«إسرائيل» تتحدّى العالم والقادة العرب هل من رادع لها…؟!
} د. عدنان منصور*
عند الاستحقاق المصيري، توحّدت الأحزاب والحركات السياسية «الإسرائيلية» المجتمعة في الحكومة أو المعارضة لها، داخل الكنيست، ليتبنّى قرار الحكومة الإسرائيلية، والذي رفض رافضاً قاطعاً الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة.
قرار حظيَ بتأييد ورضى «الإسرائيليين»، بعد استطلاع أجراه «المعهد الإسرائيلي للديمقراطية»!
وحدهم الحمقى في العالم العربي، الذين ظنوا يوماً أنّ «إسرائيل»، بعد اندفاع وهرولة، بعض الحكام والزعماء العرب إليها، وبعد تخليهم عن قضية الشعب الفلسطيني، وحقوقه المشروعة، ستوافق على إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
حكام وزعماء زايدوا على القضية، زحفوا على بطونهم الى الكيان المحتلّ، وأعطوه صكّ براءة في كلّ ما يقوم به ويفعله من جرائم ضدّ الإنسانية، وإبادة جماعية بحق الفلسطينيين.
جاء قرار الكنيست ليتحدّى العالم كله، بما فيه الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة، والمجتمع الدولي،
ومحكمة العدل الدولية، و»ثوابت» جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي. يتحدّى الكنيست الدولة العظمى المستبدّة، المنحازة، والراعية على الدوام لدولة الإرهاب، ويضع على المحكّ أيضاً صدقية الاتحاد الأوروبي، لا سيما الدول المؤيدة كلياً لـ «إسرائيل»، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا والمانيا. والأسوأ من ذلك، أنّ الكنيست وجّه صفعة ما بعدها صفعة لحكام وزعماء عرب، راهنوا على السلام الزائف مع «إسرائيل»، واستسلموا لسياساتها العدوانية الخبيثة.
أيها المطبّعون، الزاحفون، المهللون، المهرولون لإقامة «منظومة إبراهيمية» مع الكيان، ها هي «إسرائيل» تتحداكم في عقر داركم، تستخف بكم، غير مكترثة بقممكم، ومؤتمراتكم، واجتماعاتكم، وتصريحاتكم، وتودّدكم، ومواقفكم الهزيلة المخزية، التي لا تسمن ولا تغني من جوع. لقد ضربت بمبادرتكم للسلام عرض الحائط التي لا تساوي عندها الحبر الذي كُتبت به. ورغم ذلك لا زلتم تتمسكون بها، وتطرحونها في كلّ مؤتمر وقمة، ولم تقتنعوا بعد من شدة «فطنتكم»، و»بصيرتكم» أنّ «إسرائيل» لا تعير أي أهمية لكم ولمبادرتكم.
ها هي «إسرائيل» قرّرت نهائياً الإطاحة بفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، فما أنتم فاعلون معها يا «أصحاب» الكرامة والعزة، «الحريصين» على القضية؟! أين اتفاق أوسلو، ووعود الولايات المتحدة ووساطاتها، ومواقفها «النزيهة»؟! أين مواقفكم «العظيمة»، وقراراتكم السياسية الحازمة والمؤثرة؟! أين المقاطعة الاقتصادية، والتجارية والمالية؟! أين إغلاق الأجواء، والموانئ البحرية، والحدود البرية؟! أين قطع العلاقات الدبلوماسية مع هذا الكيان المجرم؟! إنْ لم تقطعوها اليوم فمتى تقطعونها؟!
أن تنحر قضية فلسطين على يد «إسرائيل»، فهذا ليس بمستغرَب. لكن من المستهجن أن يسكت البعض من العرب الذين تعانقوا مع العدو، وتعاونوا معه على نحرها، فيما هم مستمرّون في التطبيع معه في مختلف المجالات وكأنّ شيئاً لم يكن!
إنّ مواقف حكام وزعماء عرب، ولا مبالاتهم، وصمتهم المتعمّد إزاء الإبادة الجماعية، والجرائم الوحشية التي يرتكبها العدو ضدّ الفلسطينيين، تشكل وصمة عار على جبينهم. فيا ليتهم ورثوا عن الجاهلية بعض القيم الشجاعة. صحيح أنّ مجتمع الجاهلية لم يعرف عن جهالة، خالق الكون حتى أتاه اليقين. لكنه كان يتمسّك بكرامته ويتميّز بنخوته، وبنجدة بني جلده، ويعرف كيف يحفظ الديار، ويصون قبيلته، ويدافع عنها، وعن عشيرته في وجه كلّ غاز ومعتدٍ، ويحفظ الشرف والعرض لأبنائها.
فيا قادة وزعماء هذا العالم العربي المقهور! هل صنتم الأمة كما يجب، ودافعتم عن قضيتها وشعوبها، وحفظتم الأوطان من المحتلّ الذي يهدّدها كلها؟! أين أنتم من نخوة أبناء الجاهلية، ومؤازرة الشقيق لشقيقه، ودفاع الفارس عن قبيلته وعشيرته؟! غازلتم «إسرائيل»، فبادلتكم بغرس أسافينها في عقر دياركم وأنتم تهللون لتصريحات ونفاق زعمائها وسياسيّيها، ولم تحرّككم تهديدات، وجرائم قادتها السياسيين والعسكريين، واستهزائهم بكم، وسخريتهم منكم، وانتم كالذي على رأسه الطير!
غزة اليوم تُحاصَر، تُباد، تُستباح، تُخنق، تجوّع، ولا من ناصر ولا معين! تستنجد بكم علّها تجد فيكم بعض نخوة وشهامة وغيرة الجاهلية البائدة.
متى يجرؤ زعماء هذه الأمة على اتخاذ قرار شجاع يليق بهم وبشعوبهم، وبكرامتهم وكرامة أمتهم؟! ليت شهامة ونخوة الجاهلية تدبّ في نفوسهم من جديد، وتحرك فيهم ولو القليل القليل من وقفة عز وإباء! لقد وضعوا ثقتهم الكبيرة بـ «إسرائيل»، وشرعوا أبوابهم وحدودهم لها، وأتاحوا لها المجال كي تعربد دون وازع أو حسيب، وترتكب المجازر بحق الفلسطينيين، على مرأى منهم، دون أن يرف لهم جفن.
من سوء حظ فلسطين أنّ قادة الأمة عوّلوا على مجلس الأمن، وعلى الدول الكبرى.
والأنكى من ذلك، أنّ السلطة الفلسطينية علقت الآمال على الولايات المتحدة، وعلى زعماء الأمة وجامعتهم العربية، الذين أعربوا على مدار عقود عن «تضامنهم» و»اندفاعهم» و»وعودهم» و»التزامهم» بعدالة القضية الفلسطينية، و»حرصهم الشديد» عليها، وعلى حقوق الشعب الفلسطيني، بعد أن اعتبروها قضية العرب المركزية، فإذا بفلسطين تُضرَب من بيت أبيها، وعلى يد أشقائها.
لقد حملت القمة العربية بعد النكسة عام 1967 في الخرطوم اللاءات الثلاث: لا صلح، لا مفاوضات، ولا
اعتراف بـ «إسرائيل» وبعد ذلك أنقضّ البعض على اللاءات وزحفوا الى دولة الاحتلال للصلح معها، والمفاوضات والاعتراف بها. رغم كلّ ذلك، رفعت «إسرائيل» في وجه كلّ العرب ولا زالت، لاءاتها الست، لتقول لهم بكلّ استخفاف، واستعلاء، وعنجهية: لا للدولة الفلسطينية المستقلة، لا لعودة اللاجئين، لا لعودة القدس الى وضعها السابق، لا لوقف الاستيطان وإزالة المستوطنات، لا للعودة الى حدود عام 1967، ولا للتخلّي عن الجولان.
هذا هو قرار «إسرائيل» الحاسم الذي تتمسك به، لأنها تدرك أنّ المواقف، والقرارات الدولية في نهاية المطاف ستكون في خدمتها، في ظلّ غياب موقف وقرار موحد، في عالم عربي لا يعرف العديد من قادته وحكامه، إلا المزايدات والخلافات الدائمة، والعداوات المتأصّلة في ما بينهم.
فلسطين كانت في أيدي مَن لا يُؤتمنون عليها، حيث ساوموا، وتآمروا، ورضخوا للعدو دون مبرّر. وبسبب هوانهم وتخاذلهم، تراجعت القضية الفلسطينية، وقويت شوكة «إسرائيل»، ما جعل الفلسطينيين ومعهم العرب، ان يشهدوا على يد المحتلّ «الإسرائيلي»، مزيداً من النكبات والمآسي التي لا زالت حتى اليوم تتفاقم وتزداد، لتترك ذيولها وتداعياتها المأساوية الفظيعة على الساحة العربية، في حين يبقى حكام وزعماء عرب يستجدون من دولة القهر العظمى في هذا العالم، قرارات تخذلهم أكثر مما تنصفهم.
يا زعماء الأمة وقادتها! «إسرائيل» تتحدّاكم بقرارها، وتنزع النقاب عن وجوهكم وتضعكم أمام الأمر الواقع، والحقيقة المرّة، وهي تسدّد ضربتها عليكم، وتعرّي سياساتكم العقيمة. قولوا لنا ما أنتم فاعلون معها بعد اليوم؟!
لا تراهنوا على صدقية الولايات المتحدة، ولا على خبث وقذارة سياسة بريطانيا التي أنشأت الكيان المؤقت، ولا على مراوغة ووعود الاتحاد الأوروبي المعسولة، ولا على الذئب «الإسرائيلي» الذي سيستفرد بكم الواحد بعد الآخر عندما يحين الوقت.
يا قادة الأمة وزعماءها! الكنيست قال كلمته، ورمى في وجوهكم كلّ قممكم، ومؤتمراتكم، وقراراتكم، وعهودكم ومبادراتكم. فهل أنتم قادرون على ردّ صفعته بما يليق بكرامتكم وكرامة أمتكم وشعوبها، حتى لا يظنّ الذئب «الإسرائيلي» أنه طليق اليدين، يسرح ويمرح في أرض النعاج…؟!
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق.