مناورات الدبلوماسية… بين دعم «طوفان الأقصى» أو الإجهاض!
} د. جمال زهران*
من خلال المتابعة الحثيثة لما يحدث منذ فجر السابع من أكتوبر الماضي (2023م)، وتفجّر عملية «طوفان الأقصى»، والعالم كله، لم يعد بحاله كما كان من قبل وقوع الحدث. وبالإجماع فإن هناك تلاقياً حول محورية هذا الحدث، وأن تطورات الأمور ما بعد الحدث، هي بالتأكيد على عكس ما كان سائداً قبل الحدث. فهو انتقال من الصمت والركود، إلى الحركة والتفاعل. فالنظام الدولي، والنظم الإقليمية الفرعية، وخاصة ما يُسمّى بجامعة الدول العربية، على المحك، فجميعهم شركاء في التستر على الكيان الصهيوني في الإبادة الجماعية لشعب فلسطين في غزة، باستثناء النظام الأفريقي الذي حقق إنجازين كبيرين هما: الأول: إلغاء عضوية «الكيان الصهيوني» كمراقب في الاتحاد الأفريقي، بفعل ومبادرة (الجزائر وجنوب أفريقيا)، والثاني: مبادرة جنوب أفريقيا، بتقديم دعوى قضائية ضد الكيان الصهيوني، أمام محكمة العدل الدولية، التي حكمت بصفة أوليّة، أن ما حدث ويحدث في غزة، هو إبادة جماعيّة أيّدتها كل الوثائق المادية التي قدّمتها جنوب أفريقيا، ولا تزال الدعوى مستمرة، رغم إجهاض مجلس الأمن في تنفيذ الحكم بإجبار الكيان الصهيوني على وقف هذه الإبادة الجماعية.
وقد فشل حتى الآن، وسيواصل فشله، الكيان الصهيوني، في تحقيق أي هدف أعلنه رئيس الحكومة الصهيونية (النتن-ياهو)، نهائياً. فلم تتم عملية القضاء على المقاومة، ولا إجبار الشعب الفلسطيني على التهجير القسريّ، ويظل صامداً رغم كل المعاناة غير المسبوقة تاريخياً. وما نجحت فيه هذه الدولة التي تمارس الإرهاب الحقيقي ضد الشعب الفلسطيني، هو الهدم والقتل والدمار لكل مظاهر الحياة في غزة، وهي إبادة شاملة وجماعية لكل ما هو أخضر ويابس، وبشر أيضاً في قطاع غزة.
وتُبذل الجهود الدبلوماسية من أطراف إقليمية (مصر/ قطر)، وأطراف دولية غربية، تتمثل في أميركا وفرنسا، كوساطة للتوصل إلى اتفاق هدنة بين الطرفين الفلسطيني والصهيوني، سعياً نحو وقف القتال وتبادل الأسرى! وبين موقف فلسطيني مقاوم واضح بالوقف النهائي للقتال، والانسحاب الشامل للكيان من غزة، وإعادة الإعمار فوراً بضمانات الوسطاء، وتبييض السجون الصهيونية من كل الأسرى الفلسطينيين، وفي المقدمة كل الرموز المعتقلين، وغير ذلك من تفاصيل؛ وبين موقف صهيوني يقوم على أساس المناورة والتلاعب من رئيس الحكومة وأركان حربه، الصهاينة، حيث يصرّ على مواصلة الحرب، والتوقف لمدة مؤقتة يعود بعدها لاستمرار العدوان، حتى تحقيق أهدافه التي فشل فيها على مدار خمسة أشهر (150 يوماً)، ويطلب الإفراج الكامل عن كل الأسرى الصهاينة لدى المقاومة!! وبين هذا وذاك فإن «الفجوة».. كبيرة للغاية، وفشلت مباحثات باريس1، وباريس2، واللقاءات في القاهرة، ولقاءات أخرى في الدوحة!!
إذن نحن أمام مأزق بين الطرفين (المقاومة ومحورها – الكيان الصهيوني وداعميه في الإقليم وفي الغرب).
ومن الغريب، قول بعض الدبلوماسيين، إنهم يسابقون الوقت من أجل التوصل لهدنة قبل شهر رمضان! وتناسى هؤلاء أن القتل والخراب والتدمير في السنوات الأربع السابقة كان في رمضان، ودون بقية أشهر السنة! فهل نسينا معركة «سيف القدس»، وغيرها؟!
حتى الموقف الأميركي على لسان بايدن ومساعديه، فهو موقف مضطرب ويتغيّر في اليوم الواحد عدة مرات، والوعود كثيرة، وبلا طائل!
الآن: ماذا يفعل كل طرف تجاه الآخر، من مناورات دبلوماسية، للوصول إلى أهدافه؟
فالطرف الفلسطيني المقاوم: يحكمه فعل الميدان، كما قال قادة المقاومة، ورموز محور المقاومة في جنوب لبنان وحزب الله، وفي العراق، وفي اليمن، إن الميدان هو صاحب القرار، وهو الذي يفرض الشروط. وطالما الميدان والمعركة في صف المقاومة، والشعب – رغم معاناته – يزداد صموداً، وطالما أن المقاومة الفلسطينية تفاجئ الجيش الصهيوني، من حيث لا يدري، في الشمال والوسط والجنوب. وكلما ظنّ جيش الاحتلال أنه استقرّ في منطقة ولو محدودة على أرض غزة، يفاجأ بالمقاومة وأبطالها، ينهالون على جنوده من المسافة «صفر»، فيقتلونهم ويدمّرون آلياتهم ودباباتهم، وقد تجاوزت الآلف بكثير. إذن موقف المقاومة أنها قد حققت الانتصار، وبالتالي هي التي تفرض الشروط، وليس العدو الصهيوني المهزوم. ووضعت المقاومة معادلتها بوضوح على لسان السيد/ إسماعيل هنية في آخر حديث له منذ عدة أيام، حيث قال: (إنّ المجرم الصهيوني المهزوم، لن يحصل على أيّ شيء بالسياسة، لم يستطيع الحصول عليه في الميدان)..
إذن، فالمقاومة الفلسطينية، وضعت شروطها كاملة، وتصرّ على عدم التراجع عنها نهائياً.
الطرف الصهيوني المدعوم أميركياً: وهو الذي يُصر على التلاعب والمراوغة، ويحاول أن يحصل على ما يريد من الإفراج عن الأسرى الصهاينة لدى المقاومة، ثم يواصل عدوانه حتى تحقيق أهدافه كاملة. ويُصر رئيس الحكومة المتوحش وحكومته الصهيونية، على استمرار الحرب حتى النهاية، لأنه في حالة توقف الحرب، فإنّ طريقهم إلى السجن، مفروشة بدماء الفلسطينيين، وإجرامهم ولصوصيتهم للكيان الصهيوني نفسه!
ويحاول بايدن أن يحصل على أي مكسب له، ولنتن-ياهو ليتمكن من الفوز في الانتخابات الأميركية في نوفمبر المقبل، وإنقاذ شريكه في الجريمة، مما يحاك له من محاكمات قادمة، لا محالة عن التراجع عنها.
وفي المقابل فإنّ المقاومة لا تستطيع التراجع عن مطالبها، لأنه إجمالاً، لا تستطيع تحمّل تبعات ما قدّمه الشعب في غزة وفي الضفة وفي جنوب لبنان، مقابل ثمن بخس، كما حدث في الهدنة الأولى. وإلا فإنّ الدعايات السوداء التي حاولت طمس المقاومة بأنها أخطأت وتسرّعت بعملية (7) أكتوبر، وكان الثمن فادحاً (أكثر من 100 ألف شهيد وجريح، ودمار نحو أكثر من نصف المباني وكلّ البنية التحتية من مدارس ومستشفيات وغيرها)، وكأنّ ذلك لم يكن في حساباتها! ولذلك فإنّ الإصرار للمقاومة الفلسطينية، ينحصر في الوقف الكامل للنار، والانسحاب الكامل، وإعادة البناء بالكامل، لما هدمه العدوان الصهيوني، والتبييض الكامل للسجون من جميع المعتقلين الفلسطينيين، وفك الحصار المفروض منذ (17) عاماً بشكل نهائي، وإيصال المساعدات الكاملة وفوراً، بضمانات دولية واضحة. فهل يمكن للمقاومة أن تتراجع عن أيّ عنصر أو مطلب من ذلك؟ لا أظن، لأنّ قادة المقاومة مدركون لكلّ المتغيّرات، ويتجهون نحو مستقبل التحرير الكامل والاستقلال الكامل، وإنهاء الوجود الصهيوني كاملاً، وقد حان ذلك بهذه المعركة الفاصلة. تحية للمقاومة والمقاومين.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية