البحر الأحمر يشتعل مع صواريخ أنصار الله… وفقدان بحارة… وقصف أميركي / حماس: لا تعامل مع أي مبادرة لا تتضمن وقف الحرب والانسحاب وفك الحصار / ارتباك أميركي إسرائيلي أمام استعصاء التفاوض واقتراب رمضان ولا خطة! /
كتب المحرّر السياسيّ
تقترب واشنطن كل يوم أكثر من التوقيت الحرج للانتخابات الرئاسية التي تأخذ اهتمامها إدارة ورأياً عاماً عن اهتمامات أخرى، وتفرض على المتنافسين قياس مواقفهم من العناوين السياسية الداخلية والخارجية بصفتها أصواتاً مع أو ضد تنزل في الصناديق. وهذا فارق كبير عن النظرة الإسرائيلية المعنية بميدان الصراع واستئخار أي بحث بفك وتركيب المشهد الحكومي، سواء عبر دمج فريق رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو بالمعارضة التي يقودها يائير لبيد، او الذهاب الى انتخابات مبكرة لما بعد نهاية الحرب، تحت شعار مستلزمات النصر كما قال نتنياهو للناخبين، متهماً دعاة الانتخابات المبكرة بدعاة حرب أهلية محمّلاً لهم مسؤولية أي فشل في الحرب مع المقاومة، لكن هذا التفاوت في النظرة لن يتحول الى ضغوط أميركية بالمال والسلاح على نتنياهو. وهذا ما يلمسه المشاركون في مسار التفاوض من ضعف في المبادرة الأميركية وإمساك فعلي لنتنياهو بهذا الملف. والمشهد كما يصفه خبير بالشؤون الأميركية هو غياب للاستراتيجية، وتمسك بعنوان دعم «إسرائيل»، ودعوة لتقديم التنازلات لها، وانتظار تحسين الأداء الإسرائيلي بصورة لا تتسبّب لواشنطن بأزمات لا تستطيع إدارتها ولا تملك مقومات حسمها، مثل قضية المسجد الأقصى عشية شهر رمضان.
في البحر الأحمر مزيد من الاستهدافات للسفن المحظورة، وقد اشتعل البحر الأحمر أمس، بصواريخ أنصار الله حيث اشار مصدر ملاحي لـ«رويترز» إلى أن ثلاثة من أفراد طاقم سفينة البضائع السائبة «ترو كونفيدنس» التي ترفع علم بربادوس فقدوا وأصيب أربعة آخرون بحروق شديدة بعد أن لحقت أضرار بالسفينة قبالة سواحل اليمن. وكانت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية قد ذكرت في وقت سابق أن سفينة تجارية تعرّضت لأضرار في هجوم جنوبي اليمن، وأن قوات التحالف تقدّم الدعم. وقال مالك السفينة إنها أصيبت بصاروخ يعتقد أنه أطلقه أنصار الله في اليمن. بينما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر أن واشنطن ستواصل محاسبة جماعة الحوثي اليمنية على هجماتها على حركة الشحن الدولية، بعد مقتل اثنين من البحارة في هجوم صاروخي. وأحجم ميلر خلال إفادة صحافية عن تحديد إذا ما كان الهجوم سيؤدي إلى جولة جديدة من الردود الأميركية. وفي وقت سابق، أكد مسؤول أميركي أن اثنين على الأقل من البحارة قُتلا في هجوم شنه الحوثيون على سفينة الشحن ترو كونفيدانس في خليج عدن، وهي أول حالة وفاة يتمّ الإبلاغ عنها منذ أن بدأ أنصار الله بتوجيه الضربات ضد حركة الشحن المحظورة وفق لوائح اليمن.
في غزة مزيد من العمليات الناجحة للمقاومة، ومزيد من أفعال القتل يرتكبها الاحتلال، وكل طرف يفعل ما يتقن فعله. بينما مسار التفاوض مجمّد بعدما تبين أن الترويج لقرب الاتفاق جزء من محاولة إنتاج مناخ يضغط على المقاومة لتقديم تنازلات عن موقفها المبدئي. وهو ما ردت عليه حركة حماس بلسان أحد أعضاء مكتبها السياسي أحمد أبو زهري الذي قال إن الحركة أبدت مرونة عالية وروحاً إيجابية في المفاوضات بهدف وقف العدوان على شعبنا، وأكد بأن الحركة مع أي فرصة حقيقية لخلق الراحة والأمان، وتحقيق مطالب شعبنا الفلسطيني. ولفت أبو زهري في حديث، الى اننا «ندعم أي مشروع قرار بمجلس الأمن يدعو لوقف القتال دون ربطه باشتراطات أخرى، ولا يمكن أن نتعامل مع أي اتفاق لا يضمن وقف العدوان بشكل كامل وانسحاب الاحتلال وعودة النازحين».
وفيما نقل كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة الدولية أموس هوكشتاين للمسؤولين الإسرائيليين نتائج زيارته الى لبنان بشأن الملف الحدودي، لم تشهد الجبهة الجنوبية تراجعاً في حدة المواجهة، إذ واصلت قوات الاحتلال الاسرائيلي عدوانها على لبنان، فبعد ارتكابها مجزرة في حولا منذ يومين، استهدفت مدفعية جيش الإحتلال بعد منتصف الليل، أطراف بلدة يارون في قضاء بنت جبيل بأكثر من 20 قذيفة من عيار 155 ملم. وأغارت طائرات الاحتلال على بلدة كفرا ما أدّى الى سقوط عدد من الجرحى، عرف منهم الطفلة لين زاهر عبادي ووالدتها مريم عطوي وهي حامل، والفتى محمد زاهر عبادي ونقلوا الى مستشفى تبنين الحكومي. كما أدّت الغارة الى أضرار جسيمة في الممتلكات والبنى التحتية، وبخاصة شبكتي الكهرباء والمياه. كما أغار طيران العدو على منزل في بلدة الضهيرة.
في المقابل شنّت المقاومة في لبنان هجومًا جويًا بمسيّرة انقضاضية على موقع «المطلّة» وأصابت هدفها بدقة، كما استهدفت موقع «زبدين» في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة بالأسلحة الصاروخية وأصابته إصابة مباشرة، واستهدفت أيضًا موقع «رويسات العلم» في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة بالأسلحة الصاروخية وأصابته إصابة مباشرة.
وأشارت مصادر في فريق المقاومة لـ«البناء» الى أن «تصعيد الاحتلال العشوائي لا سيما ضد أهداف مدنية يعكس حجم المأزق والإرباك الذي يواجهه على صعيد جبهته الداخلية لا سيما في مستوطنات الشمال، وإن على المستويين العسكري والسياسي، ولذلك يغطي فشله في الميداني في دفع حزب الله لوقف جبهة الإسناد لغزة وكذلك على عجز الاحتلال على توسيع العدوان على لبنان خشية ردة فعل المقاومة ومعادلة الردع القائمة». ولفتت الى أن «التصعيد الإسرائيلي يهدف الى تزويد الوسيط الأميركي بورقة ضغط تفاوضية خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين في محاولة لفصل المسارات والجبهات بين الجنوب وغزة». وشدّدت المصادر على أن «المقاومة في لبنان لن توقف العمليات ضد قوات الاحتلال بل ماضية بتنفيذ العمليات النوعية التي تلحق الخسائر في صفوف جيش العدو ومستوطنيه رداً على الاعتداءات على الجنوب، واي ضغوط وإغراءات أميركية ودولية لن تثني المقاومة في القيام بواجباتها في إسناد غزة والدفاع عن لبنان مهما غلت التضحيات وحتى لو اندلعت الحرب الكبرى».
وفي سياق ذلك، توجّه عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض، خلال تشييع «حزب الله» لشهداء مجزرة حولا الحدودية، للإسرائيلي بالقول «عليك أن لا تخطئ في خياراتك، وأن تفكّر ألف مرة ومرة قبل أن ترتكب أي حماقة، لأننا سنزجّ بكل الوسائل والأدوات، ولدينا كل الحق في أن ندافع عن هذا الوطن فيما لو أراد هذا العدو أن يمضي في عدوانه باتجاه هذه الحرب المفتوحة التي يهدّد بها». وأشار فياض، إلى أن «هذا العدو بإمكانه أن يطلق التهديدات يميناً ويساراً، وبإمكانه ليلا ونهاراً أن يطلق الوعود الفارغة، وهو يستطيع فعل شيء كثير، ولكنه سيبقى عاجزاً عن فعل الشيء الأساسي، ألا وهو الانتصار في هذه الحرب، لأن المقاومة هي التي ستنتصر وهذا العدو هو الذي سينهزم. وقد هزمناه مراراً، في العام 1993 وفي العام 1996، وفي العام 2006، وبإذنه تعالى سنهزمه في العام 2024».
إلى ذلك بقيت أصداء نتائج زيارة الوسيط الأميركي الى لبنان تسيطر على المشهد الداخلي، لا سيما أنها قطعت الطريق على الجهود الفرنسية والمقترح الفرنسي الذي جاء به وزير خارجية فرنسا خلال زيارته الأخيرة الى لبنان، لضبط الحدود وتطبيق القرار 1701، خصوصاً أن السفيرة الأميركية في لبنان أكدت أمام المسؤولين اللبنانيين وفق ما علمت «البناء» رفض بلادها للمبادرة الفرنسية.
وأشارت أوساط مطلعة على جولة هوكشتاين لـ«البناء» الى أن هوكشتاين استفسر من المسؤولين اللبنانيين عن موقف حزب الله من الهدنة في غزة وما بعد الهدنة، وما إذا كان مستعداً لمناقشة أفكار لترتيبات على الحدود تضمن الأمن للطرفين، بحال حصلت هدنة في غزة. ووفق ما علمت «البناء» فإن الوسيط الأميركي وخلال لقاءاته قدّم عرضاً يقضي بأن تعمل الولايات المتحدة على تسهيل الملف الرئاسي وتقديم مساعدات للجيش اللبناني وإعادة إعمار الجنوب ومساعدات مالية ونقدية بحال تعاونت الحكومة اللبنانية للتوصل الى اتفاق على الحدود يوقف الحرب مع ضمانات بأن لا يعود حزب الله الى الجبهة بمعزل عن مسار الوضع الميداني والتفاوضي والسياسي في غزة.
لكن حزب الله، وفق ما أكدت مصادر معنية لـ«البناء» لم يُجب على الرسائل ولم يعلق على العروض ورفض النقاش بأي طرح أو اقتراحات في الملف الحدودي قبل وقف العدوان على غزة. وتولى رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي الرد على طروحات هوكشتاين بالتأكيد على الطلب من «إسرائيل» وقف خروقاتها وعدوانها على الجنوب ولبنان والانسحاب من الأراضي المحتلة، عارضين سجل الاعتداءات الاسرائيلية والخروقات للقرار 1701. وأكد الرئيس بري أنه لا يمكن الطلب من المقاومة وقف إطلاق النار من دون إجبار «إسرائيل» على وقف عدوانها على لبنان وعلى غزة أيضاً لكون القضية الفلسطينية هي أصل المشكلة ولا يمكن فرض الاستقرار على الحدود مع لبنان أو في المنطقة من دون وقف الحرب على غزة والتوصل الى حل يعيد حقوق الفلسطينيين.
ونقل هوكشتاين وفق معلومات «البناء» استعداد إسرائيل للانسحاب من النقاط المتحفظ عليها من قبل لبنان، ومن الجزء الشمالي من قرية الغجر وإطلاق مفاوضات على بعض النقاط محل نزاع مثل نقطة الـ بـ1، كما لفت الى أن «إسرائيل» لم تعد تطلب تعديل القرار 1701 بل تطبيقه، كما التراجع عن مطلبها بانسحاب حزب الله مسافة 10 كلم والاكتفاء بسحب الصواريخ الثقيلة من الحدود. وخلصت المصادر الى أن التصريحات الإسرائيلية العالية السقف ضد لبنان ورسائل التهديد الخارجية، تهدف للضغط على لبنان لا أكثر ولا أقل، مشيرة الى أن الحلول الدبلوماسية هي التي تتقدّم على فرص الحرب المستبعدة في الوقت الراهن.
على الصعيد الدبلوماسي والرسمي، جال قائد قوات اليونيفل العاملة في الجنوب اللواء آرولدو لازارو على المسؤولين، حيث زار عين التينة وتابع معه رئيس المجلس المستجدات السياسية والميدانية في ضوء مواصلة «إسرائيل» عدوانها على قطاع غزة ولبنان. أيضاً، استقبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الجنرال لازارو وعرض معه الوضع في الجنوب والتعاون بين الجيش و«اليونيفيل». وقد أطلع لازارو رئيس الحكومة على مضمون التقرير الدوري لمجلس الامن الدولي بشأن تطبيق القرار 1701.
الى ذلك، أشار ميقاتي خلال لقاء تشاوريّ مع سفراء الدول المانحة في إطار شرح موقف لبنان من أهمية استمرار تمويل «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الاونروا»، إلى أنه «لمن دواعي سرورنا أن نرحّب بكم اليوم ونقدر انضمامكم إلينا لمناقشة أمر يمثل أولوية قصوى بالنسبة للحكومة في هذا الوقت، وهو حماية الأونروا من الجهود الخطيرة لقطع تمويلها وتعطيل خدماتها». وتابع: «إننا نجتمع هنا لنقول إن الدعم للأونروا أمر بالغ الأهمية، وسيكون لوقف تمويل الأونروا تداعيات لا يمكن توقعها، ونحض المجتمع الدولي على الاستمرار في دعم الأونروا للحفاظ على الاستقرار في البلاد».
في المواقف الداخلية، رفض المطارنة الموارنة بعد اجتماعهم الشهري في بكركي، «رفضاً قاطعاً زجّ لبنان في الحرب الفلسطينية – الإسرائيلية، التي نأت الدول العربية جمعاء عن نيرانها»، وطالبوا «الأطراف المحليين المعنيين بإبعاد الأذى الذي يُعانيه أهلنا في الجنوب، على اختلاف انتماءاتهم الدينية والسياسية». وتابعوا في بيان «يُحذِّر الآباء من مغبة ربط النزاع الحدودي الجنوبي بتسوياتٍ تمسّ سيادة لبنان وثرواته النفطية والمائية وما يعود إليه من حقوقٍ جغرافية. ويلفتون نظر أفرقاء الخارج تكرارًا، العاملين على هذا الصعيد، إلى أن أيَّ تفاوضٍ لبناني في هذه الشؤون يعود إلى رئيس الجمهورية، وأن ذلك يخضع لتجميدٍ حتمي حتى انتخابه».
على الخط الرئاسي، واصل نواب «تكتل الاعتدال الوطني» جولتهم على القوى السياسية حاملين مبادرتهم الرئاسية، وزار وفد منهم ضمّ النواب وليد البعريني، احمد الخير واحمد رستم وامين سر التكتل هادي حبيش الرئيس ميقاتي في حضور النائب بلال الحشيمي.
وبعد اللقاء قال البعريني: «زيارتنا الى دولة الرئيس تضمنت موضوعين الأول، يتعلق بالمبادرة التي نقوم بها، ووضعناه في مجمل الأجواء التي رافقت جولاتنا من بدايتها حتى نهايتها، وسنلتقي يوم السبت المقبل الرئيس نبيه بري لنتشاور معه في النتائج التي توصلنا اليها».
ورداً على سؤال عما اذا كانت مبادرة التكتل مستمرة قال: «المبادرة مستمرة ولا يأس مع العمل والحياة، ونحن سنكمل عملنا والرأي العام سيحكم على ما نقوم به، واذا حصلت عرقلة لمبادرتنا سيظهر من هو المعرقل، وحتى الآن الأبواب لا تزال مفتوحة وهناك بعض الإيجابيات التي نعمل على أساسها ونحاول تطويرها وتنميتها ولكن لنتحدث بصراحة فليس «تكتل الاعتدال» وحده من سيأتي برئيس للجمهورية، فالمطلوب هو التعاون بين جميع النواب والمجتمع الداخلي والدولي اضافة الى القوى السياسية ككل لنكون يداً واحدة لنصل الى انتخاب رئيس للجمهورية. الجميع مسؤولون عن هذا الأمر وما نقوم به هو لوضع النقاط على الحروف».
من جهته، اعتبر المجلس السياسي في التيار الوطني الحر بعد اجتماعه الدوري «أن ترجمة الفصل بين الاستحقاق الرئاسي وحرب غزة تكون بالإسراع في انتخاب رئيس توافقي إصلاحي يعكس بشخصه الشراكة المتوازنة ويحظى بدعم وازن من الكتل النيابية، أما عكس ذلك فيطرح علامات استفهام حول وجود نيات فعليّة للبعض بضرب الشراكة وعدم الاستعجال بانتخاب رئيس للجمهورية وحكم البلاد من دونه وبالتالي إقصاء المسيحيين عن الحكم». وشدد على أن «التيار المنفتح الى اقصى الحدود للتشاور وللتحاور في استحقاق رئاسة الجمهورية يرفض الى الحد الأقصى ممارسات الحكومة المبتورة بضرب الميثاق والدستور والشراكة المتكافئة من خلال الاعتداء على صلاحيات رئيس الجمهورية وعلى صلاحيات الوزراء إفرادياً ومجلس الوزراء مجتمعاً وموقعه في ظل الفراغ الرئاسي. ويحذّر التيار من أن التمادي في كسر الشراكة الوطنية قد تنتج عنه ردّات فعلٍ ليست في مصلحة وحدة اللبنانيين».