برغم الخلافات… إجماع داخلي توافقَ مع واشنطن على مواصلة الحرب
} سعادة مصطفى أرشيد*
من المعروف أنّ رئيس الحكومة (الإسرائيلية) نتنياهو قريب من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي دعمه بقوة وعلنية في السباق نحو الرئاسة تلك التي فاز فيه الرئيس الحالي جو بايدن، ولاحقاً اتسمت العلاقة بين نتنياهو وبايدن بالفتور، ولكن مع تصاعد حدة الخلافات بينهما على وقع مجريات الحرب الدائرة في غزة تمت الدعوة بيني غانتس لزيارة واشنطن دون المرور ببوابة الحكومة (الإسرائيلية) التي رفض رئيسها منح الإذن للوزير غانتس بالذهب لواشنطن، في حين تجاهل الأخير رئيس الحكومة وغادر لعقد لقاءات مع نائبة الرئيس هاريس ووزير الخارجية بلينكن ومستشار الأمن القومي سوليفان، في ما التزمت السفارة (الإسرائيلية) هناك بعدم مرافقته وتجاهلت زيارته.
وإذا تجاوزنا المشاعر والعلاقة الشخصية بين نتنياهو وبايدن خصوصاً وما بين الإدارة الأميركية والحكومة (الإسرائيلية) عموماً، فإن الولايات المتحدة قد أصبحت ترى أن هذه الحرب طالت أكثر مما ينبغي وأن حكومة نتنياهو استنفدت المدد الممنوحة لها المرة تلو المرة. ثم أن الحرب لا زالت طويلة لا بل ومرشحة لمزيد من الضراوة والدمويّة عند كل تعثر عسكري (إسرائيلي)، والأزمة الإنسانية أصبحت لا تُطاق لا من أهل غزة ولا ممن يشاهد معاناتهم وجوعهم وعذابهم. وهي مرشّحة من ناحية ثانية للاتساع بدخول أطرف عديدة على خط الأزمة لصالح المقاومة كاليمن في البحر الأحمر وعرقلتها للملاحة والتي جعلت من السفن حتى غير المستهدَفة من الجيش اليمنيّ تعزف عن المرور من البحر الأحمر وقناة السويس وتختار الطريق الأطول والدوران حول رأس الرجاء الصالح. والمقاومة العراقية وضرباتها للقواعد الأميركية في العراق وشرق الفرات السوريّ ثم التهديد والصداع الدائم الآتي من الجبهة الشماليّة والذي تمثله المقاومة اللبنانية التي سبق لدولة الاحتلال أن تجرّعت مرارة الاشتباك معها وتعرف أكلاف ذلك، كما تعرف ذلك الادارة الأميركية التي تخشى من تداعيات تحوّل المشاغلة اللبنانية إلى حرب شاملة لذلك تحاول ضبط الايقاع ليبقى بحدوده الحالية، حرب غزة ومقاومتها مقابل «اسرائيل».
ترى الإدارة الأميركية ضرورة هزيمة المقاومة الفلسطينية. فانتصارها سيمثل درساً للأمة واستنهاضاً للحالة القومية المقاومة، وبما يوقع الضرر بالمصالح الأميركية والغربية وبالأنظمة المتماهية معها، إلا أن مصالحها تستدعي أيضاً التوصّل الى صيغة تخرج بها «إسرائيل» غير مهزومة، وهي تعتبر شرق المتوسط منطقة بالغة الأهمية الاستراتيجية لمصالحها وهي أول منطقة سعت للنفوذ فيها منذ خروجها من قوقعة مبدأ مونرو الذي فرض عليها في السابق عدم التدخل في شؤون العالم القديم، مفترضاً أن مجالها الحيوي ومصالحها مرتبطة فقط بالأميركيتين. فكانت بداية انطلاقها العالميّ في مشرقنا، خاصة مع ازدياد الحاجة إلى النفط في مطلع القرن العشرين والغاز في القرن 21 وهي ترى أن منطقة شرق المتوسط هي الرابط بين الشرق والغرب وتشرف على ممرات ومضائق وطرق تجارية. الأمر الذي أصبح أكثر ضرورة وحيوية خاصة مع تزايد هموم واشنطن الآتية من الشرق البعيد والتي مثلها النمو الصينيّ المتزايد.
عرض المسؤولون الأميركان لغانتس وجهات نظرهم المحبطة من أداء رئيس الحكومة (الإسرائيلية) وحلفائه في اليمين المتطرّف ودارت معظم هذه الانتقادات حول طول مدة الحرب ومبالغة الجيش في استهداف المدنيين وعرقلة إيصال المساعدات الغذائية والطبية لهم واعتراض نتنياهو على ما قاله الرئيس بايدن بما يتعلق بحل الدولتين، وأكدوا التزام بلادهم المطلق في تحالفها مع دولة الاحتلال.
بالمقابل استمع الأميركان لردود غانتس الذي أكد على ضرورة استمرار الحرب حتى تحقيق اهدافها بسحق المقاومة وعن خشيته أن تذهب المساعدات الغذائية للمقاومة (لحماس)، والأهم حول العملية العسكرية المنتظرة في رفح وضرورتها لتحقيق أهداف الحرب، في حين يرى الأميركان وجوب أن تسبقها هدنة تشمل شهر رمضان يتم خلالها الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين ثم تستمرّ الحرب في رفح وغيرها، أما غانتس فكان من رأيه إمكانية مقايضة الأسرى بالمساعدات الغذائية والطبية.
أي رهان يمكن أن تعقده أطراف عربية أو فلسطينية واهمة على الخلافات (الإسرائيلية) الداخلية، فهو في غير محله. فهناك إجماع (إسرائيلي) على مواصلة الحرب وتحقيق أهدافها بسحق المقاومة، وأي خلافات (إسرائيلية) داخلية فهي تتعلق بالتفاصيل لا بالهدف الذي يحوز على إجماع، وأي رهان يمكن ان يعقد على الخلافات (الإسرائيلية) – الأميركية طالما الإدارة الأميركية لا زالت وستبقى تتعهّد بمواصلة دعم «إسرائيل» وإطلاق يدها في غزة وحمايتها في مجلس الأمن، فالخلاف هو فقط حول التوقيت والتفاصيل.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة