حين لا تمزح روسيا…
} نمر أبي ديب
عندما اتخذت روسيا قرار التدخل العسكري في جورجيا عام 2008 أعلنت للعالم اجمع تحديداً الولايات المتحدة الأميركية، استثنائية الدخول الاستراتيجي في مراحل التثبيت العسكري، لـ «الواقعية الروسية»، داخل المساحة الشرق أوسطية، بالتزامن مع «حرب الوكالة» التي أرادت من خلالها الولايات المتحدة الأميركية إسقاط سورية مع جملة الأهداف المعلنة، وغير المعلنة، الهادفة في الدرجة الأولى إلى إخراج روسيا، وبشكل كامل من المنطقة بعد خروجها القسري من ليبيا، فكانت «الحرب العالمية على سورية»، المرفقة بعاملين «المؤامرة الخارجية»، و»الفشل الأميركي»، في تنفيذ القسم الثاني من مخطط إخراج «روسيا من سورية»، وأيضاً من كامل المنطقة.
ما يجري اليوم على الساحتين الإقليمية والدولية، جزء لا يتجزأ من صراع الاستئثار الدولي، والتربع الوجودي على العرش العالمي، في مراحل أكثر من استثنائية، لا تحتمل فيها الدول الكبرى كما الأساسية، فكرة المراوحة القاتلة على مسرح التنافس الوجودي، الأمني والسياسي والعسكري، ما يؤكد على جملة مسارات عالمية، وأخرى استراتيجية من بينها :
المسار الأول حرب الدولار: السلاح الأميركي الذي فقد معناه الاستراتيجي مع وجود قوى كبرى وأخرى عملاقة قادرة في حده الأدنى على تفعيل «تبادل تجاري» يشمل محورين عالميين من أصل ثلاثة محاور، بعملة أو اكثر من غير الدولار، ونتحدث هنا طبعاً عن المحور الروسي والمحور الصيني، وما بينهما من دول إقليمية وعالمية بعملات جديدة أبرزها اليوان الصيني والروبل الروسي.
المسار الثاني المتمثل في «حرب الوكالة»، النمط الذي انتهجته الولايات المتحدة الأميركية وما زالت في كامل دول المواجهة، وهنا تجدر الإشارة إلى سقف المواجهات الغير مباشرة، وأيضاً إلى التعليل الملزم للأزمات في ظل الابتعاد المقصود «أميركياً» عن مسارات الحلول الدولية، والاستثمار الكامل والدائم في استثنائية الاستنزاف كما التدرّج الميداني في أزمات سياسية وأخرى عسكرية لم ولن تنهيها المواجهات الغير مباشرة، تحت أي عنوان أو سيناريو يمكن أن تطلقه أو حتى تعدّه، المطابخ الدولية المعنية بالسياسة العالمية، (الجزء الذي تترأسه اليوم الولايات المتحدة الأميركية).
المسار الثالث: رسمت خطوطه الحمر وحتى العريضة جملة المواقف الروسية المتكررة، وفي مقدمتها الكلام الصادر عن نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف حين أكَّد على أنّ (أيّ محاولة لإعادة روسيا إلى حدود عام1991، ستضطرها إلى استخدام ترسانتها الاستراتيجية النووية وضرب كييف وبرلين ولندن حتى واشنطن).
الجدير في الذكر أنّ مشهد جورجيا الاستثنائي، مصغَّر عسكري وميداني، لما يمكن أن يكون عليه واقع التهديد الذي أطلقه نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف، وهذا يعني بين قوسين (الحرب الكبرى)، التي قد تفرض على الجميع بمن فيهم الولايات المتحدة الأميركية، الانتقال الإلزامي من مراحل «حرب الوكالة» التي اعتمدتها الدول الكبرى لسنوات، إلى مرحلة الحرب المباشرة التي تهدد بشكل مباشر ووجودي حدائق الدول الخلفية، إضافة إلى جغرافيتها السياسية والعسكرية والاقتصادية.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم يتمحور حول السياسة الأميركية، وقدرتها العالمية على حرف المسارات، وفي مقدمتهم المسار الثالث الذي عبَّر عنه دميتري مدفيديف.
الواضح والأكيد مدى الجدية الروسية في هذه المرحلة، التي لا تحتمل المزاح، أو مجرد التفكير بتسجيل خطوة أو خطوات إلى الوراء في ملعب السباق العالمي الجديد، وهذا يعكس وأيضاً يترجم «محورية ومفصلية» مطلق مواجهة عسكرية يمكن أن تدخلها روسيا بشكل مباشر وعلني، وهنا نفتح باب الاستدلال السياسي على مركزية «حرب أوكرانيا»، ودورها المتقدم في عسكرت الحملات الدولية الهادفة إلى تهديد أمن روسيا الاتحادية وزعزعة استقرارها.
ما تقدَّم، يضاف في بنيته السياسية الاستراتيجية، إلى جملة الكلمات والمواقف التي أطلقها القادة الروس في هذه المرحلة، من حيث السياق أولاً، والمتدرّج الزمني ثانياً، أيّ المساحة الاستراتيجية التي بلغت بها المواقف السياسية والتطورات العسكرية مراحل بحت استثنائية منحت من وجهة نظر القيادة الروسية، أحقية الانتقال إلى المرحلة الثالثة، ووضع الجميع بمن فيهم الولايات المتحدة الأميركية أمام مشهد مفاجئ يحاكي في الكثير من جوانبه الدولية، وأبعاده الاقتصادية والسياسية كما العسكرية، متدرجات الحرب العالمية الثالثة.
مما لا شك فيه أن الانتقال العالمي إلى مستوى عسكري مباشر قادر على تهديد وجود في الدرجة الأولى، وأيضاً إزالة العديد من الأنظمة الاقليمية وحتى العالمية التي تؤدي «مهام أمنية وأدواراً عسكرية» محددة في المنطقة والعالم، يضاف إليها «الدمج» وإلحاق مساحات جغرافية بأخرى تفرضها السياسات العامة، المرفقة ببنك أهداف مختلف ومتغيّرات وجودية حتى استراتيجية في نظام الأولويات الدولية من جهة والعالمية، بالتالي من يضمن للقوى النافذة، ومجمل الكيانات المستعمرة في المنطقة «إسرائيل» على وجه التحديد، وأيضاً في العالم، امكانية بقاء الدور السياسي والأمني والعسكري المعدّ والمرسوم سلفاً، إضافة إلى الجغرافيا الاحتلالية التي يشغلها اليوم كيان الاحتلال الاسرائيلي.
من مسلمات المرحلة الحالية «الجدية الروسية» المرفقة بتوقيت زمني مؤاتٍ وتطورات عسكرية ذات بعد إبادة، سمحت من وجهة نظر القيادة الروسية بتوجيه التهديد العسكري الأخطر، الاكثر وضوح، والأعلى مستوى، للعالم أجمع.