أخيرة

دبوس

المسواكية

هل كان محمد وهو يقف كالطود الشامخ، على تخوم الجزيرة العربية، يبثّ المحبّة والإخاء والأخلاق والكرامة، ويقاتل الذات القابضة، والجذب المركزي المتفاقم في نفوس الناس، ثم يندفع نحو أباطرة الغرب والشرق، يلقنهم دروساً في فن أن تكون إنساناً في حالتي الحرب والسلام، هل كان يعلم نبي الرحمة أنه سيتدفّق من تحت قدميه بعد أربعة عشر قرناً ما سيستخدم في قتال دينه، وفي تشويه قيَمه، وفي بثّ التناحر والتقاتل بين معتنقيه اعتماداً على اختلاف في الاجتهاد هنا، أو تفاوت في السرديّة التاريخية هناك؟
لقد اخترعوا لنا الإسلام المسواكي، كما اخترعوا قبل ذلك اليهودية التلمودية، فالديدن والأصل أصبح المسواك، واللحية المرسلة، واللباس القصير، والدخول إلى الحمام بالقدم اليسرى، وكراهة الأكل واقفاً، وطقوس ما أنزل الله بها من سلطان، أما تحديد العدو من الصديق، والتحالفات وقرارات الحرب والسلام، وأين يُنفق المال، ومن يستحوذ على هذا المال، والكيفية التي يوجّه إليها، فهي منوطة بوليّ أمر لا نعلم كيف وضع علينا، ثم نجد أنفسنا وقد تحالفنا مع ألدّ أعداء الله ورسوله، ونجد ثروات الأمة تنفق على أهواءٍ ورغبات وسياسات ضالة، والناس تتضوّر جوعاً، والأوطان تباع، والمقدسات في قبضة من هم لا يؤمنون بأيّ قداسة وبأيّ حرمات!
كلّ حاكم منهم ترى الى جانبه مفتٍ باع دينه في سبيل الدولار، وهو جاهز للفتاوى غب الطلب، بما يرضي رغبات الحاكم ونزواته، فتراهم يخرجون من خبيئة أكمامهم وأسحارهم تعويذة الضرورات تبيح المحظورات حينما يتساءل متسائل، أين ذهبتم بالعدة في ممارستكم لجهاد المناكحة، وتراهم حينما يتساءل متسائل آخر عن حروبهم وصولاتهم وجولاتهم في كلّ مكان في العالم، بينما فلسطين تنتظر، يطلقون مسخرة تبريرية أخرى لا يرضاها مؤمن في قلبه ذرة من الإيمان، بأنّ فقه الأولويات يحتّم علينا ان نضع فلسطين في مكان متأخر لألف عام مقبل!
هي حروب الميمات الثلاث، ابتدعوها لنا، مفتٍ حقير، ومقاتل غبيّ أجير، ومال وفير، فوجدنا أنفسنا نقاتل قطعان الإرهابيين من بين ظهرانينا حروب أميركا وبريطانيا و”إسرائيل”، وتبذل الدم نيابة عنهم، وتحقق أهدافهم، ويبقى المسواك واللحية المرسلة حتى منتهاها، والثوب القصير، والدخول الى الحمام بالقدم اليسرى هو المهم، وهو ما يعوّل عليه لتكون مسلماً صالحاً، أما ان تقاتل في سبيل الشيطان، وتبذل الدم خدمةً لأهدافه، فتلك أمور ثانوية، وهي متروكة لوليّ الأمر!
مرحى لما وصلنا إليه، ومرحى لكلّ هذا التهاوي وهذا النكوص، ولتبشر الأمة بمزيد من التراجع ومزيد من المتكئين على الكنبات وأخوة لهم على مرمى حجر يُذبحون من الوريد الى الوريد، فنتثاءب، ونعمل المسواك بأسناننا، ونحتسب الى الله، ثم نغفو في نوم عميق، نرى فيه عصافير الجنة بكثرة وبعشرات الآلاف، فنسبة الأطفال من المذبوحين عبر الحدود من أبناء جلدتنا هي النسبة الأعلى، وهم يُذبحون بلا حساب!
سيبقى الحال على حاله طالما يصدح بالفتاوى والمواعظ على منابر المساجد، القرضاوي والسديس والعرعوري والعريفي وآلاف من هذه الفصيلة، تتناسب ثرواتهم في البنوك تناسباً طردياً مع الكمية التي يُقتل فيها دين محمد، فكلما تراكمت تلك الثروات في البنوك، كلما انزلق إلى نتفة من الطقوس والإجراءات والمنطوقات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، هكذا أريدَ لدين محمد ان يكون، جثة هامدة على قارعة الطريق، يُنظر إليها على عجل، ثم يتمتم المتمتمون، حسبنا الله ونعم الوكيل…
سميح التايه

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى