مصيره بأيدي أبنائه
بشارة مرهج*
رغم المخاطر الكبيرة التي تطرحها السياسة الإسرائيلية المصمّمة، بلسان قادتها العنصريين وممارساتهم الدموية، على تهجير الشعب الفلسطيني الشقيق من أرضه باتجاه مصر والأردن وسورية ولبنان، لا نشهد تنسيقاً جدياً بين هذه الدول الشقيقة لجبه هذه المخاطر الماثلة مع أنّ المصلحة القومية، كما مصلحة كلّ قطر، تقضي بالتصدّي لهذه السياسة العدوانية وتطويقها، وإذا أمكن شلها، قبل أن تتحوّل الى واقع مرير، أو بالأحرى الى نكبة ثانية تحتاج الى جهود أكبر وموارد أكثر لمواجهتها وإزالة آثارها على مختلف الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
وفي ما خصنا في لبنان فإنّ المشهد السياسي – الاقتصادي المتدهور لا يشي بأية مبادرة لإجراء حوار لبناني – لبناني يبحث الخطر «الإسرائيلي» على لبنان لاستيعابه وردعه، خاصة في ظلّ تدحرج هذا الخطر المتزامن مع انحياز واشنطن الكامل، سياسياً ومالياً وعسكرياً، الى جانب الكيان الغاصب وتشجيعه على سحق غزة وتهويد فلسطين وتفكيك الدول والمجتمعات العربية وتحويلها الى مجرد كانتونات متنازعة تتسابق لتقديم التنازلات وطلب المعونة من واشنطن وتل أبيب.
أنه لأمر سيّئ جداً أن لا يبادر لبنان الرسمي والحزبي والشعبي والنقابي الى إجراء الحوار المرتجى، لكن الأسوأ من ذلك كله هو ما يطلّ علينا اليوم من مواقف وحوارات يسودها التطرف والمزايدات التي تتطاير شظاياها في وسائل التواصل الاجتماعي وتترك آثارها المؤذية على الوحدة الوطنية والجهود التي يجب ان تبذل لتمكين لبنان من الخروج من المعمعة بأقلّ خسائر ممكنة، رغم النوايا السيئة لكلّ من واشنطن وتل أبيب ولندن وحلفائهم الذين يستخدمون هذه الحرب ضدّ غزة وفلسطين لتعزيز سيطرتهم على المنطقة وحماية مصالحهم الستراتيجية فيها وحولها، خاصة في ما يتعلق ببسط النفوذ الصهيوني على المنطقة الممتدة من الهند الى المغرب، وصدّ النفوذ الصيني وتشديد الحصار على روسيا.
إنّ غياب الحوار في لبنان وفي هذه اللحظة التاريخية بالذات يضرب الحياة السياسية الوطنية في الصميم ويؤدّي الى تفشي البغضاء بين أبناء الوطن الواحد ويفضي الى استيطان التعصّب في النفوس. ولا يخفى على نبيه او مخلص لبلده أنّ التعصّب شرّ على أصحابه، مثلما هو شرّ على المجتمع وكينونته واستقراره. وإذا كان التعصّب يطرد المنطق ويهدّد التواصل بين الناس، فإنه الى ذلك يطلق الغرائز ويؤجّج الخلافات ويستحضر الفتن، وكلّ ذلك اختبرناه في حربنا اللبنانية وتألّمنا منه وتضرّرنا، ولا نزال حتى اللحظة نعيش ارتداداته ومفاعيله السلبية.
انّ الوقت الآن ليس للصراع الداخلي حول لبنان وانتزاع الحصص من كيانه المتهالك واقتصاده المنهوب من الفئات الحاكمة، إنما الوقت الآن هو للتفكير والعمل لحماية هذا البلد المشرق من عدو لا يقيم وزناً للدول وحقوقها ولا يتوقف عند المؤسّسات الدولية ومواثيقها ولا يتورّع عن معارضة حلفائه وتقريعهم إذا حاولوا إبداء بعض الملاحظات على سياساته أو ممارساته.
فإذا كانت «إسرائيل» تتصرف على هذا النحو مع أصدقائها وحلفائها فكيف يكون تصرفها إذن مع دول صغيرة تحترم نفسها وتتشبّث بأرضها وتتمسّك بسيادتها كلبنان؟!
انّ «إسرائيل» لا يمكن صدّ عدوانها أو تبديد أطماعها بالكلمات والرسائل والتوسّل. هكذا هي منذ تأسيسها وبحكم تكوينها لا تعرف غير الإساءة للناس من حولها وحتى للناس من «رعاياها».
وإذا كان للبعيد عن البركان ان يستبعد – افتراضياً – الخطر الذي يتهدّده فلا عذر للبنانيين ان يطمروا رؤوسهم في الرمال والخطر ماثل على حدودهم وفي عقر دارهم.
فمن أحب لبنان فعلاً دافع عنه بوجه من يستخدم الحديد والنار لإخضاع الشعوب وقتل أطفالها وحرق مستشفياتها ونهب خيراتها ومصادرة حقوقها. ومن أحب لبنان زرع المحبة في ربوعه وأشاع الالفة بين أبنائه، ورسخّ الوحدة بين أطيافه، فوحدة لبنان هي المنطلق لدحر كلّ عدوان وهي الأساس في كلّ نهوض وتقدم واستقلال.
*نائب ووزير سابق