الناشط الاجتماعي ناصر عجمي لـ “البناء”: لبنان لن يستقرّ ويزدهر قبل تغيير نظامه الطائفي الذي رسّخ ذهنية الفساد والمحاصصة والمحسوبيات
علي بدر الدين
أكد الناشط الاجتماعي المغترب ناصر عجمي “أنّ إنقاذ لبنان يكون ببناء الدولة المدنية القوية العادلة، وأنّ الفراغ الرئاسي هو مسؤولية جميع الأفرقاء، وإنْ كانت بنسب معينة، وكذلك الاصطفاف الطائفي والسياسات الكيدية الطائفية البعيدة كلّ البعد عن الانتماء الوطني.
واعتبر عجمي في حديث لـ “البناء” أنّ المسؤول عن تعطيل الحلول هو كلّ من يرفض الحوار، وشدّد على وجوب مساندة ومؤازرة القضية الفلسطينية لأنها قضية إنسانية وأخلاقية وقومية ودينية.
وهنا نص الحوار مع الناشط ناصر عجمي:
*ماذا عن رحلتكم الاغترابية التي إمتدت قرابة 27 عاماً؟
ـ لم تكن سهلة رحلتي الاغترابية وصولاً الى برّ الأمان الاقتصادي والاجتماعي، فحالي كحال كلّ المغتربين، هناك صعوبات وتحديات كبيرة وطريق غير معبّد، وبالتأكيد ليس مزروعاً بالورود بل مجبول بالشجن والشوق الى الوطن الأمّ، والمغترب يعيش مرارة الغربة وتبعاتها والحنين الى الأهل والوطن في آن واحد.
*كيف تنظرون إلى أوضاع الجاليات اللبنانية في أفريقيا في ضوء تضاعف أعداد الوافدين من لبنان بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة؟
ـ مع الشكر الجزيل للبلاد التي نعيش فيها في أفريقيا والتعايش الحاصل مع شعوبها الا أنّ وضع أبناء الجاليات اللبنانية يجب أن يتحسّن عبر تقديم كلّ الدعم اللازم على مستوى تطوير العلاقات مع الدول المضيفة ورفع تمثيلها الديبلوماسي وتحسين وضع السفارات في الانتشار اللبناني الأفريقي. رغم أنّ هذا الكلام في الوقت الحالي لن يجدي نفعاً لما يمرّ به وطننا الغالي من أزمات، لكن عند عودة الأمور إلى وضعها الطبيعي يجب أن يكون هذا التحديث أولوية لما يمثله الجناح الاغترابي من أهمية لصالح وطننا.
والجاليات تبذل جهداً في استيعاب الأعداد الكبيرة التي هاجرت مؤخراً وبعد الأزمة الاقتصادية الحادة التي عصفت في البلاد لتأمين فرص عمل، ولكن يبقى العبء كبيراً جداً وخصوصاً مع إمكانيات السفارات المتواضعة كما ذكرنا، وهنا يجب التكافل والتضامن بين أبناء الجاليات لكي يتسنّى مساعدة أكبر عدد ممكن من الوافدين الجدد وعدم استغلال ظروفهم الصعبة من ناحية الأجور، لأنه وللأسف، هناك من يستغلّ هذا الظروف كحجة لطرح أجور متدنية وهذا عمل غير أخلاقي. وهنا لا بدّ من توجيه الشكر للبلاد الأفريقية الحضن الدافئ لكلّ الجاليات اللبنانية.
الفراغ الرئاسي
*من برأيكم يتحمّل مسؤولية الفراغ الرئاسي والشلل الحاصل في لبنان؟
-الفراغ الرئاسي مسؤولية جميع الأفرقاء في السلطة وفي المعارضة، وكلٌّ منهم يتحمّل مسؤولية بنسبة معينة، ولكن جوهر الخلاف وعدم التوافق على المواضيع الأساسية هو عدم الثقة الموجودة بين الأحزاب اللبنانية التي تمثّل أغلبية الشعب اللبناني الناتجة عن الاصطفاف الطائفي الذي يمثله النظام اللبناني .
إنّ الشلل الحاصل هو نتيجة سياسات كيدية طائفية بعيدة كلّ البعد عن الانتماء الوطني، فالكلّ في لبنان يحب لبنان ولكن على طريقته وبأسلوبه، والكلّ يرى أنه محق وإذ بالشعب هو المخطئ والخاسر الوحيد. ولا يمكن أن يكون مستقبل لبنان مشرقاً ومستقراً من دون تغيير جذري لأصل العلّة ألا وهو تغيير النظام الطائفي الموجود الذي رسّخ ذهنية المحسوبيات والمحاصصة وشرّع السرقات و”ستر” على الرشاوى وحمى “الزعران” والتي أوصلتنا الى هذا الانهيار الكامل.
إنّ الشعب اللبناني مبدع وخلاق ويتعايش مع أزماته ولكنه أُبتليَ بحكام لا يملكون الحدّ الأدنى من الرحمة والضمير الحي، ومع الأسف تأقلمت غالبية الشعب مع فكرة المحسوبية الطائفية على حساب الوطنية والدولة المدنية القوية العادلة التي تمثل كلّ أبناء الشعب وتضع الشخص المناسب في المكان المناسب ضاربة بعرض الحائط إنتماءه الديني والطائفي.
*برأيكم من هي الجهات المسؤولة عن تعطيل الحلول وتفاقم الأوضاع في لبنان؟
ـ المسؤول عن تعطيل الحلول هو كلّ حزب أو كلّ سياسي يرفض الحوار ولا يقدّم بديلاً عن الأفكار الرجعية التي تصبّ في معاداة طرف وركن شعبي أساسي وأي حلّ وطني ينسجم مع الواقع الذي نعيشه والمحيط الذي من حولنا وخصوصاً الأخطار التي تهدّدنا من قبل العدو “الإسرائيلي” في كلّ يوم.
هذه العقلية هي التي تهدّد بين الحين والآخر وحدة لبنان وسلمه الأهلي لأنها تتمنّى شيئاً وتخاطب الناس بشيء آخر قريب الى الوهم، فنرى الكثير من الأطراف السياسية في لبنان تتمنّى العيش في سلام ولكن لا تبذل جهداً لتسليح الجيش اللبناني على سبيل المثال لا الحصر، أو تتمنى دولة القانون والمساواة ولكنها غير مستعدة للتنازل عن الإرث الطائفي. هذا التناقض طبعاً مع إشكاليات وتعقيدات كبيرة وكثيرة غيرها هو أساس الشرخ الحاصل بين أبناء الوطن والأحزاب والكتل السياسية.
لا فصل بين لبنان وفلسطين
*في ظلّ الأوضاع السياسية والاقتصادية وتطورات الاشتباكات مع تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية إلى العمق اللبناني، هل يمكن فصل الأزمة اللبنانية عن حرب الإبادة التي يعانيها الشعب الفلسطيني؟
ـ لا يمكن الفصل بين ما يحدث حولنا من تطورات وأحداث عن الداخل اللبناني، ولكن مع الأسف بلغنا منحى خطيراً من عدم التوافق، ففي كلّ موضوع سيادي يجب أن تكون الطبخة خارجية، وأصبح الأمر جهاراَ بطريقة معيبة لا تشبه الحدّ الأدنى من السيادة الوطنية.
وفي ما يتعلق بما يجري في فلسطين الحبيبة وما يواجهه شعبها الأبي الصامد، وخصوصاً أحداث غزة الأخيرة وما يجري عليها من حرب إبادة، أقول انه على كلّ إنسان على هذه المعمورة مسؤولية مساندة القضية الفلسطينية فكيف بالمسلمين والعرب فهي بلا شكّ قضية إنسانية أخلاقية قومية دينية، ولها تداعيات على الداخل اللبناني وخصوصاً مع انخراط المقاومة في مؤازرة القضية الفلسطينية، ولكن لو توفرت الإرادة بالتصحيح لاستطعنا إيجاد الحلول لأزماتنا الداخلية في موازاة ما يجري من حولنا، بدءاً من موضوع أموال المودعين، الجريمة المالية الكبرى التي زلزلت لبنان وضربت قطاعه المصرفي وكان المغتربون ضحيتها الكبرى. فهل بدأنا بوضع خطة لعلاج المشكلة بعد أربع سنوات وأكثر على انكشاف الأزمة؟
الجواب هو “لا” لأنّ الإرادة وقرار المحاسبة غائبين
والرغبة في التغيير مصادرة.
*بصفتكم مؤسس مركز راشد عجمي الخيري الاجتماعي ما هي الخطوات المقبلة في شأن تطوير خدمات المركز الذي افتتحته مع عائلتك قبل سنوات؟
ـ نسعى لتطوير مركز راشد عجمي الخيري الاجتماعي بخطوة جديدة ومهمة جداً في “منطقة صور” تخص علاج الأطفال الذين يعانون من الاضطراب السلوكي ومشاكل التواصل والنطق، حيث وجدنا أنها حاجة ضرورية بعدما استهدفنا في خطوات سابقة أهلنا من المحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة، وسوف يعلن عن تفاصيل المشروع لاحقاً، وذلك لإيماننا بأنّ أيّ مال أو علم لا قيمة له ان لم يكن في خدمة الناس.
واخيراً هل من كلمة تودون توجيهها إضافة إلى المواضيع التي تطرقنا اليها؟
*على كلّ إنسان ان يسعى ويعمل قدر المستطاع فلا يكلف الله نفساً الا وسعَها، ولكن تبقى القاعدة انّ علينا العمل والله وليّ التوفيق.
في الختام نقول إنّ على المغترب السعي دائماً وراء لقمة العيش الحلال بعيداً عن الأرقام لأنها الأمر الأهمّ الذي يبعث على الفخر عندما نمضي في الطريق فننظر الى الوراء بلا ندم ولنكسب سمعة حسنة في الدنيا وجنة عرضها السموات والأرض.
حمى الله لبنان بجناحيه المغترب والمقيم.