أخيرة

آخر الكلام

شهادات في الأول من آذار
‭}‬ الياس عشي
في الرابع والعشرين من حزيران 2004 ألقى هشام شرابي محاضرة في نادي متخرّجي الجامعة الأميركية في بيروت، عنوانها: صورة شخصية عن قرب لأنطون سعاده.
كانت المحاضرة صورة پانورامية لشخصية رجل جاء ليغيّر، ويبني، ويؤسّس لأفق ضوئي آخر بعد ليل طويل رزحت تحت أجنحته الأمة السورية لقرون عدّة.
افتتح هشام الشرابي المحاضرة بقوله:
«أضاء سعاده سماءنا لحظة كالشهب، ثم اختفى. لكنه فعلاً لم يختفِ. ها نحن نحتفي بمرور مئة عام على ميلاده، وها نحن قد أتممنا جمع أعماله الكاملة في أحدَ عشرَ مجلداً نضعها في أيدي الأجيال الطالعة».
بعد هذه الافتتاحية يقدّم لك هشام الشرابي صورة تذكارية لأنطون سعاده يوم رآه للمرة الأولى:
«أذكر اليوم الذي شاهدته فيه للمرة الأولى، وكان لدى عودته من المهجر في آذار عام 1947، أيّ قبل انطلاق الثورة القومية الاجتماعية الأولى وإعدامه»،
ونحن اليوم، بعد مئة وأربعة وعشرين عاماً، ما زال أنطون سعاده الشعلة التي لا تنطفئ، وما زالت نبوءته «أنا أموت، وأما حزبي فباقٍ»، تتفاعل، وتتقمّص في أجساد المئات من الشهداء الذين اتخذوا من وقفات العزّ منبراً لهم، وسكنوا في عيوننا إلى الأبد.
وفي العودة إلى محاضرة هشام شرابي، أتوقف عند مقطع من خطاب العودة الذي ألقاه في بيت نعمة ثابت، يقول فيه هشام:
«كان الخطاب منعطَفاً سياسياً مهمّاً، فيه أقرّ سعاده بواقع استقلال الكيان اللبناني، وبالدولة اللبنانية، لكن دون التنازل عن مفهوم الأمة السورية. كما أكّد مركزية القضية الفلسطينية، والصفة القومية للصراع ضدّ الاستعمار الصهيوني».
إننا، نحن السوريين القوميين الاجتماعيين، رغم كلّ المؤامرات التي تُحاك لنا، ورغم كلّ الصعاب التي مررنا بها، وما زلنا نمرّ، ورغم الخلافات التي زعزعت بنيتنا، سنبقى، وسيأتي يوم نعيد لهذه الأمة «الصورة الشخصية عن قرب لأنطون سعاده، وللأمة السورية التي استشهد سعاده من أجلها».
***
في مقال «لو أنهم قرأوك» لمردوك الشامي في الأول من آذار ربيع 1996 نقرأ:
«ليس القصدُ أبداً احتفالاً طقوسيّاً نضيف عليه شمعة جديدة كلّ عام (…). لعلنا في الأول من كلّ آذار لا نحتفل فقط بولادة سعاده، بل بولادة عطشٍ إليه جديدٍ وشديد، بعد أن أشهرتْ كلُّ الينابيع تصحّرَها، وبعد أن أعلن الواقعُ الذي نعيشه انسحابه إلى اليأس. نحتاجه كي يلد ثانية، أرهقنا مخاضٌ لفرح مؤجل… نحتاجه اليوم أكثر من أيّ يوم مضى، وحولنا حرائق وأمم أسفرت عن مخالبها».
***
أيها الرفقاء… أيها المواطنون…
الاحتفال في الأول من آذار بولادة المعلّم يأتي هذا العام وسط معركة غزّة التي، منذ طوفان الأقصى، تقف على المنبر، وتعطي دروساً في مواجهة الموت، والجوع، والبرد، فيما «الآخرون» ساكتون، أو نائمون، حتى لا أقول: متآمرون.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى