الحقائق الاستراتيجية لحروب القوى العظمى في «الشرق الأوسط»
} محمد حسن الساعدي
الحروب الفاشلة في العراق وأفغانستان وما عملته بدعوى (الربيع العربي) والذي لم يحقق شيئاً سوى زيادة العداء لواشنطن، وازدياد الاصوات الداعية لضرورة إخراج كلّ القوات الاجنبية وتحديداً الأميركية منها من الشرق الأوسط، لذلك تبلور توافق داخل الدوائر الرسمية في واشنطن وبشقيها (الديمقراطي والجمهوري) باتجاه إخراج القوات الأميركية والحدّ التدريجي من الوجود العسكري فيها واستبداله بالاستثمار السياسي والاقتصادي ليكون بديلاً لنفوذها فيها.
المحور الآخر كالصين وروسيا وكوريا الشمالية تدفع باتجاه تطوير علاقاتها التجارية والاقتصادية وفق مبدأ استراتيجي يعتمد على الطلب المتزايد على استيراد الطاقة مع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي أتاح لهذه البلدان النفوذ الواسع فيه، كما أنّ تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة أتاح لهذه الدول العودة للشرق الأوسط بعد غياب، خصوصاً روسيا التي غابت عن المشهد في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي بداية التسعينات من القرن الماضي، ما أتاح لواشنطن الدخول بعد أحداث عام 1991 وحرب الكويت، وما تلاها من أحداث 11 سبتمبر/ أيلول وغزو العراق وأفغانستان والذي تسبّب باستنزاف هائل لقدرات الولايات المتحدة العسكرية والسياسية، والتأثير السلبي على صورتها في عموم العالمين العربي والإسلامي.
توقف التراجع العسكري الأميركي بعد الحرب (الروسية – الاوكرانية) 2022، وأعادت واشنطن فكرة تواجدها بقوة، واحتياجها الى الحلفاء في المنطقة للسيطرة على الطاقة وأسعارها، أو لحشد الأصوات والتأييد الدولي لمواقفها ومواقف القوى الغربية لمواجهة روسيا والصين او لمنع تمدّد نفوذها وقطع العلاقة في ما بينهم وبين إيران والخليج.
انّ الكيفية التي سيتطور فيها الصراع في غزة سيكون لها آثار سلبية على الاقتصاد العالمي، والذي يعاني فعلاً من الصدمات إذ انّ سلسلة من الأحداث الكارثية قد تمتدّ إلى الخليج نفسه والتي يمكنها أن تؤدّي إلى الصراع بين القوى العظمى بالإضافة إلى انّ الأنظمة في المنطقة ممكن لها أن تتزعزع على أثر الغضب الشعبي بسبب فشلها في إدارة هذا الصراع ومحاولة تخفيف حدّته او مساعدة مدينة غزة المحاصرة.
الحرب المفروضة على غزة 2023 وكلفتها الإنسانية والاقتصادية الباهظة، بالاضافة الى تداعياتها السياسية والأمنية على المنطقة، ويبدو من خلال تسارع الأحداث انه بات بعيد المنال، وبالقراءة الواضحة لمجريات الأحداث في فلسطين وعموم المنطقة بالإضافة الى احداث البحر الأحمر، والتي جاءت لتعيد واشنطن الى خانة التدخل المباشر في المنطقة مرة أخرى، وإعادة هيمنتها وتوظيف كلّ قدراتها ومواردها من أجل دعم الكيان الإسرائيلي، ومحاولة تقويض أيّ تحرك لمنافسيها في المنطقة، وإيجاد أرضية مناسبة لاستكمال الدمج الإقليمي لتل أبيب بالتطبيع فيها وبين دول المنطقة.