بين العقوبات الاقتصادية والفضاء المجازي وتجنيد العملاء…
} د. محمد شادي توتونجي
أرسل لي رابط للتسجيل على صندوق معونات غذائية لجمعية لن أذكر اسمها ليس حرصاً عليها وإنما لكثرة انتشار مثل هذه الروابط والجمعيات في هذه الأيام، وفوراً قرّرت أن أشارككم بعض المعلومات التي أعتقد يقيناً أنها قد تكون مفيدة للجميع قبل التداول بين مجموعات التواصل الاجتماعي على تنوعها.
يا أهلنا وناسنا الأحباء هل تعلمون كيف تعمل هذه الجمعيات ولصالح مَن؟ وخصوصاً تلك التي تطلب تسجيل البيانات عبر الفضاء المجازي؟؟
هل تستطيعون أن تعرفوا إنْ كانت هذه الروابط بالأصل ليست روابط تهكير أو تحتوي فيروسات لزرع ملفات تجسّس في هواتفكم «الذكية»؟
هل أنتم متيقنون من مصداقية هذه الكيانات التي تراسلكم؟
وهل وهل وهل… هناك الكثير من الأسئلة التي يتوجب أن تخطر على بالكم قبل الإقدام على فتح مثل هذه الروابط أو مشاركتها مع أصدقائكم وأحبائكم.
حقيقة هذه الروابط وهذه الجمعيات «الخيرية» في أغلبها الأعمّ تعدّ أكبر وأسرع وسيلة لتشكيل قاعدة بيانات تفصيلية لأجهزة استخبارات العدو بحجة دعم الفقراء ومساعدتهم بسبب الحاجة والعوز والفقر التي وصلت إليه مجتمعاتنا بسبب الحروب الإرهابية التي شنّت على دولنا وصولاً إلى أقسى مراحل هذه الحروب وأكثرها إجراماً ألا وهي الحرب الاقتصادية المسماة اصطلاحاً «سلاح العقوبات الإقتصادية» التي تستخدم التجويع والإفطار كسلاح لتجنيد الفقراء واستدراجهم وتجنيدهم ليكونوا عملاء بالمجان ضد أوطانهم.
فما يسمّى بالعقوبات الاقتصادية هي نوع من أنواع الحرب بل أخبث وأدهى وأمرّ من الحروب العسكرية لأنها تتخذ صفة الإرهاب الجماعي الذي يستهدف مجتمعات بأكملها.
وعادة ما يستخدم العدو هذا الجيل من الحروب المركبة «ناعمة واقتصادية» بعد فشله في تحقيق إنجازات ميدانية عسكرية ليحاول الحصول عن طريق لقمة العيش إلى ما لم يستطع تحقيقه في الميدان.
طبعاً ويقيناً وواقعاً هذه العقوبات يكون لها تأثير بنسبة ليست بقليلة على المجتمعات المستهدفة، ولكن يمكن أيضاً الحدّ من تأثيراتها بنسبة أيضاً مقبولة عبر سياسات اقتصادية حكومية فاعلة تعتمد على نظرية الاقتصاد المقاوم التي أطلقها سماحة السيد القائد الخامنئي دام ظله الوارف والتي تعتمد على تحقيق الاكتفاء الذاتي وإرساء مفاهيم الأمن الغذائي والدوائي بل وحتى الصناعي والاعتماد على الموارد الطبيعية للبلاد من محاصيل زراعية ودعمها بشكل مطلق والاعتماد على الاقتصاد الإنتاجي وعدم تحويله إلى اقتصاد ريعي يعتمد على الجباية الأمر الذي يرفع تكاليف الإنتاج والذي سيؤثر مباشرة على المجتمع المستهدف بسبب ارتفاع الأسعار وعندها تفقد العملات الوطنية قدرتها الشرائية مما يؤدّي اضطراراً إلى زيادة ضخ العملة الوطنية بدون رصيد وتزداد الحالة تدهوراً وندخل في حالات التضخم ذات الآثار الأكثر سلبية على اقتصاد البلد المستهدف.
هنا الأمر يحمل مشكلة في ما بين سطوره لكثرة التقدّم على هذه الروابط – الجمعيات الخيرية – مما يعني أنّ الشعب فقير ويتمّ تجويعه وبالتالي يصبح لقمة سائغة لاستخبارات العدو وبأرخص الأثمان.
وهنا سوف نأتي للحديث عن الطرف الأكثر تأثيراً على المجتمع من العقوبات الإرهابية الاقتصادية على مجتمعاتنا ألا وهم دواعش الداخل الذين يتلاعبون بمقدرات أوطاننا وإضعاف عملاتنا الوطنية عبر تهريب العملات الأجنبية إلى الخارج من ناحية، ومن ناحية أخرى يتلاعبون بسعر الصرف ويكتسحون العملات الوطنية.
وكذلك، وفي جبهة لا تقلّ عن سابقتها هي مجموعات الفساد المالي والإداري التي لها اليد الطولى في مساعدة أعداء الخارج لتدمير الجبهة الداخلية عبر تمرير الصفقات المشبوهة والعبث بالاقتصاد الوطني وإقرار سياسات تدميرية تزيد الضغط على الجبهة الداخلية وتساهم في تقديمها لقمة سائغة للأعداء.
وهنا يأتي دور الفضاء المجازي السلاح الأمضى الذي يستخدمه الأعداء لتجنيد العملاء بأبخس الأثمان، عبر استخدام الحرب الناعمة في كلّ ما يسمّى بـ «وسائل التواصل الإجتماعي» والتي أنشأت أصلاً لتدمير المجتمعات وليس تواصلها وتقاربها وتلاحمها.
فهذه الوسائل هدفها الرئيسي هو تحليل المزاج المحلي والشعبي لكلّ مكان مستهدف وترك المجال لأبناء المجتمعات المستهدفة ليكتبوا عن آلامهم ومشاكلهم ومشاكل المجتمعات فتقوم الأجهزة الاستخبارية التي تدير هذه المنصات بتحليل هذه البيانات وتجميعها لترسم الخطوط الكبرى لإطلاق الثورات الملونة داخل تلك المجتمعات بأيدي أبنائها وهذا ما رأيناه بحذافيره في كلّ الدول التي قامت بها التحركات الشعبوية بغريزة القطيع مثل دولنا العربية وكذلك في غيرها.
لذلك يجب على الجميع دون استثناء العمل على تحصين الجبهة الداخلية اجتماعياً واقتصادياً وأخلاقياً ووطنياً عبر إعادة مجتمعاتنا إلى مجتمعات إنتاجية ليس استهلاكية وذلك بالحدّ الأدنى بالإنتاج الزراعي والحيواني والذي لا يحتاج بنسب عالية جداً إلى تقنيات يستوجب استيرادها، وكذلك دعم الصناعات الصغيرة قبل الكبيرة التي تغطي الاحتياجات اليومية للناس والتي أيضاً لا تحتاج إلى استيراد الكثير من المواد من السوق العالمية، وكذلك دعم قطاع التصدير إنْ أمكن بتخفيف وتذليل العقبات أمام التجار المصدّرين الأمر الذي يسحق العقوبات الخارجية سحقاً بالدرجة الأولى وكذلك يؤمّن فرص عمل كثير جداً لأبناء المجتمعات ويحقق لهم الاكتفاء الذاتي الأمر الذي يخفف عن الدولة أعباء الإنفاق مما يرفع رصيد الدولة من العملات الصعبة ويساعدها على تطوير الاقتصاد ورفع مستوى معيشة المواطن وتحصّنه من الاستهدافات الخارجية.
أخيراً رسالة صغيرة لكلّ أهلنا وناسنا في جبهاتنا الداخلية في دول محور المقاومة والكرامة:
«نحن لسنا في زمن شعب أبي طالب، بل نحن في زمن بدر وخيبر».
ومن يظنّ أننا نزايد في هذا الكلام أو نشطح بعيداً واهمين ومشتبهين فليفسّر لنا لماذا تزداد الهجمات شراسة علينا إنْ كنا ضعفاء إلى هذا الحد؟
ولماذا تحتشد ضدنا كلّ شياطين الأرض وتنفق مليارات الدولارات على حربنا وتجويعنا وسفك دمائنا؟