الصفوات الحاكمة لا ترى ولا تسمع الجماهير!
} د. محمد سيد أحمد
باغتني المذيع على قناة «النيل» للأخبار في لقاء يوم السبت الماضي أثناء مشاركتي في برنامج يحمل عنوان «المشهد»، لقراءة المشهد في قطاع غزة وتحليل أهمّ المستجدات المتعلقة بالمساعي الدولية لوقف العدوان وحرب الإبادة والمجازر التي يمارسها العدو الصهيوني على شعبنا العربي الفلسطيني، هل يمكن أن تؤدي الضغوط الشعبية والتظاهرات الجماهيرية في العديد من العواصم الغربية خاصة في ألمانيا وفرنسا إلى تغيير مواقف الحكومات من دعم العدو الصهيوني ومطالبته بوقف العدوان على الشعب الفلسطيني الأعزل؟ وكانت إجابتي السريعة تقول إنّ الصفوات الحاكمة في الدول الأوروبية لا ترى ولا تسمع شعوبها بل تتعلق أبصارها وآذانها بما يصدر عن الإدارة الأميركية التي تحرّكهم كتابعين، ولو كانت هذه التحركات الشعبية يمكن أن تأتي بنتيجة فعلية على أرض الواقع لكانت التظاهرات الداخلية الأميركية المندّدة بالعدوان الصهيوني على غزة، والتي استمرّت على مدار الأشهر الخمسة الماضية، وكذلك واقعة حرق الجندي الأميركي لنفسه أمام السفارة الصهيونية في واشنطن، قد غيّرت موقف الحكومة الأميركية وعلى رأسها العجوز الجالس على كرسي الحكم في البيت الأبيض.
وأثارت إجابتي حفيظة المذيع الوقور لينفعل قليلاً ويسأل مجدّداً وماذا عن الحكام العرب والمسلمين بعد المواقف الحاسمة لبعض حكام أميركا اللاتينية الذين أدانوا العدوان الصهيوني على غزة وأكدوا أنها حرب إبادة وطالبوا بوقفها، وفتح ملفات التحقيق فيها من قبل المحكمة الجنائية الدولية؟ وجاءت إجابتي قاطعة وحاسمة بأنّ الموقف العربي والإسلامي مُخزٍ إلى أبعد حدّ، فلم تستطع الدول العربية والإسلامية أن تتخذ موقفاً يجبر العدو الصهيوني على وقف المجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية التي ترتكبها حكومة الاحتلال ضدّ أهالينا في غزة، وكانت آخرها مجزرة الطحين التي شهدتها غزة هذا الأسبوع وراح ضحيتها 116 شهيداً مرشحة للزيادة نتيجة وجود عشرات الإصابات الخطرة وعدم توافر الإمكانيات الطبية، وفقاً لما أعلنته وزارة الصحة في غزة، في الوقت الذي قام فيه بعض حكام دول أميركا اللاتينية بمواقف أكثر شجاعة ونبلاً وإنسانية. فهناك موقف الرئيس الكوبي «ميجيل دياز كانيل» الذي وصف الإبادة الجماعية للعدو الصهيوني في غزة بأنها إذلال وإهانة للإنسانية، ونعت أعمال العدو الصهيوني بالإرهاب، ودعا العالم لاتخاذ إجراءات ضدّ أفعال العدو الصهيوني في غزة، وأكد أنّ تواطؤ الولايات المتحدة الأميركية مع الكيان الصهيوني يطيل أمد الإبادة الجماعية، وقام بقيادة مسيرة للتضامن مع فلسطين أمام السفارة الأميركية في هافانا…
ولم تتوقف المواقف المشرّفة عند كوبا بل ظهر الموقف المشرّف للرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا والذي أفردنا له مقال الأسبوع الماضي حيث وصف ما يحدث من العدو الصهيوني في غزة بالإبادة الجماعية واستدعى سفير بلاده من تل أبيب وقام بطرد السفير الصهيوني لدى بلاده، وكانت بوليفيا قد أعلنت قطع علاقتها الدبلوماسية مع العدو الصهيوني لارتكابه جرائم ضدّ الإنسانية.
وقامت كولومبيا بطرد السفير الصهيوني لديها، وشبّه رئيسها الحرب على غزة بأفعال النازيين بحقّ اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، وهو الوصف نفسه الذي قام به لولا دي سيلفا.
وكانت هندوراس قد استدعت سفيرها لدى العدو الصهيوني للتشاور بسبب ما وصفته بانتهاكات تل أبيب للقانون الإنساني في قطاع غزة، فأين مواقف الدول العربية والإسلامية من هذه المواقف اللاتينية؟!
وكان ردّ فعل المذيع سريعاً، حيث قال لماذا لم يتخذ الحكام العرب والمسلمين مثل هذه المواقف التي اتخذها بعض حكام أميركا اللاتينية من وجهة نظرك؟ وكانت إجابتي السريعة أيضاً أنهم لا ينظرون إلى شعوبهم ولا يسمعون أصوات الجماهير الغاضبة، فقط ينظرون ويسمعون سيّدهم الأميركي، فما يصدر عن الإدارة الأميركية في واشنطن هو الأهمّ بالنسبة لهم. وتدخل المذيع ليقول هل يبحثون عن مصالحهم؟ وجاءت إجابتي بالطبع نعم هم يعلمون أنّ بقاءهم فوق كراسي الحكم ليس بأصوات هذه الجماهير الشعبية بل عبر الرضا الأميركي، لذلك فأصوات الجماهير لا يُعتدّ بها ولا يمكن أن تغيّر الواقع، وبالطبع هذا الموقف لا يخصّ فقط الحكام العرب والمسلمين، فحكام الولايات المتحدة الأميركية ذاتها لا يسمعون لأصوات الجماهير الأميركية فجو بايدن الرئيس الحالي، وخصمه اللدود دونالد ترامب في تعاملهم مع العدوان الصهيوني على غزة لا ينظرون ولا يسمعون لصوت الناخب الأميركي بل ينظرون ويسمعون ويخطبون ودّ اللوبي الصهيوني الأكثر تأثيراً في صناعة القرار داخل الإدارة الأميركية، والذي يتحكم في مَن يصل لكرسي الحكم في البيت الأبيض.
وجاء السؤال الأخير للمذيع إذن على ماذا يمكن أن نعتمد لوقف العدوان الصهيوني على غزة؟ وجاءت إجابتي لا بدّ أن يعلم الجميع أنّ المنظمات الدولية قد سقطت في هذا الامتحان، ولن تعود مرة أخرى، وأنّ العدو الأميركي وحلفاءه الغربيين سحبوا تمويلاتهم لهذه المنظمات الدولية، لذلك لا بدّ أن تتحرّك روسيا والصين لتقولا كلمتهما الفاصلة وإجبار العدو الصهيوني على وقف العدوان على غزة وإدخال فوري للمساعدات الإنسانية للشعب الذي يموت جوعاً دون قيد أو شرط، وإلا فلا يحدثنا أحد عن المنظومة الدولية الجديدة متعددة الأقطاب، فلا يزال العدو الأميركي هو القطب الأوحد صاحب الكلمة العليا في المشهد الدولي، وهو الذي يشعل النيران ويطفئها بإشارة من إصبعه، لكن ورغم ذلك ستظلّ المقاومة بما تمتلكه من قدرات عسكرية متطوّرة شوكة في حلق العدو الصهيوني وحليفه الأميركي وقادرة على أن تكبّده خسائر هائلة تجعله يفكر كثيراً في وقف عدوانه على غزة، اللهم بلغت اللهم فاشهد…