الترويج للحرب بمقال مزور
ناصر قنديل
– ثلاثة أشياء لم تتبدل في مقالاتي ومقارباتي، على الأقل منذ طوفان الأقصى قبل خمسة شهور. أولها أن أميركا وكيان الاحتلال أعجز من التفكير بالذهاب الى الحرب الشاملة في المنطقة، وثانيها أن اليد العليا سوف تبقى لمحور المقاومة في حرب الاستنزاف المفتوحة التي بدأت لمحو آثار طوفان الأقصى وأخذت تتحوّل لتصبح تأكيداً للنصر الذي صنعه، وثالثها أن العجز الأميركي الإسرائيلي عن خوض الحرب يجري التعويض عنه بخلق مناخ الحرب والتهويل بها، ولذلك كنت أحذّر دائماً من خطورة الانجراف وراء التسريبات والتحليلات والتقارير التي تحاول ولو من موقع يوحي بحسن النية أو القرب من قوى المقاومة، للقول إن أميركا وكيان الاحتلال يقدران على شنّ حرب كبرى على محور المقاومة، والتعامل مع كل كلام من هذا النوع بصفته من أدوات الحرب النفسية الهادفة لتسويش تفكير جمهور المقاومة، وخلق الذعر الشعبي من الحرب، ومحاولة إشغال المقاومة وإنهاكها في التعامل مع بيئات سياسية داخلية في ساحاتها تتخذ من التهويل بالحرب مدخلاً للمطالبة بوقف أعمال المقاومة، سواء في فلسطين أو على جبهات الإسناد من لبنان إلى العراق وسورية وصولاً الى اليمن.
– لم أضع في حسابي أن يصل الإفلاس والعجز بالماكينة الإعلامية الأميركية الإسرائيلية الى حد تزوير مقال وتوقيعه زوراً باسمي وتداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، بصورة تُوحي بأن إمكانات هائلة كُرّست لضمان انتشاره في فرنسا والأميركيتين والبلاد العربية والاغتراب في أفريقيا، لايصاله إلى ملايين القراء دون مبالغة، حتى أنني منذ أسبوعين أتلقى يومياً المراجعات من مواقع مختلفة ومتعددة حول حكاية المقال. وقد أفرحني أن نسبة كبيرة من الاتصالات كانت تطلب نفياً صادراً عني وإبداء الرغبة بالمشاركة في توزيع النفي، والمبادرة للقول بدلاً من التساؤل عن صحة المقال، نحن عرفنا من الأسلوب وضعف التسلسل وغياب الحجة المقنعة أنه ليس مقالك، وفي المضمون نحن نتابعك ونعلم أن نهجك يقوم على زرع اليقين بالنصر. والمقال مكرّس لبث روح الهزيمة. وعندما حصلت على نسخة من المقال في 24 شباط الماضي نشرت توضيحاً ونفياً على تويتر مرفقاً بنص المقال، ووزّعت النفي والنص المزوّر على العديد من مجموعات الواتساب، لكن الترويج والتوزيع مستمران حتى ليل أمس بعد تصحيح بعض الأخطاء اللغويّة، لكن بقي غيرها ليكون دلالة على المستوى الهابط لماكينة الحرب الإعلامية في المعسكر الأميركي الإسرائيلي. وبعد التدقيق في النص يتبين أنه مكتوب باللغة الإنكليزية وقد اعتمدت ترجمة غوغل لنقله إلى العربية، حيث الخطأ الشائع بنصب المرفوع ورفع المنصوب، فورد مثلاً أن ما يزيد عن “أربعون ألف مقاتل”. وفوق الفضيحة اللغوية فضيحة في المضمون، حيث يكاد المريب يقول خذوني، فها هو كاتب المقال المنتحل اسمي، يريد التقدم بعرض أسباب حسم قرار الحرب فيقول حرفياً “انتقال الجيش الاسرائيلي من سياسة الردّ على خروقات حزب الله إلى المبادرة في العمليات العسكرية”، وتخيّلوا أن أكتب بهذه الطريقة فأقول بدلاً من جيش الاحتلال الجيش الإسرائيلي، وأقول خروقات حزب الله بدلاً من عمليات المقاومة. والهدف هنا ليس مجرد نفي المقال، بل تظهير مستوى التفاهة والبلاهة التي تدار بها إمكانات هائلة للحرب الإعلامية يظهرها حجم الانتشار، ولكن مع تهافت النص واعتماد الكوبي بيست، والترجمة عبر غوغل، وصولاً إلى غياب الحجة القابلة للتداول.
– المقال يعرض ما يزعم أنه أسباب كافية لقرار الحرب، والأصح للرغبة بقرار الحرب، لأنني دائماً لا أناقش مبدأ وجود رغبة أميركية إسرائيلية بالحرب، لكن ماذا عن القدرة، وهذا ما نردّده دائماً، إن من يريد الحرب لا يقدر عليها ومن يقدر على الحرب لا يريدها، وحجتنا في غياب القدرة تقوم على عناصر نردّدها دائماً هرب المقال من نقاشها. فقدّم لنا تأكيداً لها، لأن من استعمل الاسم قرأ مقالات صاحب الاسم ووقعت عيناه على حجج الإثبات لغياب القدرة الأميركية الإسرائيلية على خوض حرب، ولو كان لديه جواب على ذلك لقدّمه. وعناصر حجتنا لعدم القدرة عديدة، أهمها أن الجيش الأميركي عاجز عن بذل الدماء باعتراف قادته، وما يقوله انسحابه من أفغانستان، وما يقوله هروبه من المواجهة المباشرة في سورية رغم الأهميّة الاستراتيجية للحرب على سورية في الحسابات الأميركية، واللجوء إلى التشكيلات الإرهابية للاعتقاد بأنها تستطيع تحمل بذل الدماء بما لا تستطيعه جيوش الغرب وجيش الاحتلال. وقد قال موشي أرينز تفسيراً لفشل حرب 2006 على المقاومة، لقد بتنا دولة وشعباً وجيشاً نريد نصراً بلا دماء، وثانياً إن واشنطن في حرب كبرى في المنطقة سوف تتأخر سنوات عن المنافسة الاقتصادية مع الصين، وهي ترى أن انشغالها بحربي العراق وأفغانستان كان أحد أهم أسباب امتلاك الصين فرصة التقدّم في السباق. هذا إضافة إلى أن حروب القرن الـ 21 كما تظهرها حرب أوكرانيا هي ليست حروب القرن الـ 20 كما أظهرتها الحرب العالمية الثانية وما بعدها، أي حرب الطائرة والدبابة، بل هي حرب الطائرة المسيّرة والصاروخ الدقيق ومشاة البر. وهذه هي حرب محور المقاومة التي يتفوّق فيها ويتقن خوضها، كما قالت ضربة أنصار الله لمنشآت آرامكو عام 2019، وتقول مواجهات البحر الأحمر اليوم بلسان كبار المسؤولين الأميركيين الذين يعترفون أنها أخطر حروبهم منذ الحرب العالمية الثانية.
– حقيقة المقال على مستوى المضمون أنه تافه ليس فيه مادة فكرية ولا حجج منطقية للنقاش، بل مجرد خبريات مرصوفة للقول إن واشنطن تفكر بالحرب. ومن قال إنها لم تفكر بالحرب منذ أن جاءت بحاملات الطائرات ووجهت التهديدات. وهي تعلم أن هزيمة كيان الاحتلال هي هزيمتها، لكنها لم تفعل لأنها فكرت مجدداً بالقدرة، فتراجعت وارتضت إدارة الحرب على وتيرة منخفضة. وهي عالقة بين العجز عن خوض الحرب الكبرى والعجز عن إنجاز تسوية كبرى، لأن التسوية الكبرى تعني تكريساً لانتصار الطوفان، وهزيمة كيان الاحتلال هي هزيمة مؤكدة للهيمنة الأميركية ومشروعها في المنطقة. ولأن الحال كذلك يجري ملء الوقت بخلق مناخ الحرب بدلاً من خوض الحرب، وهذه الخزعبلات الإعلاميّة أحد تعبيرات درجة الانحطاط الفكري التي بلغتها الآلة الإعلامية الأميركية في مدرسة آدم ايرلي وقد شارك تلامذته الصغار في عملية الترويج كما أوضحت عملية متابعة سيبرانية قام بها بعض المختصّين لمن قاموا بتوزيع المقال على عدد من المجموعات دون التساؤل أو التدقيق. وأن يكون قد وقع الاختيار على استغلال اسمي فتلك شهادة ضمنية بمصداقية وثقة يعتبر صاحب الفبركة أن الاسم يوحي بهما في بيئة محور المقاومة. وهذا مصدر فخر واعتزاز، لكن من حيث لم ينتبهوا فقد صعّب عليهم هذا الاختيار إنجاز المهمة سواء من حيث البنية اللغويّة أو من حيث المضمون وصياغة المحاججة وتسلل الأفكار، أو الوجهة المعنوية النهائية لوظيفة المقال، أي مقال، فكان سهلاً على كل من تزوّد بالإيمان بالمقاومة خياراً وثقافة أن يكتشف بحدسه الصادق أن المقال مزوّر فيشترك في حملة مضادة للتحذير والتنبيه من التعامل معه ومع مروّجيه. وهي جولة من حولات الحرب الإعلامية نربحها عليهم، فليحاولوا المزيد ونحن لمزيد من النزال جاهزون.
– ارفق ربطاً نص المقال المزور للاطلاع.
– “الحرب قادمة
– حتى منتصف ديسمبر كان المشهد العام يوحي ان الاميركيين لا يريدون توسيع المعركة في غزة وكانت حكومة الحرب متعنتة وتطالب بالمزيد من الوقت لتحقيق اي نصر امام الشارع الاسرائيلي. كل شيء تغيير بعد زيارة بلينكن مصحوباً بمساعد رئيس الأركان الأمريكي ومسؤول الشرق الأوسط في المخابرات المركزية الأمريكية إلى إسرائيل في منتصف ديسمبر.
– على ما يبدوا ان الادارة الاميركية أخذت القرار بتصفية حماس وحزب الله مهما كلف الثمن واعادة فتح ملف تغيير النظام في سوريا حتى لو كلف ذلك الدخول في معركة مفتوحة مع ايران.
– الدلالات على هذا القرار الخطير أخذت تصبح اوضح يوماً بعد يوم.
– ثلاث فيتوهات على قرار وقف الحرب في الامم المتحدة، نقل ما يزيد عن أربعون الف مقاتل وثلاثمائة دبابة ومدرعة من غزة والضفة الغربية إلى الحدود الشمالية، انتقال الجيش الاسرائيلي من سياسة الرد على خروقات حزب الله إلى المبادرة في العمليات العسكرية وتوسيع رقعة الاستهداف في لبنان والتقصد في استهداف المدنيين، تشكيل قوة عسكرية أوروبية للتفرغ للملف اليمني، التصريحات الغريبة اللتي بدأت تصدر من الخارجية المصرية، إعلان البدء في تنفيذ ٣٠٠٠ وحدة استيطانية جديدة في الضفة، إعلان إجراءات امنية جديدة لمنع المصليين من دخول المسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك واخيراً وليس اخراً الرسالة اللتي حملها اموس هوكستين قبل ٣ ايام إلى السفير الايراني في لبنان “في الشرق الأوسط الجديد لا يوجد مكان لحماس او حزب الله”. رسالة واضحة ومرعبة في سطر واحد.
– الخطة أصبحت اكثر من واضحة، تهجير اهل غزة إلى مصر المنهارة مالياً وتهجير اهل الضفة إلى الوطن البديل وهجوم جوي وبري شامل لتدمير لبنان مهما كلف الثمن.
– نحن الان نتحدث عن اسابيع وليس اشهر لبدء هذه المعركة والادارة الاميركية مستعدة للقتال حتى آخر عسكري اسرائيلي في معركة مقدر لها ان تستمر سنتين.
– المحرك الرئيسي لهذا التحول في الفكر الأمريكي هي دراسة قدمها جيسون ماثيني رئيس معهد راند للدراسات تقول ان اميركا اضاعت فرصة تاريخية في الـ ٢٠٠٦ في القضاء على حزب الله والقضاء على النفوذ الايراني في المنطقة وتكمل الدراسة بالقول ان الأمور ستصبح اشد تعقيداً في اللحظة اللتي تحصل فيها ايران على السلاح النووي.
– الحرب على لبنان سوف تكون كارثية على المنطقة مع توقعات باجتياح تركي كامل للشمال السوري.
– نتيجة هذه الحرب ستعيد رسم ليس فقط الشرق الأوسط بل العالم.. والأعين كلها ستكون على ردة فعل الدب الروسي!”.