتج عن عملية طوفان الأقصى وما أعقبها من تحالف غربي وحشي أريدَ منه تحطيم العنفوان الفلسطيني الذي أراد استرجاع حقه المهضوم منذ عشرات السنين سواء في اقتلاعه من أرضه او سفك دمه وزجّ الألوف منهم في غياهب السجون. فكانت عملية طوفان الأقصى التي أفرزت مشهداً مغايراً خطوطه متقابلة ومتوازية لا يمكن بأيّ شكل من الأشكال إيجاد قواسم مشتركة في ما بينها. ويتأتى ذلك من خلال تحديد الأهداف الاستراتيجية الأعلى لكلّ طرف من أطراف الصراع المركزية وهي: فلسطين والقوى المساندة لها، والكيان »إلاسرائيلي» وحلفاؤه وهي كالتالي:
1 ـ المقاومة الفلسطينية والقوى المساندة لها لإعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، سواء عبر استعادة الأرض او عودة اللاجئين، وهذا أمر مشترك تجمع عليه المقاومة والقوى المساندة لها من دول وشعوب مناهضة لقوات الاحتلال الاسرائيلي.
2 ـ الكيان «الإسرائيلي» وحلفاؤه؛ رغم ان التطابق كامل في معظم القضايا بين الصهاينة والغربيين لا سيما في ما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني وعلى رأسها العمل على اجتثاث أيّ شكل من أشكال المقاومة المسلحة التي تجهد لطرد الاحتلال «الإسرائيلي» من الأرض الفلسطينية، الا أنّ هامش التباين الضيّق يبرز في التوجه العام لدى الكثير من الدول على إنجاز مشروع الدولتين دون الاتفاق على الشكل والمساحة زاعمين انّ إنجاز تسوية ما سينعكس إيجاباً على ديمومة الدولة الغاصبة من خلال تعزيز شبكة الأمن لها بعد إنجاز مشاريع التطبيع الذي يُراد من خلالها «أن تصبح «إسرائيل» عنصراً طبيعياً في المنطقة»!
3 ـ طوفان الأقصى واستشراف المستقبل؛ في قراءة للسياق التاريخي الذي نتج عن اتفاقية أوسلو سنة 1993 مروراً بمعاهدة وادي عربة سنة 1994، وصولاً الى المبادرة العربية التي طرحتها السعودية سنة 2002، والتي تضمّنت «الاعتراف والتطبيع العربي الكامل بـ»إسرائيل» مقابل دولة فلسطينية»، فإنّ الشعب الفلسطيني رأى بأمّ العين اللقاءات السرية والعلنية التي جرت دون قيام الدولة الفلسطينية، فضلاً عن هرولة العديد من الأنظمة العربية الى التطبيع مع «إسرائيل» في تحدٍّ سافر للمشاعر الوطنية الفلسطينية، وهذا ما أدّى الى بروز اتجاه معاكس يتمثل في بروز قوى شعبية تشبّثت بخيار المقاومة والكفاح المسلح مدعومة من حاضنة شعبية مناهضة لأيّ علاقة أو تطبيع أو تقديم تنازلات عن حبة تراب من أرض فلسطين التاريخية.
وقد شكلت عملية طوفان الأقصى حركة اتجاه فلسطينية أرادت نقل المواجهة من يد دول التطبيع وصفقة القرن واتفاقيات ابراهام إلى يد الحركات الشعبية المسلحة التي تحظى بتأييد شعبي واسع، اعتبرت الرهان عليها سبيلاً وحيداً لاسترجاع الحقوق المهدورة،
في الوقت الذي اعتبر الشعب الفلسطيني وأحرار العالم انّ عملية طوفان الأقصى بمثابة إعادة الروح الى فلسطين القضية والهوية، وإعادة طرح قضيتهم العادلة في كلّ بلاد العالم، فإنّ الصهاينة تعاطوا مع الحدث على أنه خطر وجودي أصاب مشروعهم في الصميم، حتى انّ البعض منهم اعتبره خطوة سريعة نحو الخراب الثالث، ما حدا بهم الى شنّ عدوان وحشي بغطاء اميركي وغربي ادّى ولا يزال إلى تدمير الدُّور والمساكن (المرافق الطبية من مستشفيات وصيدليات، والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس)، ومساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، وتدمير مصادر المياه وتسرّب شبكات الصرف الصحي، إلى جانب الخسائر البشرية التي أصابت مئات آلاف من الأطفال والنساء، إلى جانب توقف حركة الحياة عن قطاع غزة بشكل شبه تامّ.
والسؤال الذي يطرح نفسه… ماذا بعد؟
شعب فلسطيني محاصر وأرضه محتلة رغم وجود قرارات دولية منذ منتصف القرن الماضي على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف، وسفك دماء لعشرات الألوف وتدمير المستشفيات وتجاوز الحقوق الطبيعية للإنسان؛ وكلّ ذلك الظلم والطغيان بدعم من الدول الغربية وسكوت من دول شقيقة وقريبة، ورغم كلّ ذلك يأتي من يضغط عل الشعب الفلسطيني وقواه الحية المسلوبة أرضه والمنتهكة حقوقة الى الاستسلام والإقرار بالهزيمة وتقديم فروض الطاعة.
لا شك انّ قراءة التاريخ في الكثير من الأحيان تكون لأخذ العبر منه ومن خلاله يتمّ استشراف المستقبل، وفي تاريخنا نماذج حية عبّر عنها مناضلون على مثال وديع حداد وليلى خالد وآخرين سلكوا خيارات الضرورة لرفع الحيف والظلم عن شعبهم بعدما رأوا الآذان صماء وما أشبه الأمس باليوم…