أولى

«اليوم التالي»… بعد زيادة الرواتب

‭}‬ أحمد بهجة*

حسناً فعلت الحكومة باتخاذ قرار زيادة رواتب الموظفين في القطاع العام، واستيعاب التصعيد المُحقّ الذي كانوا قد بدأوه قبل أيام للمطالبة بهذه الزيادة، وهي فعلياً عبارة عن مساعدة اجتماعية وليست زيادة بالمعنى القانوني لأنها لا تدخل في أساس الراتب ولا يتمّ احتسابها في تعويضات نهاية الخدمة أو التقاعد.
طبعاً لن تؤدّي أيّ زيادة أو مساعدة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل انفجار الأزمة المالية وانكشاف الأمور على حقيقتها في تشرين الأول 2019، لكن بإمكان هذه الزيادات أن تنصِف الموظفين قليلاً وتجعلهم قادرين على تلبية الحدّ الأدنى من متطلبات الحياة اليومية لعائلاتهم، مع التشديد على عبارة «الحدّ الأدنى» لأنّ متطلبات الحياة بالمفهوم الأوسع بعض الشيء لا تكفيها رواتب الموظفين حتى بعد الزيادة.
لذلك لا يجوز للحكومة أن تقف هنا وتقول إنها أدّت قسطها للعلا، بل هناك عمل كثير عليها القيام به لمواكبة قرارها بزيادة الرواتب، إذ لا يجوز بأيّ شكل من الأشكال أن يتمّ دفع رواتب لموظفين لا يعملون (باستثناء المتقاعدين طبعاً)، بمعنى أنّ على الحكومة أن تجد العلاجات اللازمة للإدارات العامة المقفلة (الدوائر العقارية ودوائر الميكانيك وتسجيل السيارات ورخص القيادة سواء الجديدة أو التي تحتاج إلى تجديد).
لا شك أنّ إعادة الحياة إلى هذه الإدارات من شأنه أن يأتي ببعض الأموال للخزينة العامة، لكن هناك إدارات غير معطّلة إنما تحتاج إلى رعاية خاصة لكي تقوم بعملها على أكمل وجه، لا سيما تلك الإدارات التي لها علاقة بجباية الأموال وتحصيل الرسوم والضرائب مثل الجمارك والضريبة على القيمة المضافة، حيث هناك من يقول إنّ تجازوات كثيرة تحصل في هذه الإدارات، مما يؤدّي إلى خسارة الخزينة العامة مبالغ طائلة كان يُفترض أن تدخل إليها.
وإذا كان ما قرّرته الحكومة من زيادات في جلستها الأخيرة لا تستطيع الخزينة العامة أن تتحمّله في وضعها الحالي، فإنّ ضبط مداخيل الإدارات المُشار إليها ومنع التهرّب الضريبي والجمركي يُؤمّن للخزينة العامة مبالغ مهمة تكفي وتزيد عن حاجتها لتغطية كلفة زيادة رواتب موظفي القطاع العام.
وهذا يفتح لنا الباب للحديث عن مسؤولية الحكومة ليس فقط عن دفع الزيادات للموظفين، بل مسؤوليتها عن الاقتصاد الوطني بشكل عام، وما يمكن أن تتخذه من قرارات وأن تقوم به من خطوات وإجراءات من أجل دفع عجلة هذا الاقتصاد وجعلها تدور دورتها المطلوبة لتحقيق التنمية والنمو، وهو ما يؤدّي تلقائياً إلى تحسين الوضع الاقتصادي وبالتالي تحسين وضع المواطنين ورفع مستوى مداخيلهم، الأمر الذي يوفر لهم العيش الكريم.
ولنا خير مثال في ما حققه وزير الأشغال العامة والنقل الدكتور علي حمية من إنجازات أدّت كما هو معروف إلى زيادة مداخيل المطار والمرافئ أضعافاً مضاعفة وبالعملة الصعبة، وهو يواصل مساعيه وجهوده لتحقيق المزيد من الإنجازات، وآخرها قرار مجلس الوزراء الاستجابة لطلب الوزير حمية تفعيل تنفيذ قانون إنشاء نفق ضهر البيدر، لأنّ النفق يمثل مشروعاً حيوياً ويشكل امتداداً استراتيجياً للمرافئ البحرية اللبنانية مع وجود لبنان على الساحل الشرقي للبحر المتوسط وصولاً الى العالم العربي كما قال الوزير نفسه.
ومثل هذا المشروع هناك الكثير من المشاريع التي يمكن تنفيذها بدون تحميل الخزينة العامة أية أعباء، بل على العكس تماماً حيث تستفيد الخزينة العامة من العائدات التي تحققها هذه المشاريع فور بدء العمل بها مثل إنجاز شبكة سكك الحديد بين الشمال والجنوب وبين بيروت والمصنع، وأيضاً مثل معامل إنتاج الكهرباء، ومصفاة النفط التي توفر على لبنان واللبنانيين مليارات الدولارات سنوياً لأنها تغنيهم عن استيراد كميات كبيرة من المحروقات وتحفظ لهم ما لديهم من عملات صعبة تفعل فعلها في دورة الاقتصاد الوطني.
إذن هناك ما يجب فعله بعد زيادة الرواتب، وطبعاً تبقى خطوة البداية انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تحظى بثقة المجلس النيابي، بشكل يعيد الانتظام العام إلى المؤسسات والإدارات التي يُفترض أن تتكامل وتتعاون لتحقيق ما تمّ الحديث عنه من أهداف وطنية…

*خبير مالي واقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى