هكذا ستنتهي معركة «طوفان الأقصى»
} محمود الهاشمي
قد يبدو رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته، وهم على جاهزية للمزيد من التصعيد في غزة، تاركين المحاور الأخرى للمقاومة إما عبر المشاغلة كما في جبهة لبنان، أو تكفل أميركا وبريطانيا للمواجهة معهم كما في جبهة اليمن والعراق وسورية أحياناً.
البعض يعتقد انّ إصرار نتنياهو راجع الى
مصادر القوة التي يمتلكها من جيش وشعب معبّأ لمواصلة الحرب ودعم أميركي غربي و»جيران» مطبّعين (مصر والأردن)، لكن الحقيقة تؤكد ان ليس امام نتنياهو من إجراء سوى مواصلة الحرب لأنّ وقف إطلاق النار) يعني هزيمة المشروع الصهيوني إلى الأبد.
أمامنا معسكران، الأول معسكر المقاومة في جبهاته (لبنان، العراق، سورية، اليمن، غزة) فيما المعسكر الآخر المتمثل بـ (إسرائيل) ترى لمن ستكون الغلبة؟
قد يبدو مشهد المعركة فيه نوع من الضبابية، أو كما يُقال دخلت المعركة (المنطقة الرمادية) التي لا يبدو فيها منتصر، فقد خفّ أوارها وهي على أبواب شهرها السادس، وبدأت الوقائع محصورة في حيّز ضيّق اسمه (رفح)! وخانيونس الذي يبعد عنه بضعة كيلو مترات.
السؤال: الى أين ذاهبة هذه الحرب؟
يراهن نتنياهو على اقتحام منطقة رفح، وهذه المنطقة ليست معسكراً للمقاومة، إنما هم جمع من السكان بصغارهم وكبارهم ونسائهم… فلماذا هذه الجلبة
في التهديد والوعيد بالاقتحام؟
المعركة في غزة تشير إلى أنّ «انتصارات» العدو الصهيوني مقتصرة على الأهداف المدنية في هدم المساكن والمستشفيات والمساجد والكنائس والمدارس والمؤسسات الخدمية، فيما مدينة العسكر (غزة تحت الأرض) لم تتأثر، وانّ نتائج الحروب تقاس بمدى التأثير على (مواقع الجيوش) وليس (السكان الأبرياء)!
جبهات المقاومة الأخرى، تزداد قوة، فالجبهة اللبنانية مدّدت من مسافة أهدافها ونوع الأهداف، وخزينها من الأسلحة باق إذا لم نقل في زيادة، ومثل ذلك العراق واليمن فيما لسورية صولة بالانتظار .
في الجانب الآخر فإنّ جيش الاحتلال بدأ ينقص ويتململ، والخسائر التي تطاله أكبر بكثير من المعلن، وبدأ اليأس يدبّ في قياداته ومجلس حربه، وهي جيوش لا تملك سمة المطاولة بالحرب،
عملية «طوفان الأقصى» أنهتْ فصلها العسكري، فقد اقتنعت «إسرائيل أنّ حدود توغلها قد وصل الى طريق مسدود بعدما تمكنت المقاومة ان تستنزف قوتها، وتجعلها في موقف الدفاع الذي يعود بالسلب على الجيش الصهيوني.
مصر جزء مهمّ من فصول الحصار على أهل غزة، والحكومة المصرية ترى في نصرة «حماس» خطأ استراتيجياً، باعتبار أنّ «حماس» لديها عقيدة «الاخوان المسلمين»، وهذا الحزب تكفل السيسي بالقضاء عليه مثلما تكفل قيس سعيّد بمثله في تونس، ودليل كلامنا ما أورده وزير خارجية مصر سامح شكري بـ «إخراج حماس من المعادلة السياسية لما بعد الحرب».
«إسرائيل» تستهدف سكان غزة لسببين… الأول
لـ (التشفي) نتيجة الخسارة التي مُنيت بها في معركة «طوفان الأقصى» والظهور أمام الصهاينة بانهم القادرون على إذلال أهالي غزة، والثاني الضغط النفسي على مقاتلي المقاومة وهم يرون أهلهم يموتون قصفاً أو جوعاً.!
إلاّ أنّ ذلك ارتدّ على (إسرائيل) بأمرين أيضاً… الأول انّ القصف الأعمى) واستهداف المدنيين دعا (الجزء المحايد) من أهل غزة إلى أن يلتحقوا بالمقاومة ويؤيدوا موقفها القتالي، والثاني خلق ردّ فعل عالمي بالضدّ من الصهيونية ومن (اليهود) بشكل عام لأنه عبّر عن تجاوزهم لقيَم الحرب المعهودة باستهدافهم المدنيين!
تحاول «إسرائيل» والجهات الداعمة لها (أميركا، مصر، الأردن، قطر ودول أوروبية…) صناعة مستقبل غزة وفق مخططات وعبر سيناريوات عدة أقلها إفراغ غزة من المقاومة، وجعلها تحت جناح (السلطة القلسطينية).
لا شك انّ هذا المخطط، أولا فيه جناية كبيرة على فصيل قاتل وجاهد وأيقظ القضية الفلسطينية من سباتها بعد سلسلة من التراجعات والهزيمة و(التطبيع)، وخير شاهد على ذلك ما أكده الإعلامي الكويتي
احمد جار الله قبل أسبوع من معركة طوفان الأقصى، في مقال بجريدة السياسة «انّ القضيَّة الفلسطينيَّة لم تعد ملفاً عربياً»،وثانياً انّ حماس لم تعد فصيلاً
محدوداً في (جغرافيا غزة) بل مشروعاً عربياً واسلامياً وعالمياً يملك عمقاً سياسياً واجتماعياً وكذلك عسكرياً متمثلاً بمحور المقاومة بأجمعها .
المفاهيم السياسية بعد معركة «طوفان الأقصى» تغيّرت كثيراً، حيث لأول مرة يظهر على لسان المسؤولين الصينيين مفهوم (عدم قانونية الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين) وتتردّد عبارات على ألسنة قادة المقاومة (زوال إسرائيل)!
وهذا يعني انّ من يريد ان يحلّ (أزمة غزة) عليه ان يعتقد انّ «إسرائيل» خسرت الحرب، وانّ غزة تفاوض بعمقها العالمي والإنساني والقيمي، وانّ الدول التي شاركت في صناعة النصر هي من تقرر مصير غزة.
قال السيد حسن نصر الله بعد مرور 100 يوم على معركة «طوفان الأقصى» (إسرائيل «فشلت» في تحقيق أهدافها في غزة، مما سيقودها إلى «التفاوض» ووقف الحرب! كما ليست «إسرائيل» من تفرض شروط الحرب، وهي التي فقدت مصادر قوتها»، كما قال نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم: «إسرائيل ليست في موقع أن تفرض خياراتها، إيران قادت (معركة طوفان الأقصى) بمهنية عالية نتيجة خبرتها في (إدارة الأزمات) مع الغرب عموماً، وتعتمد مبدأ (الصبر الاستراتيجي) في ذلك، وحتماً ستكون جزءاً مهماً من مستقبل الشرق الأوسط (سيكون لنا دراسة عن إيران ومستقبل المنطقة بعد معركة طوفان الاقصى)!
الولايات المتحدة، تحتاج الكثير في إعادة إنتاج منطقة (الشرق الاوسط) بعد ان قررت سابقاً مغادرتها، وكما قال الرئيس السابق دونالد ترامب (لم يعد الشرق الأوسط من أولوياتنا) لكن «إسرائيل» (جرجرت أميركا إلى المنطقة ثانية، كما أنّ الداخل الأميركي والانقسام (الحادّ) بين الحزبين الرئيسيين (الجمهوري والديمقراطي) والذي قد يقود إلى انقسام مجتمعي بين أهل الشمال وأهل الجنوب، ناهيك عن نزعة الانفصال لدى بعض ولاياتها، وصعود اليسار في أميركا الوسطى والجنوبية، وحرب أوكرانيا وما تشهده أوروبا من نزعة (اليسار) لاستغلال (القضية الفلسطينية) ومواجهة (اليمين) وغيرها، مذكّرين بأنّ بوارجها ومواقعها العسكرية باتت أهدافاً للمقاومة، وهذا تحوّل خطير في معادلات الردع .
كل هذا يجعل أميركا بين أمرين… الأول أن تهمل «إسرائيل» لتدبّر أمرها مع دول المنطقة من تحالفات واتفاقيات وغيرها، أو أن تتدخل أكثر وهذا مكلف لها على كل الأصعدة .
وقديماً قيل (اذا انهارت أميركا فإنّ اسرائيل أحد أسباب ذلك الانهيار).