مقالات وآراء

تصحيح الرواتب والعلاقة الجدلية بين الأجر وبدل النقل

 عباس قبيسي

إنّ تعريف العمل بشكل عام هو النشاط الذي يقوم به الشخص مقابل الحصول على راتب، والراتب هو المبلغ الذي يتلقاه الفرد مقابل العمل الذي يقوم به، وهو مبلغ محدد مسبقاً من المال يتم دفعه عادةً على أساس منتظم، بشكل يومي، أسبوعي أو شهري، ومن المهم أن يتم تعويض الأفراد بشكل عادل عن عملهم لضمان قدرتهم على تلبية حاجاتهم الأساسية وتأمين لقمة العيش ضمن مبدأ العدالة الإجتماعية، وهناك قدسية للعمل من أجل كسب لقمة عيش الحلال، وتختلف قدسية العمل من شخص لآخر، حيث يمكن للفرد أن يرى عمله كوسيلة لتحقيق أهدافه الشخصية والاجتماعية بالإضافة إلى أن بعض الأشخاص يرون في العمل فرصة لتحقيق الذات والتطور الشخصي والمهني والوصول لأعلى المراتب الوظيفية بحيث تلعب العديد من العوامل كمستوى الخبرة، المؤهلات الأكاديمية، والإمكانيات دوراً مهماً.
وبالعودة إلى العلاقة الجدلية بين الأجر وبدل النقل والفرق الحاصل في القطاع الخاص صدر عن مجلس الوزراء مرسوم رقم 12966 وأصبح نافذاً بتاريخ يوم الخميس 15 /2 / 2024 تحت عنوان «تعديل قيمة بدل النقل اليومي في القطاع الخاص ليصبح 450٫000 ليرة» عن كل يوم حضور بعدما قبضها موظفو القطاع العام في شهر أيار سنة 2023 أي منذ عام تقريباً، وعن الحدّ الأدنى للأجور في القطاع الخاص، صدر عن مجلس الوزراء مرسوم حمل الرقم 11226 في شهر نيسان سنة 2023 الذي نص على تعيين الحدّ الأدنى للأجور في القطاع الخاص بتسعة ملايين ليرة لبنانية، وبناءً على المرسومين الصادرين عن مجلس الوزارء وبمقارنة بسيطة أصبح بدل النقل اليومي للموظف في القطاع الخاص عبارة عن عشرة ملايين وثمانماية ألف ليرة شهرياً في حال حضر الموظف إلى عمله 24 يوماً، وراتبه حسب الحد الأدنى للأجور تسعة ملايين ليرة لبنانية، فأصبح بدل النقل الشهري أعلى من الحد الأدنى للأجور، وعليه يُطرح السؤال، هل يُعقل أن يقبض الموظف في القطاع الخاص بدل نقل شهري أعلى من راتبه؟ ويعتاش من أجره الشهري بأقل من بدل النقل هو وعائلته وأولاده ويسدد الضرائب التي فرضت على عاتقه في موازنة 2024 من الكهرباء التي زادت بحوالي 40 ضعف والهاتف والميكانيك 10 أضعاف وضريبة الدخل، والطبابة والتعليم والصحة على دولار 90٫000 ليرة في حين يقبض راتبه على 14000 ليرة تقريباً، علاوة عن ذلك، زادت الرسوم على كافة المعاملات الشخصية لدى المخاتير ودوائر النفوس، (إخراج قيد أصبحت تكلفته 500٫000 ليرة أي 100 ضعف زيادة) «سجل عدلي بحدود 500٫000 أي 125 ضعف»، بالإضافة تمت مضاعفة الرسوم البلدية بين 10 و20 مرة حسب ارتفاع الوحدة السكنية. وبالعودة خمسة أعوام إلى الوراء كان الحد الادنى للأجور في القطاع الخاص عبارة عن 450$ أو ما يعادله في حينها بالعملة الوطنية 675000 ليرة واليوم يكاد يصل راتب العامل الشهري 100$ حيث لا يكفيه لشراء طعاماً لحواضر المنزل وبحسب الدراسات الإقتصادية والمالية الحديثة تبيّن بأنّ الحدّ الأدنى للأجور يجب أن لا يقل عن 50 مليون ليرة لأن العائلة المكونه من أربعة أفراد بحاجة إلى هذا المبلغ لتعيش حياةً مقبولة، بعدما تجاوزت نسبة الفقر في لبنان بحسب بيانات البنك الدولي 74% وزادت نسبة التضخم 231% وفقدت الليرة من قيمتها الشرائية بحدود 90%.
إن زيادة الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص والرواتب في القطاع العام تعتبر واحدة من السبل الرئيسية لتحسين المستوى المعيشي للموظفين، وبحاجة لمراجعتها بإنتظام لمواكبة التغيرات في تكاليف المعيشة ومعدلات التضخم، ونسبة الغلاء.
إن من أهم أسباب زيادة الحد الأدنى للأجور والرواتب في الدول، هو المساعده على تسريع النمو الإقتصادي، وهي من أهم السياسات المرتبطة بقضايا العدالة الاجتماعية، التي تعَتبر ركيزة من الركائز التي تقوم عليها الأهداف الاجتماعية الأساسية عبر توفير العمل اللائق للعامل والحد من الفقر. وللرواتب آثار هامة على الإقتصاد الوطني، حيث إن الأجور المتدنية تنعكس سلباً على الإستهلاك الأسري وتنعدم لديهم القدرة الشرائية وبالتالي تخفض الطلب الإجمالي، ويؤدي إلى إنكماش في الإقتصاد، ويساهم في استمراره لفترة أطول، وتكتسب سياسات الأجور أهمية كبرى، إذ إنها تساهم في تقليص الفجوة بين الفئات الإجتماعية، وتلعب دوراً أساسّياً في عملية إعادة توزيع المال من خلال الدورة الإقتصادية، وعليه، تعتبر هذه السياسة طريقة فعّالة للحد من حالات عدم المساواة، ومعالجة الخلل الناتج عن الفروقات الواسعة في الأجور، وهي بذلك تسهم في جهود مكافحة الفقر في البلدان النامية وتوفر للعامل ولأسرته العيش الكريم ولو أعلى بقليل من مستوى خط الفقر.
وأما عن القطاع العام يجب البدء بدراسة سلسلة رتب ورواتب جديدة، والتي من الممكن أن تتلقفها الحكومة هذه الدعوة للمماطلة وشراء الوقت لأن الحل العادل لمعضلة الأجور، ليس كما تطرحه وزارة المالية على قاعدة «حارة كل مين إيدو إلو» أو أي إدارة أخرى، يجب إلغاء كافة الحوافز والمنح «والهدايا» التي أعطيت في الفترة السابقة بجميع مسمياتها لأنها لم تدخل بصلب الراتب ولا بتعويض نهاية الخدمة ولا بالراتب التقاعدي وإعطاء جميع موظفي القطاع العام النسبة التي يسمح بها القانون.
وفي الختام، إن تجاهل آلام الناس وحاجاتهم نوع من الكفر وصور أخرى من الإلحاد (السيد موسى الصدر). لبنان الغارق في أزماته والبعيد عن خطة نهوضه الشاملة متروك لوصفات وتجارب البنك الدولي، ولأرباب العمل لتضليل الرأي العام عبر الترويج للمظلومية اللاحقه بمؤسساتهم، وبث الذعر من إنهيار الليرة مرة أخرى، ويتحاملون على الطبقة الفقيرة وقضيتها العادلة ويسطون على ما تبقى من حقوق الموظف ومكتسباته بعدما بات يقف عارياً أمام متطلبات الحياة الداهمة، وما يطرح الآن من زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 15 أو 20 مليون ليرة لا يفي بالغرض المطلوب وهو «تنجيم» غير مبني على أي دراسة واقعية «بيع جوز فارغ» وعلى وزارة العمل والإتحاد العمالي العام مسؤولية كبيره لإنقاذ العامل وتمكينه من المحافظة على إستقراره النقدي والمستوى الإجتماعي اللائق وتعزيز قدرته الشرائية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى