حديث الرئيس الأسد… من العناوين إلى الموازين
} فاطمة جيرودية
بالكثير من الشفافية يجب أن نعترف بأنّ الصورة التي ظهر عليها الرئيس بشار الأسد في الحديث الذي أدلى به إلى الصحافي الروسي القدير هي صورة لطالما انتظرناها؛ وأقول انتظرناها لأنّ فيها إنصافاً حقيقياً لشخص السيد الرئيس لجهة مقدار القوة والحضور لا على مستوى المنطقة فحسب ولكن على مستوى قادة الدول الإقليمية والدولية في العالم… وأعني بها بالتأكيد تلك التي تعتنق عقيدة السياسة الأخلاقية والوطنية وفي مقدمتها إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية!
جميع من تابع الحديث شعر بذلك فعلاً.. لكن السؤال المهمّ هو وبكلّ بساطة :
ما هو سبب أن يصوغ السيد الرئيس لنا وللعالم هذه الصورة وفي هذه المرحلة بالذات التي تعيش أعقد مشهد من مشاهد الصراعات حتى الآن وأكثرها شراسة وضراوة على الإطلاق على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية؟!
شخصياً قبل كلّ شيء.. ضحكت ملء صوتي وروحي مع ضحكات أسدنا العظيم.. ولم أفوّت مع كلّ لمحةٍ في الحوار أن أشفي قلبي باستدعاء هذيان عدوّنا الصهيوني الممتدّ من تل أبيب إلى واشنطن وهو يصرّح في لحظات جنون هستيرية قبل تقريب الشهر على لسان «نتنياهو« الناطق باسم حلف الأعداء عمقاً واتساعاً بأنّ «كلّ ما يؤذي إسرائيل هو في سورية«…
وكان قبل الطوفان بأشهر قد قال: «كلّ ما يحدث في إسرائيل سببه بشار الأسد وسأنتقم منه«… ما تسبّب للنتن بالكثير من الانتقاد بعد أخطر الاجتماعات الأمنية التي استنفرت جراء الكثير من الأحداث والهجمات السيبرانية التي تعرّض لها الصهاينة ليس فقط في «تل أبيب« وإنما حتى في أميركا!
لم يفُت العدوّ طبعاً أن يتهم إيران بأنها تقف وراء ذلك كله!
وهذا ليس غريباً عن الجمهورية الإسلامية التي تدفع غالياً ثمن احتضانها للمقاومة وحربها لمحتلي مقدسات المؤمنين في الأرض!
وليس غريباً طبعاً أن تكون سورية الرئيس الأسد وراء كلّ ما يوجع «إسرائيل« وداعميها وإنْ لم يعرف العالم كله بالتفصيل فحوى وتفاصيل الدور السوري!
لكن الغريب حقاً بالنسبة لعموم الناس أن يقول النتن بتصريحات كهذه.. وما يزيل استغراب الناس هو كامن في التوبيخ الذي تلقاه نتنياهو على ألسنة الأمنيين في الكيان من قبيل :
كيف تتورّط بهذه التصريحات؟!
وكيف تقدم لعدوّك ـ يعنون السيد الرئيس ـ انتصاراً كهذا بسبب فقدك أعصابك؟!
لم تتوقف القضية عند تصريحات قادة العدو فقط.. بل وصلت إلى المنصات الإعلامية والاستخبارية تقارير مفصّلة عن بعض أنواع الأذى التي ألحقها السيد الرئيس بشار الأسد بالكيان؛ فقد جاء في تقرير أمني ما يفيد بأنّ الرئيس السوري بشار الأسد يهيّئ لمحاربة إسرائيل من الداخل بإرساله كلّ الأسلحة التي دفعت بها «إسرائيل« والغرب إلى «المعارضة السورية« وفق تعبير التقرير لمحاربة «النظام« في سورية.. تقرير طويل تحت عنوان «أرسلنا الأسلحة بمليارات الدولارات للمعارضة السورية لإسقاط بشار الأسد وهو اليوم يقتلنا بمالنا وسلاحنا«!
طبعاً لا يعنينا ولا يجوز أن نتبنّى روايات العدو كما يبثها ولكن ما يعنينا ويتوجب علينا هو أن نستقرئ الحقائق من الوقائع والروايات معاً!
ودعماً لمنطق الوقائع يجب أن نذكر بأنّ جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية شمال فلسطين قد كشفت عن استخدام صواريخ أميركية ذكر محللون مطلعون بأن حزب الله قد حصل عليها من السوق السوداء في أوكرانيا!
(صفعة أخرى لهذا الحلف الذي دفعوا له مليارات الدولارات ليقتلنا ويدمّرنا كمقاومة وكقطب جديد صاعد يحاربهم بأسلحتهم!)
ومجدّداً.. يضحك السيد الرئيس عالياً وهو يتحدث عن مهرّج الغرب زيلينيسكي!
ومجدّداً ضحكت ملء صوتي وروحي وأنا أستدعي إلى ذهني هذه الأخبار!
بحزم يقول الأسد: يجب ألا نضيع وقتنا بالحديث عن قادة الغرب.. العدو الأحمق والغبي !
وكنتُ مراراً أقول عبر هواء الفضائية السورية في حواراتي مع الضيوف إنّ سورية والمحور بقياداته الفذة الاستثنائية يجيدون إعادة تدوير المكائد لكي يقع بها عدوّنا!
وختاماً وليس أخيراً لأنّ الإحاطة بمكنونات وأسرار حديث الأسد ستتمّ ترجتمها بواقع الأحداث الآتية على مستوى الأثقال والموازين.. يجب أن نفهم :
لماذا تقصّد السيد الرئيس إعطاء هذه الصورة الآن وفي هذه المرحلة من التاريخ؟!
أولاً سأقول :
وفاءً للطوفان.. طوفان الأقصى.. أعظم ملحمة تتجسّد فيها عقود من التحضير للمواجهة مع العدو!
وفاءً للمقاومين في غزة وجبهات القتال يطلّون علينا مدنيين وعسكريين يرفعون على نعوش الشهداء رايات عرش الانتصار ثم تراهم تحت القصف ـ أطفالاً ونساء وشيباً وشباباً ـ يغنون ويضحكون ويعلموننا أنّ الفرح بمبايعة الله والوطن عقيدة!
وأنّ دبكة النصر في صفقة التجارة مع الله والوطن صلاة!
وأنّ المدارس التي أظلمتها صواريخ العدوان وصارت عراء من كلّ ما يقي من البرد وخِلواً من كلّ ما يسدّ الرمق هي مدارس للحق للنور لله للوطن للتاريخ تصدح الأصوات فيها وتغني وهي ترفع صوت الضحكات كتلك التي ضحكها رئيسنا لتضرب في العدو مقتلاً وتعلن عصر إذلاله وهزيمته من جهة، وعصر انتصارنا من جهة تحت عنوان الأغنية الملحمية «معلش كله فدا فلسطين«!
وثانيا أقول :
ليقول الأسد الذي زأر من شمال فلسطين «سورية« بأنّ حق أهلنا في جنوب سورية «فلسطين« أن يحملوا السلاح ويقاتلوا العدو المحتلّ.. وهو يصف واقعنا بالواقع العربي السيّئ صاحب البيانات والمصالح الحدودية المنطوية على ذاتها وليتها تكون كذلك في إطار وطني بل للأسف بعض منها رهين الضغط الأمريكي لصالح الكيان!
فهل صدح الرئيس الأسد بحق فلسطين مجاهراً بأحقية حربنا المسلحة مع العدو ليسجل للتاريخ موقفاً فقط؟!
ليس صحيحاً أبداً وهو الذي يقلّ كلامه وتكثر أفعالُه !
ولكن مفاد التصريح مع مقدار الثقة العالية بذاتنا والاستهزاء الكبير بالغرب هو أنّ كلّ التآمر والطغيان والخذلان والوقائع السيئة لن تتمكن من خطف بوصلتنا منا ولا خطفنا منها ونحن الذين عشنا ثلاثة عشر عاماً من الحرب وهي في كنهها «على طريق القدس«
ومعنى ذلك عملياً وبالاستناد إلى ظهور السيد رئيس الجمهورية العربية السورية الدكتور بشار الأسد قائداً بثقل دولي بعيد وعميق رسمت سبابته الكريمة وجهة المعركة الأولى التي تحدت الاستكبار والطغيان الأميركي الذي كان يستبدّ بالعالم أننا الآن وبعد أن تجاوزنا حرب الحفاظ على وجودنا إلى كوننا المنصة التي أطلقت فكرة عالم جديد متعدّد الأقطاب وبعد أن كان الجميع يحاربوننا لا بالصمت بالمتواطئ فقط وإنما بالقتل والذبح والزج بالجيوش الإرهابية وإعدادها وإمدادها لذبحنا وتجاوزنا ذلك إلى كوننا الحاضرين في كلّ حسابات المنطقة في طريقها إلى تحالفات العالم الجديد.
لن نكون اليوم مرتبكين في حساباتنا وقدرتنا وتحركاتنا ضدّ العدو وحضوراً في الحرب معه وقد تجوهر الطوفان على قاعدةِ :
أنّ العالم الأحادي لا تنتظر متعدّد الأقطاب فقط بل يشهد بدايات انهيار الإمبراطورية المظلمة خارجياً وداخلياً
وأنّ العالم الذي كان يذبحنا هو اليوم بين متواطئ وصامت ومتراجع وبعضه بدأ ينزاح لصالح قضايانا ولو على مهل.
وأنّ جيوشنا التي ترونها اليوم هي ليست تلك التي كانت قبل ثلاثة عشر عاماً تبدأ تخوض أشرس حرب في التاريخ ..
وأنّ مقاوماتنا التي كانت تعمل بخطى وئيدة صارت نداً لأوائل جيوش القتل والتدمير في منطقتنا والعالم!
فانظروا يا رعاكم الله كيف يذلُّ الياسين 105 وعبوة العمل الفدائي وشواظ وسعير ميركافا العدو ونميره وكلّ عتاده سوى الطيران الذي له ما له حسب تتبع مفاجآت المقاومة!
وتأمّلوا يا رعاكم الله اليمن السعيد قد كبر فيه الطفل الذي غنّى أمام سيارة حافياً ذات سنة من سنوات الحرب «حبيبي أنت وينك من زمااان« وربما تراه اليوم يغرق مع رفاقه بوارج العدو ويجمع إليه البحرين فيحبسهما على الطاغوت الأكبر وأعوانه وربيبته الإسرائيلية!
وأطيلوا التفكير يا هداكم الله بالعراق الذي غيّبته التلاعبات والاحتلالات الأمييكية عن ميزان القضايا العربية منهكة إياه بمخططاتها واعتداءاتها يصيب بضربه قواعد غريمه الأميركي عبر الزمان ويجعله يرفع يديه بالاستسلام ليخرج من العراق الحبيب وشقيقته سورية!
ولا يفتكم يا نصركم الله أنّ جبهة الجنوب ببضع كيلومترات ترغم أنف العدو على إرسال الوساطات لتخرج من الملحمة.. ويكون ردّها هيهات حتى ليقول قائل لأن تعيدوا الزمان إلى ما وراء السابع من أكتوبر لهو أهون علينا من إقناع حزب الله بمغادرة المعركة!
تأملوا يا رعاكم الله.. واضحكوا مع المقاومين على الجبهات ومع الرئيس الأسد وهو يذلّ عدو الله وعدونا لأنّ الفرح بهزيمة العدو وببيعة الله والوطن عقيدة!